في البداية
ليس كل من كتب فهو مطلع، وليس كل من قرأ صار مثقفًا، السطحيون هم من يصدقون وينبهرون بأي شخص يحادثهم بأحاديث توحي بالعمق، لكنها في الحقيقه أقرب للسطحيه مضمونًا، بعيدة كل البعد عن العمق في جوهرهًا.
الجوهر
الكل أصبح بيديه قلم بلا رقيب ولا معيار يحكم، للكل مطلق الحرية في كتابة أي شيء وإثارة الجدل، الكل يبدي رأيه وكأنه الوحيد من يملك الحقيقة، البعض يرى كأنه الأحق بالقول وغيره لا يفقه، بل يرى أحدهم أنه الوحيد الذي يجب أن تسود كلمته ويجري العرف بأقواله. ظن البعض في قلمه وكتابته أنها المنقذ، وأنها أصل من الأصول التي يجب أن تتبع، لكنه لم ينتبه أن ذلك ما هو إلا وجهات نظر لا تجدي، ولن تفيد.
القلم أصبح ملكًا للجميع، لم يعد كسابقه ملكًا لمن يملك حق الكتابة؛ ذلك الحق المكتسب بالقراءة، الاطلاع الكثير، تحري الدقة الدائم، عدم الرغبة في نيل شهرة على حساب كلمات تنشر، والأهم وجود الرغبة الحقيقة في إفادة الغير.
على الجانب الآخر يأتي التصديق من السذج، فتجد الكثير من الفارغين الجهلاء ممن تدعوهم رغبتهم الزائفة في الشعور بالثقافة يسرعون خلف كل شخص يطلق علي نفسه كاتب ويحسبونه ملِك الحق فيتبعوه، يتجمهرون لرؤيته، ينبهرون به، فيتخذونه قدوة ويقدسونه، وينصبون من أنفسهم مدافعين عنه ضد كل من ينقده.
أقرب مثال
في مجتمعنا إذا أردت أن تصير مشهورًا، ويذيع صيتك، فعليك أن تختلق قصة بين شاب وفتاة، شاب وجد ضالته عندما تبسمت له إحداهن، وهي رأت فيه القدر الذي يرضيها من الوسامة، عيونه الساحرة أوقعتها في غرامه من أول نظرة، أكمل سردك عن تضحيات الفتاة، وبالغ في تهور الشاب، وفي وصف غروره، وحينها ستجد الكثير ممن يعجبهم قصصك ورواياتك، ستكون في نظرهم مرهف الحس ونصيرًا للمرأة، تقديرك ومبالغتك في توصيل شعورك بكل فتاة سيجعل لك الكثير من المعجبات. أو عليك بأن تحكي عن تدليلك لأحدهن وتقديرك للحب الأزلي، ومدى عشقك للاتي غدرن بك، عظّم من صدقك وأخلاصك، وأحكي أكثر عن تضحياتك وحسن نواياك، بعدها سيتمني الكثير لحظة بقربك وستصبح فتي أحلام التافهات.
للأسف تلك هي العقليات التي نراها كل يوم ذات شهرة واسعه، وأصحاب جماهيرية ومتابعين كثر، بل إن البعض باتوا يقتدون بهم ويتخذون من أنفسهم مدافعين عنهم.
لكنك إن نظرت – بتجرد – لمثل هؤلاء ستجدهم لا يفقهون شيئًا، وأن عمق ثقافتهم ينبع مما يدور في مواقع التواصل الاجتماعي وما تؤول إليه من شهرة زائفة.
تعليق
للأسف حصرت القراءة على الروايات الخيالية التي تطلق العنان لشباب عقله وتفكيره في بداية توجهه فتأخذ تلك الروايات بلجامه، وتطلقه في وهم وخيال واسع فظنوا أن في الروايات كل ما يبحثون عنه فصاروا يجدون أنفسهم في كلام سطحي يبعد تمامًا عن الواقع.
من يكتب
إن لم يصبح القلم حكرًا علي من يتقن الكتابة، ويعرف حقها ويدرك تمامًا مسؤلية الكلّمة، فلن يعرف أحد الصواب من الخطأ، فالتخبط سيصيب الكل والتردد بين رأي هذا وذاك، وسيؤول إلى لا شيء. لذا فإن من عليه أن يكتب – إن أحب ذلك – هو من عرف الحياة وخباياها، من عاش التجربة وتجرع مآسيها أو من رآها في غيره، وانتبه لما يشير إليه الواقع فقاسمه في الإحساس، فالكتابة لن تكون حقيقية ما لم تكن صادقة الفكرة، ولن تصدق ما لم تعش ما تكتب وتدرك فعلًا ماذا تقول.
حقائق
الكتابة ليست رغبة بداخلك وقتما تريد أن تمسك بالقلم، وتقول أريد أن أكتب ستكتب، حينها لن تفعل بل ستختلق، ستجبر نفسك وتؤلف، الكتابة فكرة، حقيقة عايشتها، خاطرة لفكرة بعينها تبدأ بسردها، وأنت لا تعرف ما التالي، تجهل ماذا ستكتب، غير مدرك إلى أين سيكون بمقدورك أن تقول كفى، هي إلهام يأتيك فجأة يقودك – أحيانًا- لكتابة ما لم تتوقعه من نفسك.
ليس شرطًا أن من كتب مقالًا رائعًا أن كل ما سيكتبه بعده ذلك سيكون بنفس الجودة، قد تكون صدفة أو فكرة حقيقة صادفته، فالكتابة ليست حكرًا على من ملك الموهبة – فقط – فهي مثلها مثل أية مهارة يمكن إتقانها بالممارسة، لكن ما الذي يميز أحدهم عن الآخر، ما الحقيقي وما المزيف؛ إنها الفكرة هي ما نتحدث عنه، الموضوع الذي تطرحه، القيمة الذي تود أن تضيفها.
الكتابة ليست في الكثرة ولا التعقيد، بل في المعني والجوهر، معنى يستنبطه القارئ ويجد فيه ما يبحث عنه وجوهر يختبئ بين السطور، فيضيف للقارئ ما ينقصه. تذكر أن قيمة القلم ليس كمًا من الكلمات يكتب، بل قيمة ما يسطره، الحروف التي يشكلها لتخرج في صورتها النهائية، فذلك هو المعني الحقيقي، وتلك هي القيمه التي ننشدها.
نصيحة
أكتب باستمرار، لكن أدرك معنى الكلمة، خذ حذرك قبل أن تسطر أي حرف، انتبه كيف تشكل حركة يديك الحروف، إن كل كلمة تكتبها مسئولية، ستدرك قيمتها حين يقرأ لك الناس، فكل ما تكتبه الآن، سيردده غيرك، وينقله عنك يومًا ما، وتذكر أن الكتابة هي الوحيدة التي تخلد كاتبها أيًا كانت كتاباته، لذا أعمل أن تخلد سيرة تضيف لك لا تنقص منك.
منقول