في السابع والعشرين من ديسمبر عام 2004، ولمدة خاطفة لم تستغرق أكثر من عُشر ثانية، ضربت تلك النبضة الغامضة من الطاقة كوكب الأرض فأصابت الأقمار الصناعية حوله بالشلل التام، وشوّشت إرسال الغواصات ومحطات الراديو، بل وحرّكت الحقل المغناطيسي للأرض نفسها! وعلى الرغم من أنه قد تم إصلاح الأمور سريعًا بعدها، إلا أن علماء الفيزياء الفلكية ظلوا يحدقون في أجهزتهم طويلًا بينما يتساءلون في حيرة: “ما الذي حدث بالضبط؟!”
حينها، تلقى كل باحث يملك منظارًا قويًا مصوّبا إلى السماء العديد من الرسائل الإلكترونية وعشرات الاتصالات الهاتفية، بالرغم من أن الجميع تقريبًا كانوا يحتفلوان بموسم الأعياد نهاية العام بالغرب. ومن ضمن هولاء كان ديفيد بالمر David Palmer، عالم الفيزياء الفلكية بمختبر لوس ألاموس الوطني Los Alamos National Laboratory، والذي تلقى رسالة تسأل عما إذا تطبيق الكشف عن النبضات الذي صممه لمرصد سويفت الفضائي SWIFT satellite قد قام بتسجيل أي قراءات غريبة ذلك اليوم. لم يكن قد مر أكثر من شهر لقمر المرصد الصناعي في الفضاء، لكن بالمر تحرى الأمر بدافع الفضول ولدهشته البالغة فوجيء بقراءات مستحيلة!
مرصد سويفت مخصص لرصد وتسجيل مختلف الأشعة الكهرومغناطيسية القادمة من الأجرام السماوية في طول موجة عديدة من ضمنها أشعة إكس بغرض دراسة انفجارات أشعة جاما عبر ثلاثة تلسكوبات على متنه. وفي تلك اللحظات الخاطفة التي لم تتعد عشر ثانية لا أكثر، سجل القمر الصناعي المتطور دفقات من أشعة جاما أكبر من تلك التي تطلقها شمسنا الصفراء طيلة 150 ألف سنة أرضية!
اعتقدت أنها كانت مجرد دفقة طاقة شاذة من أحد النجوم، أو أن خطبًا ما قد أصاب معدات الرصد!
كان هذا بالمر بالطبع بينما يعقب على الأمر حينها. لكنه بالتعاون مع باحثين من جميع أنحاء العالم توصل إلى سلامة القمر الصناعي، وأن دفقة الإشعاع التي ضربت الأرض كان سببها حدوث ما يسمى بـ “الزلزال النجمي Starquake”!
مقارنة لحجم نجم نيوتروني بمدينة مونتريال – مصدر الصورة جوجل إيرث
حساء النجوم
مرة أخرى، وكما هو الحال مع الزلازل الأرضية، فالزلازل النجمية غامضة إلى حد أبعد. يعتقد العلماء بأنها تحدث نتيجة تغير مفاجيء في الحقل المغناطيسي الفائق للنجم النيوتروني والمتصل بطبيعة الحال بقشرة النجم الصلبة؛ فإذا حدث أي تغير في أحدهما يحدث التغيير نفسه في الآخر لحظيًا. هذا يعني أن شقًا عميقًا قد حدث بطبقة SGR 1806-20 الخارجية، ما أدى إلى وقوع الزلزال النجمي الذي تم رصد آثاره عام 2004. حتى الآن، نجح علماء الفلك في تحديد 23 نجمًا مغناطيسيًا لا أكثر، مع رصد آثار ثلاثة زلازل نجمية فقط في أعوام 1979، 1998، وأخيرًا عام 2004.
عميقًا داخل النجم المغناطيسي، يصبح كل شيء أقرب لـ “شوربة نيوترون وبروتون”! لا مزاح هنا، حيث تبلغ كثافة النجم المغناطيسي من القوة أن يسحق المكونات الأساسية للذرات (النيوترون والبروتون) إلى ما يشبه الحساء الذي يتكون من جسيمات أصغر بكثير … الكوارك Quarks! هكذا يصبح لدينا قلبًا سائلًا من “شوربة” الكواركات داخل النجم المغناطيسي محاطًا بقشرة صلبة من بلورات الحديد الكثيفة فائقة السخونة. ومن الجدير بالذكر هنا أن قشرة النجم المغناطيسي تعد أقوى مادة معروفة في الكون، لذا لكم أن تتخيلوا عنفوان القلب الثائر داخل النجم الذي يكسر هذه القشرة ويتسبب بالزلازل النجمية.