ظاهرة الكسوف الشمسي من الظواهر المألوفة التي نشاهدها كثيرًا على كوكبنا؛ إذ يتراوح معدل حدوثها بمتوسط اثنتين إلى خمس مرات كل عام. تحدث الظاهرة نتيجة الاصطفاف الدوري لكلٍّ من الشمس والقمر والأرض، الذين يتحركون في الفضاء في مداراتٍ أو مساراتٍ يمكن التنبؤ بها.
عندما تصطف هذه الأجرام الثلاثة بالقرب من خطٍ خيالي، يُمثل نقطة تقاطع مدارات القمر والأرض؛ ينتج لنا الكسوف.
على الرغم من تزايد الاهتمام بمتابعة ورصد هذه الظاهرة لدى العامة في الآونة الأخيرة، إلا أنّ تاريخ اهتمام البشرية بها يرجع إلى آلاف السنين.
تذكر وكالة ناساالفضائية أن أول تدوين سجلته البشرية، يحمل إشارة لحدوث ظاهرة الكسوف، يرجع إلى حوالي 5 آلاف سنة ماضية.
يظهر ذلك على النقوش الحلزونية المنحوتة على ثلاثة آثار حجرية قديمة، عُثر عليها في مقاطعة ميث الأيرلندية. تُصوِّر تلك النقوش تحالفات الشمس والقمر، التي تُمثِّل كسوف الشمس الذى وقع في 30 نوفمبر(تشرين الثاني) عام 3340 قبل الميلاد. نتناول في هذا التقرير أشهر الأساطير التي نُسجت حول هذه الظاهرة، لدى الثقافات المختلفة حول العالم.
علامة سماوية تتنبأ بمستقبل الإمبراطور في الصين القديمة
كان لعلم الفلك الصيني نشاطًا يختص بمزاولته في المقام الأول الحكومة آنذاك، وبلغ مكانة غاية في الأهمية. تتبَّع الفلكيون حركات الشمس والقمر والكواكب، والظواهر الفلكية النادرة والمثيرة، مثل كسوف الشمس؛ لاعتقادهم بأنها علامة سماوية تتنبأ بمستقبل الإمبراطور.
آمن الصينيون القدماء أنّ كسوف الشمس الكلي ظاهرة مقدّسة تتنبأ بصحة الإمبراطور، والنجاحات المستقبلية له، وتمثّلت مهمَّة المنجمين في محاولة توقُّع توقيت حدوث تلك الظواهر. أما في حالة الفشل في توقع توقيتها الصحيح؛ يُعاقب المنجَِّم عقابَا قاسيًا يصل إلى قطع رأسه، كما ورد في سجلٍّ يعود إلى عام 2300 ق.م، ويذكر قطع رأس منجمين لم يُوفقوا في حساباتهم على نحو دقيق.
شيطان يبتلع الشمس في الأساطير الهندوسية
كالا راو في معبد بانتي سري بكمبوديا
تروي ملحمة هندوسية أسطورة عن تنين أو شيطان، يُدعى كالا راو الذي يُضمر الغيرة والحقد تجاه الآلهة التي تتمتع بخلودٍ أبديّ. يبدأ هذا الشيطان في التخطيط لسرقة إكسير الحياة الذي يمنح الآلهة خلودها؛ فيتنكّر على هيئة امرأة ويدخل مأدبة الآلهة مُتظاهرًا بمكر أنه ضمن الخدم الذين يقدمون للآلهة الإكسير السحري.
يتحين كالا راو فرصة حدوث بعض الجلبة والاضطراب في المكان، ويتناول جرعة من الشراب، لكن أحد الآلهة يلحظ فعلته، ويقوم بقطع رأسه على الفور. يموت جسد كالا راو في حينها، غير أن رأسه تبقى خالدة نتيجة الجرعة التي تناولها.
