بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
شاهدت عمّتُه فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام ما ناء به من الجهد في العبادة، خافت عليه من أذية نفسه وهلاكها، وهو بقية السلف، وحمى الأمن، ومعقد الآمال، ومفزع المستجير، فأتت جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو خاصّتهم وصاحب جدّهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلعلّه يستطيع أن يخفف العناء والجهد عن الإمام السجاد، فقالت له: يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن لنا عليكم حقوقًا، ومن حقنا عليكم أن إذا رأيتم أحدنا يُهلِك نفسه اجتهاداً تذكّرونه الله تعالى وتدعونه إلى البُقْيا على نفسه. وهذا علي بن الحسين قد انخرم أنفه، وثفنت جبهته وركبتاه وراحتاه، لم أجدها منه لنفسه في العبادة.
فأتى جابر باب علي بن الحسين، فرأى على الباب أبا جعفر الباقر عليه السلام، فاستأذنه في الدخول على أبيه، فدخل جابر على الإمام السجاد عليه السلام وهو في محرابه، قد أنضته العبادة، فنهض إليه الإمام وسأله عن حاله، وأجلسه إلى جنبه، فقال له جابر: يا بن رسول الله، أما علمت أن الله خلق الجنة لكم ولمن أحبكم، وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم؟ فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك؟ فقال علي بن الحسين: يا صاحب رسول الله، أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم يدع الاجتهاد له، وتعبد - بأبي هو وأمي - حتى انتفخ الساق وورم القدم. فقيل له أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر!
فقال صلى الله عليه وآله وسلم: أفلا أكون عبدًا شكورًا! فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين لا يقبل قول من يستميله عن الجهد في القصد، قال له: يا بن رسول الله، البقيا على نفسك، فإنك لَمِن أسرة بهم يُستدفَع البلاء ويُستكشَف اللأواء، وبهم تستمطر السماء.
فقال عليه السلام: يا جابر، لا أزال على منهاج أبويّ متأسيًا بهما (صلوات الله عليهما) حتى ألقاهما. فأقبل جابر على من حضر وقال: والله، ما رؤي في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين إلا يوسف بن يعقوب. والله، لذرية الحسين عليه السلام أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب، وإن منهم لمَن يملأ الأرض عدلًا كما ملئت جورًا1.
1- الشيخ الطوسي، الأمالي، ص636.