...
بينما تبزغ الشمس بوجه ورداية وهي تحكُّ رأسها بأصبع يدها اليمنى ، وتحكّ ظهرها بيدها اليسرى، شاهدت الغمام الهادئ الذي كالستار تسحبه يدٌ خفية وناعمة خلف البيوت البعيدة والطيور الراحلة صوب مربع زقزقتها الاولى، استدارت والتفت كراقصة باليه صغيرة رفعت قوامها باصبع قدمها اليسرى استقرت قليلاً لكن سرعان ماسقطت، بحضن الغرفة الحزينة، رفعت رأسها وهي تضحك كذباً ، استمرت بالضحك حتى بكت كذباً ايضاً، سمعت صوت حبيبها وهو ينادي: ناوليني المنشفة؟!
ركضت وقد اخذت منشفتها البيضاء المطرزة بورود زرقاء، ووقفت تنتظره لاخذها منها!
ثم صاح حبيبها حضري لي قدحاً من الشاي ، ركضت مسرعة وقلادتها تتلاعب على صدرها وهي تضحك فرحة، اخذت كومة من الشاي الاسود ووضعته في ابريق طويل، بعد ان سكبت فيه الماء، ووضعته على نارٍ هادئة، وراحت تعد قدحاً ابيضاً بعد ان فركته بمنشفة صغيرة بيضاءحتى صار يلمع بعينيها، راحت تنصت لحبيبها، فصاح هذا الشاي مر، مر جداً، ركضت بعد ان صفقت على خدها مرتين ونفخت حسرة وعتباً، وضعت اربع ملاعق من السكر كبيرة الحجم فوق الشاي وتركته يغلي حتى فاض فوق فناء عين النار، اخذت الشاي بقدحٍ لامع، ووضعت قليلا من البسكويت في صحن رمادي، وسارت تغني اليه باغاني قديمة متعوبة اللحن والكلمات:
حبينه ضي الگمر
والگمر ناسينه
احنه الگضينه العمر
عمرين بسنينه
سمعت حبيبها يصيح علي من صوتك قليلاً لااسمعكِ ماتقولين؟!
فصاحت بأقصى صوتٍ لها:
ما وده طارش
ما وده طارش
ولابالچذب مر بينه
صاح عليها هل اكملتي علينا الذهاب بسرعة الوقت قد ازف؟!
صمتت وقالت بصوت خفوت : نعم ياضي العين اكملت؟!
لحظات وقد سمعَت صفقة باب، ابعدت ستار الغرفة وعبر النافذة ملأت عيونها بالمشاهدة، حبيبها يعبر الشارع مع حبيبته فغابا في جوف الشارع المقابل وهي تحتضنه ويحتضنها ؟!
التفتت بعيون جبانة وخذولة، وقالت:
ياما
ياما
يامه گضينه العمر
فوك الشواطي شراع؟!
نتمنى بينه تُمر
ملگه بلايا وداع؟!.
ثم صمتت باكية!
م.ن