منذ ذلك الحين تُطارد رأس هذا الشيطان آلهة الشمس والقمر مُحاولةً أكلها، وعندما تبتلع الشمس يحدث الكسوف الشمسي، وعندما تبتلع القمر يحدث الكسوف القمري. مع هذا تظهر الشمس والقمر مجددًا بعد فترة قصيرة ويختفي الظلام؛ لأنهما يسقطان من حَلقِه المفتوح في رأسه المقطوع.
معركة بين الشمس والقمر في إفريقيا
أمَّا شعب باتا ماليبا الذي يعيش في توغو وبنين في إفريقيا، فيمتلك أسطورةً شيّقة عن ظاهرة الكسوف لاتزال باقية حتى يومنا هذا. ينشأ في هذه الأسطورةشِجار بين أبناء كويكوك وبوكا بوكا: أول امرأتين خلقتهما إلهة الأرض بوتان. يكون الشِجار بينهما فقط في البداية، ثم تتسرّب روح الخلاف إلى بقية أفراد العائلة والأصدقاء والجيران، حتى تطال الجميع، ويصبح الناس على الأرض في قتال، يتشاجرون ويصيح كل منهم في وجه الآخر.
بعدها يُخيم ظلام دامس على جميع أنحاء الأرض، ويلاحظون أن هناك ظل يُخفي نور الشمس؛ فيعتقدون أن الشمس والقمر قد طالتهما عدوى الشِّجار، وهما الآن يقاتل أحدهما الآخر. يُدرك الناس خطأهم، ويبدأون في التوقف عن الشجار، وينتشرون في الشوارع يشجعون غيرهم على إيقاف القتال فيما بينهم، في محاولة لتشجيع الشمس والقمر كذلك على وقف القتال.
يبقى حدث الكسوف الشمسي إلى الآن توقيتًا مثاليًّا لدى شعب الباتاماليبا يتجمعون فيه؛ لتهدئة النفوس الغاضبة وتصفية الخلافات القديمة، وتشجيع الناس على فض الصراعات والنزاعات فيما بينهم.
كلاب أسطورية تحاول سرقة الشمس في الأساطير الكورية
تحكي الأساطير الكورية عن كائنات أسطورية تُدعى كلاب الـ« بول غاي»، وهي وحوش من مملكة الظلام خُلقت من النار.
وفقًا للأسطورة فهنالك العديد من عوالم السماء، والعالم السفلي أو مملكة الظلام واحدة منها. في إحدى المرات يسأم حاكمها من الظلام المخيِّم على عالمه فيُرسل أحد وحوشه؛ لمطاردة الشمس والقمر وإحضارهما لجلب النور إلى عالمه.
يحاول البول غاي عضّ الشمس، لكنَّ سخونتها الشديدة تحرق فمه، يتركها ويعود إلى الملك الذي يثور غضبه؛ فيرسل وحشًا آخر أكثر شراسة لجلب القمر. يحاول الوحش الآخر عضّ القمر، لكنه بارد جدًا ويتجمد فم الكلب فيعود خائبًا هو الآخر إلى سيده.
يستمر الملك في إرسال كلابه محاولًا جلب الضوء لكنها تفشل في كل مرة، وعندما يعض أحد الكلاب الشمس يسمى ذلك بالكسوف الشمسي، في حين عندما يعض القمر ينتج عنه الكسوف القمري.
غضب من الآلهة عند الإغريق
الشمس خلف أعمدة أحد المعابد اليونانية
لم تكن ظاهرة الكسوف حدثًا محبوبًا لدى الإغريق على الإطلاق، بل كانت نذير شؤمٍ وشرّ. فقد اعتقد اليونانيون القدماء أنّ السبب في حدوث ظاهرة الكسوف، هو غضبالآلهة على البشر الذي سيتبعه حلول الكوارث والدمار على الأرض.
في الواقع كلمة كسوف الإنجليزية Eclipse مُشتقة من المصطلح اليوناني Ekleipsis والذي يعني ترك أو هجر، وهذا يُفسر ما يحدث أثناء الكسوف عندما تهجر الشمس البشر وتتركهم إلى الظلام والدمار.