الرحمة تُعدّ الرّحمة خلقًا رفيعًا يتّصف به أصحاب القلوب اللطيفة التي ترقّ لآلام الخَلق، وتتجاوز عن أخطائهم، وتُحسن إليهم، وتعني الرّأفة ولين الجانب والعطف، وقد قيل إنّ الرحمة رقّةٌ في النفس، تبعث على سَوْق الخير لمن تتعدّى إليه، وهي عكس القسوة والغِلظة، كما أنّ من أسماء الله الحسنى الرّحمن الرّحيم، وبهما نفتتح كلَّ سورةٍ نتلوها في القرآن الكريم بقولنا: بسم الله الرحمن الرحيم، وفي ذلك دلالةٌ واضحةٌ على تعامل الإسلام بالرّحمة، وتقديمه على غيره من الصّفات في الأولويّة. حثّ الدّين الإسلاميُّ على الرّحمة العامّة وأوصى بها، وأمر أتباعه بالتخلّق بهذه الصّفة، فقد جاءت رسالة الإسلام السّمحة نموذجًا مُتميزًا للرحمة، وما كانت بعثة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم في قومه إلا رحمةً لهم وللعالَمين أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرسلناكَ إلّا رحمةً للعالَمين) [الأنبياء:١٠٧]، فكان أرحم النّاس بالنّاس، وأوسعهم صدرًا وعاطفةً، من طبعِه السّهولة، واللين، والرّفق، والرأفة بكل من حوله من المسلمين وغيرهم. مظاهر الرحمة في الإسلام رحمة الله سبحانه وتعالى بالإنسان وخَلقه: وتتجلّى صور هذه الرحمة بهدايته عن طريق إرسال الكتب والرسالات والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، و تدبير أمورهم وشؤون حياتهم، وسَوْق الخير له أينما كان.
الرّحمة بالوالدَين: فالأم والأب أحقّ الناس برحمة أبنائهم، وبِرّهم بهم، وعاطفتهم ولين جانبهم لهم؛ لأنّهم أصحاب الفضل في وجوده بعد الله عزّ وجلّ، قال تعالى: (وَاخْفِض لهما جناحَ الذُّلِّ من الرَّحمةِ و قُل رَّب ارحمهُما كما ربَّياني صغيرًا) [الإسراء:٢٤]. الرّحمة بذوي القُربى: من خلال صلة الرّحم؛ فالرّحم مُشتقّةٌ في مبناها من الرّحمة، وعلى المسلم أن يُعين أقرباءَه على نوائب الدّهر، ويؤدّي حقوقهم، ويقوّي أواصر المحبة والمودة بينهم.
الرحمة باليتامى: بكفالة معيشتهم، وإعانتهم، والرّأفة بحالهم، والعطف عليهم، وتقديم كلّ صور المُساعدة والإحسان والبرّ لهم، وهذا سبيلٌ لجعل القلب ليّنًا رحيمًا ودودًا.
الرحمة بالمرضى: فهم أصحاب عجزٍ ألَمَّ بهم، ابتلاهم الله سبحانه وتعالى به، فلا تجوز القسوة في حقهم، أو التّخلي عن خدمتهم، وترك رعاية أحوالهم، بل هم في هذه الحال أحوجُ ما يكونون لمن يرأف بحالهم، ويعطف عليهم، ويرحمهم.
الرحمة بالضعفاء: بالإحسان إليهم، وكذلك مُعاملة الخَدَم بالرّفق واللين، والتّجاوز عن هفواتهم، فلا يَجوز استضعافهم وتكليفهم بأعمالٍ فوق قُدرتِهم لا يُطيقون القيام بها، بل التّعامل معهم بأقصى درجات الرّحمة والبر.
الرحمة بالحيوان: تشمل الرحمة الحيوانات أيضاً؛ فهم من مخلوقات الله، ولا يجوز استضعافهم أو تعذيبهم، وقد رُوي أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (دخلتِ امرأةٌ النارَ في هرَّة رَبطتها؛ فلم تُطعمها، ولم تَدَعْها تأكل من خَشاش الأرض)[صحيح البخاري].