أغنية البلبل المشرّد // عبد العظيم فنجان
ـــــــ.......... ــــــــ
المحُ وجهي في المرآة ، فأهتفُ به : مرحى ، أما زلتَ حيا ، أيها الشقي ؟
اُخرجُه من المرآة ، انظفه من اليأس ، أزرع ُعلى شفتيه بسمة نبيلة ، ثم أرتديه قناعا ، وأبـدأ : أسألُ سيقانا تهرولُ أمامي ، عن ثقب الابرة ، فتعطيني طرفَ الخيط ، فأعرفُ أنها سيقاني : أصطف بهما ، فجاة ، أمام زوجتي ، مثل جندي عاد الى الثكنة . تأمرني أن أرفعَ رأسي عاليا ، أرفعه ، فاكتشفُ ثقبا في السطح ، منه يعود المطرُ الى الغيمة .
أدخلُ غرفتي : أجد " العريف سرداب " يلقي بقصائدي من النافذة . أهرعُ راكضا الى الخارج ، فتسبقني أسرابُ طيور ، تلتقط أوراقي بمناقيرها ، وتحلّق بها عاليا ، لتؤلف منها شمسا جميلة جدا ، أجلسُ تحتها على الرصيف ، فيما الافلاسُ يفيضُ على نفسي ، ويغمرني بحنانه الشاسع : يدغدغني ، فأضحكُ : أضحكُ مليّا من حياتي . آه ، حياتي التي لا تشبه حياتي . أتخذه صديقا وأمضي . ادغدغه ، فيضحكُ : يضحكُ يضحكُ عاليا من حياتي : اننا جمرتان في موقد واحد ..
أبكي وأضحكُ من حياتي ، آه .. حياتي التي لا تشبه حياتي :
مهرّبٌ يرسمني على طائرة ورقية ، يقذفني الى الفراغ ، فأجدني في جزيرة واق واق ، اغرّدُ مثل بلبل مشرّد ، فاُطردُ منها داخل قفص ، لانني أقلقتُ هدوء العصافير ، فيما مـهرّبٌ آخر يزرعني في حقـل الغام ، ويلوّح مبتعدا : الحياة جميلة !
حبيبتي تدهن جسدي بالزيت ، وترميه الى البحر، تدغدغني الحيتانُ ، فأضحكُ : أضحكُ ، وأبكي من حياتي ، فيما بلادي تزرعني تمثالا في ساحاتها ، وتتركني ، آخر الليل ، أجمعُ ، مع عمال القـمامة ، دمـوعي :
آه ، ياحياتي : لماذا لا تشبهين حياتي ؟
استنجدُ بالخمر، أسكرُ، فيتسلق جدار الكأس جيشٌ من الحمقى : جنود، دبابات ،مطـربون، ومن فوّهة قنينة الخمر يخـرجُ دائنون سود وبيض : الحكومة ، مدير دائرتي ، جاري الذي يقــترض العشب من قميصي ، و..... وكلهم يصرخون : " امسكوه "
فأفيقُ من سُكرتي ، واركضُ أمامهم صارخا :
" امسكوه ".
طاردوني من زمن آدم :
من رصيف الى رصيف ، من زقاق الى زقاق ، من مدينة الى اخرى، من قارة الى قارة ، من كوكب الى كوكب ، ومن سماء الى سماء ، وكلهم يهتفون : " امسكوه "
وأنا ، امامهم راكضا ، اصرخُ :
امسكوه، امسكوه، امـسكـــــــــــــووووه...
آآآه ،
ياالـهـي .. لقد تعبـتُ ،
متى يمسـكونني ؟
.......