رأى الإمام الصادق (ع) بحسب تشخيصه للمصلحة أنّه يفتح باب العلم والمعرفة الدينية وغيرها على مصراعيه لمن يريد أن ينهل منهما، حرصاً منه (عليه السلام) على شيوع الفكر الإسلامي الأصيل، وصداً ومنعاً وعلاجاً للانحراف الذي لحقه بني أمية، فهب المسلمون يدفعهم الشغف والعطش الفكري والفراغ المعرفي لأنّ يشدوا الرحال من حدب وصوب إلى حيث يتواجد الإمام الصادق (ع)، فتوافد عليه طلاب العلم من أمكان مختلفة قريبة وبعيدة، حتى غصّت بهم مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) - والتي هي بمثابة جامعة عالمية من حيث العدّة والعدد - فبلغ طلابها أربعة آلاف طالب(13)، وكان من بين طلابها أئمة المذاهب الفقهية، كأبي حنيفة ومالك وغيرهم(14)، فذاع صيتها وانتشر خبرها في مختلف البلدان، فكان من ثمارها ازدهار الحضارة الإسلامية، وكأنّه في وقتها لا خلاف بين المسلمين، وقد بعث هذا الأمر في قلوب حسادها بغضاً لرائدها، فخاف بنو العباس من عاقبة أمرها، حيث كانوا يرون سعتها وزيادة طلابها يوماً بعد يوم، فأخذوا يتحيّنون الفُرص للانتقام من قائدها ورائدها، إلا أن الإمام الصادق (ع) أظهر للحاكم آنذلك عزوفه عن طلب السلطان والأمرة السياسية؛ لما يريد تحقيقه من حركته الفكرية والإرشادية التوعوية، وها هي الأيام شاهدة على صدق فعله وحسن اختياره، ورجاحة عقله وحسن تدبيره.
فالأمة باتت حيّة بحياة علمه، ونبوغ فكره، وثمرة عمله، فطلاب العلم أحياء وإن ماتوا، وطلاب الدنيا أموات وإن حيوا وعاشوا.