الأطفال يحترمون أولئك الذين يكنون لهم الاحترام
كنت مؤخرًا أقضي الوقت في أمسية جمعت الأهل والأصدقاء، إلى جانب بعض الغرباء ومجموعة من الأطفال الظريفة، ومع نهاية هذه الأمسية سمعت بوضوح طفلة في السادسة من عمرها تهمس إلى أمها تسألها عن شيء ما، وإذ فجأة ترتسم على وجه الأم ملامح الغضب الشديد وتبدأ الصياح في طفلتها بشكل هيستيري، مما جعل الطفلة المسكينة تبكي في صمت حتى أغرقت الدموعُ خديها، وقد بدا أن هذا المشهد لأم وابنتها مألوف للحاضرين الذين صمتوا برهة ثم ما لبثوا أن استأنفوا ما كانوا يفعلون وكأن شيئًا لم يحدث.
ولعل هذا المثال من التوبيخ والإهانة للطفل قد يكون له تأثيرات مدمرة على المدى البعيد، والسؤال هنا هل هذه الطفلة عندما تكبر في السن ستكن الاحترام لوالدتها؟
وأنا أرى بشكل مستمر لافتاتٍ تحث الأبناء على احترام وطاعة آبائهم، في حين لا أرى ما يحث الآباء على احترام أبنائهم، لذا أتذكر ما قالته زميلتي أليس ميلر حول هذا الشأن: “إن الأطفال يحترمون أولئك الذين يكنون لهم الاحترام”، و بالرغم من رحيلها عن عالمنا في عام 2010 إلا أن إسهاماتها الفكرية العميقة حول هذه القضية والعمل الدؤوب عليها مازال يمثل مصدر إلهام لنا جميعًا، ولذلك فهي تعد من أكثر المحامين المدافعين عن الأطفال فصاحةً وحجة.
ونحن نجد أن الأبناء الذين نشؤوا على أيدي آباء نرجسيين كثيرًا ما تتفق روايات طفولتهم حول التعرض للتوبيخ والإهانة من قبل والديهما، وأن غالبًا ما تحدث هذه الممارسات أمام الناس، وبالرغم من أن المعاملة السيئة للأطفال وعدم احترامهم لا تعد الطريقة المثلى التي يجب أن يتبعها الآباء، إلا أننا نراها بكثرة ولا نعرف السبب وراء ذلك.
وكي أؤكد على ما أقول، فإن اليوم على سبيل المثال حكت لي صديقة عن أخيها الذي كثيرًا ما يوبخ أبناءه بصوت مرتفع أمام العائلة غير مدرك لما يسببه ذلك من ضرر لأطفاله، في حين لا تملك الأطفال إلا أن تقف أمامه مطأطئي الرأس يستمعون لما يقول، وبالتالي ذلك لا يضع مجالًا للشك في أن الأطفال الذين يتعرضون لمثل هذه المواقف سيتحولون إلى شخصيات تفتقر إلى الثقة بالنفس، وكئيبة، ومضطربة مع مرحلة البلوغ.
ولأن توبيخ الأطفال وإهانتهم يؤذيهم عاطفيًا، فلابد ألا يتم إيذاؤهم بدنيًا أو بالكلمات، فهؤلاء الصغار يستحقون ويحق لهم التواصل والترابط والتعلق بمن يعتنون بهم، وفي المقابل ينتظر الأطفال من آبائهم توفير الحماية والأمان لهم، وأيضًا تقبلهم، وتفهمهم والتعاطف معهم، وعندما يحدث ذلك ينمو جيل من الأطفال يقدرون قيمتهم وجديرون بالاحترام من أنفسهم والآخرين.
وعلى الجانب الآخر، فإن تعرض الأطفال للإيذاء العاطفي والنفسي، يجعل الطفل ينشأ ولديه شعور بأنه مكروه، وغير مرغوب فيه، وجبان، ومع تطور هذه المشاعر ينقطع التطور الطبيعي للطفل ليرسله جريحًا إلى منفى، مسببًا إحساس “لست جيدًا بما فيه الكفاية” الذي يراود كثيرًا من البالغين اليوم.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فمع الوصول لمرحلة البلوغ يبدأ هؤلاء الأطفال يعاملون أنفسهم بنفس أسلوب تعامل والديهم معهم أيام الطفولة بعد أن ترسخت هذه الرسائل – التي استقبلوها في طفولتهم – في عقولهم حتى مرحلة النضوج، وأصبحت مثل الشريط الذي يتم تكراره بلا نهاية، ومن هذه الرسائل “كيف يمكن أن تكون غبيًا إلى هذا الحد؟”، “أنت لا تستطيع إنجاز أي شيء بشكل صحيح”، “لا عجب في أن لا أحد يحبك”.
أيضًا فإن توبيخ الأطفال وإهانتهم يسبب لهم الخوف، هذا الخوف لا يزول وإنما يكبر معهم ليصير بمثابة الحاجز المنيع الذي يحجبهم عن عيش حياة عاطفية سليمة، ذلك بالإضافة إلى احتمالية نقل هذا الخوف والمشاعر السلبية لديه بشكل غير متعمد عبر الأجيال في حالة أصبح أبًا، مما يجعل وضع حد لهذا الميراث المشوه من الحب هو الهدف الرئيسي لتحقيق التعافي.
ويجب أيضًا قبل أن ننتقد الأطفال عديمي الاحترام أن نلقي نظرة على طريقة تربيتهم، فالتربية القويمة تقوم على احترام الطفل وتفهم مشاعره، وعندما يحدث ذلك ينشأ الاحترام المتبادل من الطفل تجاه والديه، وبالتالي كلما أصبح الاحترام هو قانون العائلة كلما نجحت في بناء أطفال تمتلك من القيم ما يمكنها من تغيير العالم للأفضل، ولعل الخطر الأكبر يأتي مع بقاء الطفل صامتًا بعد التعرض للتوبيخ والإهانة، حيث أن ذلك قد يؤدي لاحقًا في حياته إلى نشوء رغبة لديه في إيذاء نفسه – التدمير الذاتي – أو التعامل بقسوة مع الآخرين.
لذا في النهاية أقول لك: يجب أن تلزم نفسك بألا تهين طفلًا أبدا، وعامل الأطفال كما تحب أن يعاملك الناس، وإذا كنت تربيت على أيدي آباء نرجسيين، فإن عملك على التعافي من تأثيرات هذه المرحلة سيصنع الفارق الكبير، كما أود أن أحييك على مجهوداتك الجادة لوضع حاد لميراث الحب المشوه، فأطفال العالم في حاجة إلى أمثالك من البشر.