الحروب ليس فيها رابحون، بل خسارات باهظة وعسكرة للحياة
الذاهبون إلى الحرب يعودون بمشاريعهم الخاصة، سياسيا وماديا واجتماعيا.

هذه باختصار أبرز السمات الخطيرة التي ينبغي الحذر منها من مخلفات الحروب، ومن نتائجها الكارثية وما تخلفه سطوة العساكر من ممارسات خارجة عن المألوف تحت ضغط التحشيد الجمعي، تعرض مستقبل المجتمعات لمخاطر جمة،ولهذا تبقى الحروب وعمليات التعبئة والتحشيد هي الأكثر إيلاما في مستقبل قريب، حتى ان من يظهر انه قد حقق انتصارات في مواجهته مع اعدائه، واذا به سيقع تحت طائلة تهديدات أخرى ربما تكون أسوأ من تهديدات الحرب نفسها، وسيواجه مجتمعه وبلده الكثير من المخلفات السلبية وربما المأساوية الناجمة عن خوض الحروب، حتى وان كانت عادلة او مشروعة، وحتى ان حققت انتصارات عسكرية من وجهة نظره، فالحرب في كل الاحوال لن يكون فيها طرف رابح وهي خسارات باهظة في كل الأحوال.

بل أن الخطر المحدق حتى على القيادات السياسية، بعد نهاية الحروب، يأتي من القيادات العسكرية بعد ان تتفرغ من تلك الحروب، فهذه ستبحث عن مكاسب في وظائف مدنية أو مكاسب خاصة بها، تتعلق بمتطلبات رواتبها وحقوقها الاضافية، وبعضها لا يخفي رغبته ان يحصل على مواقع للسلطة. وفي كل هذا فان نهاية الحروب تعد بالنسبة لقيادات العساكر فرصة ان يحققوا مآربهم في ان يفرضوا سطوتهم، وستظهر رتب كبيرة يتطلب الأمر إحالتها الى التقاعد، إذ لم يتبق لها مبرر وجود، وربما يظهر من بينها من يخطط للتآمر على قياداته السياسية، وربما يدخل البعض الحياة المدنية ويدخل لعبة الانتخابات من جديد، ليصل الى السلطة معتمدا على رصيده من القوة والمكانة التي إكتسبها، ويكون بإستطاعته أن يراوغ ويناور ويفرض سطوته، ليعوض ما فاته في أزمان سابقة، ويفرض حضوره، ليكون له موقع في السلطة، يرى من وجهة نظره انه هو الأحق بان يكون له دور يتناسب وحجم التضحيات التي قدمها، وهو ما يغيض كثير من القادة السياسيين من جناح السلطة المدني وسيفكر هؤلاء بأية طريقة للخلاص من بطش أولئك القادة العسكريين ومن محاولات تآمرهم عليهم بأية طريقة، حتى وان أصبحت محاولات الإنقلاب في الانظمة الديمقراطية غير مسموح بها، لكنها ليست مستبعدة تماما، وفي كل الاحوال يبقى القادة العسكريون تهديدا محتملا يأخذه كثير من القادة السياسيين بعين الاعتبار.

ويشير بعض المختصين بالعلوم النفسية والعسكرية ان هناك تأثيرات سلوكية ضارة ستتشكل داخل نفسيات تلك الجماعات غير المنظمة، حتى بعد انتهاء الحروب، يجد فيها بعض الأفراد فرصتهم لفرض إتاواتهم وسطوتهم، كون البعض سيجد فيها الوسيلة الامثل لإشاعة السلوك الجمعي غير المنضبط بين أوساط مجتمعه، ويظهر بدور انه من يستحق ان يحصل على الحقوق وعلى المكاسب، وسيدعي انه هو من تدرب وقاتل وهو من تحمل الصعاب، ولهذا على الآخرين ان يقبلوا فرض سطوته عليهم، شاءوا أم أبوا، وإلا تعرضوا ربما للمهانة والإذلال.

وربما سيناهض هؤلاء أي فكر او تجمعات سياسية تخالفهم في الرؤية والمنهج، حتى وان لم تدخل في برامج مواجهاتهم، لكن الاندفاع الغوغائي في داخل التجمعات غير النظامية هو ما يحفز الرغبة في اندفاع الجماعة غير المنظمة نحو الخروج عن القوانين والاعراف والانضاط، وربما تظهر منها ممارسات تسبب الضجر الجماهيري ومما تخلفها سلوكيات العساكر التي غالبا ما تكون غير ودية ومستفزة للمشاعر في المجتمع المدني وربما يتخذها آخرون من المنحرفين ومن لديهم رغبات دفينة للتسلط متنفسا لتحقيق رغبات غير مشروعة يوفر لهم مناخ التحشيد مهمة ان تختفي معالم الحساب والضبط ضدهم، ويكون خيارهم الحصول على تحقيق المآرب الشخصية أكثر من حرصهم على تحقيق الدوافع الوطنية، أو تلك التي تم تكليفهم بها، حتى ولفترات محدودة.

ويرى الخبراء والمختصون في الشأن النفسي والاجتماعي والمختصون في الحرب النفسية أن الأخطر من كل ذلك هو عسكرة الحياة، وان يحاول أي نظام سياسي تجنيد الشباب والرجال غير النظاميين في الحروب. وتعد عمليات التحشيد الشعبي الظاهرة الأكثر خطورة من وجهة نظرهم، في إنها، على عكس القوات النظامية، التي تعاني هي الاخرى من ممارسات غير منضبطة كليا، واذا بالجيوش غير النظامية تأتي لتفرض ممارسات خارج القانون، ويحاول أفراد كثيرون منهم ان يشيعوا الرغبة في السيطرة وحب الظهور، لكي يستأثروا على شعبهم قبل ان ينتقموا من عدوهم، ويخلقوا ضدهم رأيا عاما ناقما في الداخل، تكون مدخلا لممارسات جماعية تحت تأثير السطوة وفرض الأوامر العسكرية، والرغبة في أنهم هم يفرضون تلك السطوة حتى على القادة العسكريين من الجيوش النظامية، ويعدون انفسهم فوق الجميع، كون من ينضمون تحت هذه الاطر تم تجميعهم على أساس أيديلوجي في أغلب الاحيان.

والحروب لا تندلع، الا بظهور واقع من الرغبة في إستباحة الآخر، حتى وإن توفرت مبررات مشروعة لخوض الحرب، ولو بحث الطرف الذي ينوي شن الحرب على الآخر، بطريقة أخرى لكي يحصل على حقوقه، لكان له أفضل، وأقل خسارة، ولبقي مجتمعه أكثر تماسكا وأكثر قدرة على الصمود بوجه التحديات ولجنب شعبه الكثير من الأزمات والويلات.

حتى حلاوة النصر التي يشعر بها أي بلد بعد خوضه الحرب وأعلن انتصاره فيها، سيجد نفسه وقد تبددت أحلامه بعد فترة قليلة من نهاية تلك الحرب، وربما يتعرض هذا البلد الى إنتكاسات مستقبلية سيعاني فيها المنتصر حتى ولو بعد سنوات من تأثيرات مستقبلية على أجياله، تتمثل في ان جيل العدو الذي قاتله، سيحتفظ بذاكرة مريرة وبسجل غير ودي من دافع الرغبة الذاتية الانتقام الثأري تجاه من أذله وأهانه، لكي يحاول إعادة الاعتبار له، عندما تسنح له الفرصة بذلك. هذا عدا الخسائر الاقتصادية وتكاليف الحرب الباهظة التي يتحملها من يخوض الحرب، وتعرض بنية بلده ومجتمعه الى انهيار شبه كلي.

الحروب، في كل الأزمنة والعصور، تعد الوسيلة الأكثر بشاعة في التاريخ الانساني، وهي ليست أفضل الحلول أو أفضل الخيارات، بل هي أسوأ الخيارات على الاطلاق، كما يؤكد أغلب المهتمين بالشأن النفسي والاجتماعي وحتى القانوني لدارسي تأثيرات الحروب على المجتمعات. وهم يحذرون من أن الحروب ليس فيها رابحون على الإطلاق، إن لم تكن الخسارات باهظة حتى للطرف المنتصر، وهم يحذرون من مخاطر عسكرة الحياة، وما ستتركه الحروب من تأثيرات وخيمة على مستقبل الدول والمجتمعات بعد انتهاء الحروب ولأزمان طويلة.

حامد شهاب
المصدر:ميدل ايست اونلاين