’’جميعنا خرجنا من معطف غوغول‘‘
فيودور دوستوفيسكي
نيقولاي فاسيليفتش غوغول روائي وكاتب روسي ولد في عام 1809، يعتبر أحد الشخصيات البارزة ومؤسس المدرسة الواقعية الروسية في الأدب، ولد غوغول في أوكرانيا حيث تأثرت أعماله الأولى بالحياة والفلكلور الأوكراني.
في وقت مبكر من حياته الأدبية برع غوغول في كتابة القصص القصيرة، التي نالت إعجاب الدائرة الروسية الأدبية بما في ذلك الكسندر بوشكين “شاعر وكاتب مسرحي روسي من العصر الرومانسي بين سنة 1800 إلى 1840، يعتبره الكثيرون أعظم شاعر روسي، ومؤسس الأدب الروسي الحديث”.
بعد أن استطاع غوغول اكتساب الشهرة والسمعة الحسنة، بدأ العمل على كتابة العديد من المسرحيات التي أراد فيها انتقاد الفساد السياسي الروسي، لكنه قام بإهمال محاولته الأولى في كتابة مسرحية ساخرة عن البيروقراطية الإمبريالية خوفاً من الرقابة على المطبوعات.
يمتلك غوغول العديد من المؤلفات التي تعتبر من الأدب الخالد، حيث في هذا المقال سوف نتعرف على خمس مؤلفات من أهم وأبرز أعمال هذا الكاتب العظيم.
تمثال غوغول في مدينة سانت بطرسبرغ.
المعطف (1842)
قصة قصيرة ذات صفحات قليلة، إلاّ أنها تعتبر أهم ما كتب غوغول. تسرد القصة حياة وموت عضو المجلس الفخري “Akaky Akakievich” الرجل الفقير، وهو كاتب وناسخ في مدينة سانت بطرسبرغ الروسية، حيث لا يظهر أي شخص له الاحترام على الرغم من تفانيه في عمله.
يرتدي ’’Akaky‘‘ معطف رث وغالباً ما يكون موضع سخرية لزملائه في العمل، وهذا من ضمن الأمور الأسوأ التي من الممكن أن تحدث لأي إنسان، والتي تجعله يتمنى أن تبتلعه الأرض حياً، مما يدفعه لترميم معطفه القديم حيث يأخذ المعطف للخياط ’’Petrovich‘‘ من أجل تجديده، ولكن يخبره الخياط بأنّ معطفه لا يمكن إصلاحه ويجب عليه شراء معطف جديد.
تكلفة معطف جديد أغلى من راتب ’’Akaky‘‘ الضئيل، مما دفعه لإجبار نفسه على العيش ضمن ميزانية ضيقة من أجل توفير المال لشراء المعطف. لاحقاً، يتم إضافة مكافأة كبيرة غير متوقعة لراتبه، حيث ينقذه هذا الأمر ويحصل على المال الكافي لشراء معطف جديد، وهنا سوف أتركك عزيزي القارئ من أجل قراءة باقي القصة وماذا سوف يحدث لبطلها بعد شرائه المعطف.
# تعكس هذه القصة الإنسانية الحزينة صورة المجتمع في ذلك الوقت، وإلى الآن، حيث يبدو بأن بعض الجوانب قد تغيرت ولكن الجوانب الأكثر أهمية لم تتغير كثيراً. تأخذك سطور القصة في رحلة لعالم قاسي، وتجسد معاناة الطبقة الفقيرة وحياة رجل عاش في صمت تحت كل تلك الإهانات التي كان يتلقاها، رجلٌ لم يكن معطفه رثاً، بل أسلوب وإنسانية من حوله. أيضاً، تنتقد القصة غرور وتكبر الإنسان ومساوئ ذلك على المجتمع.
’’اختفى وغاب ذلك المخلوق الذي لم يكن له من يحميه، والذي لم يكن عزيزاً على أحد، ولا شيقاً بالنسبة لأحد..‘‘
# يصور غوغول المعطف في هذه القصة بأنّه أهم حتى من ’’Akaky‘‘، حيث أنّ هذا المعطف استطاع أن يعطي القوة لهذا الرجل الفقير، ودافعاً قوياً للحياة، حتى أصبح أكبر طموح له هو شراء معطف..!
# قراءتك لهذا العمل سوف يغير فيك الكثير، وأعدك بأنك لن تمل من قراءته أبداً، سوف تقرأ تلك السطور مراراً وتكراراً ولن تفقد تلك الكلمات سحرها.
الأنفس الميتة (1942)
ربما عند قراءتك لعنوان الرواية سوف تظن بأنّها رواية سوداوية، مظلمة، تبعث على الاكتئاب، ولكن على العكس من هذا تماماً، قراءتك لهذه الرواية ستجلب لك الكثير من الارتياح النفسي العميق، فهي رواية مسلية وساخرة سياسية وفكرية، تحفة فنية حقيقية كتبت بواسطة أيادي غوغول المذهلة، كما هو حال باقي أعماله.
’’لا يمكنك تخيل كيف أصبح العالم أكثر غباء في الوقت الحاضر‘‘
تسرد الرواية قصة رجل مبهم وغامض من الطبقة الوسطى يدعى ’’Chichikov‘‘، يحاول بناء هيبة خاصة به عن طريق إبهار موظفي الدولة في روسيا في ذلك الوقت، يحاول بطل الرواية بناء علاقات صداقة مع أهالي البلدة من أجل تنفيذ خطته الغريبة وهي بيع ’’النفوس الميتة‘‘.
# لكي أكون أكثر وضوحاً، تصور الرواية المجتمع الروسي في الوقت التي كانت فيه روسيا تتبع نظام ’’القنانة‘‘ بخصوص الأراضي الزراعية، ’’وهو نظام اقتصادي يخص طبقة الفلاحين في ظل الإقطاع، وهي حالة من العبودية كان أول ظهور لها في أوربا خلال القرون الوسطى‘‘. تعتبر حياة الفلاح في ظل هذا النظام ليست بيد صاحب الأرض الزراعية، ولكن عمله يكون للمالك وينال بواسطته أجراً رمزياً.
# عدد الأنفس لكل أرض زراعية لا يتم إحصائها إلاّ في فترة الإحصاء السكاني، والذي يتم كل عشر سنين، كل نفس تموت تبقى موجودة على الورق على الرغم من موتها، وبالتالي يثقل مالك الأرض ببعض التكاليف والضرائب، ومن هذا المنطلق عرض ’’Chichikov‘‘ على أصحاب الأراضي شراء تلك النفوس الميتة بثمن بخس من أجل أن يصبح أحد النبلاء وأصحاب الممتلكات.
’’لا تحافظ على المال، بل حافظ على صحبة الأشخاص الطيبين‘‘
# تصور هذه الرواية أو القصيدة النثرية شخصيات المجتمع الروسي ولكل شخصية نمطها، وسرد فيها غوغول هيئاتهم وعيوبهم وكل التفاصيل الدقيقة من أصغر الأشياء امتداداً إلى أكبرها. قام غوغول بإحراق الجزء الثاني من هذه الرواية في فترة كتابته لها بسبب أمور دينية.
مسرحية المفتش العام (1836)
لم تفقد هذه المسرحية شعبيتها في روسيا إلى الآن، وهذا ليس بالأمر الغريب على الإطلاق؛ لما تحتويه من معنى عميق ورسالة قوية وصارمة، تعتبر مسرحية ساخرة كما هو أسلوب غوغول في معالجة مواضيعه.
تصور أحداث المسرحية مجموعة من المسؤولين الفاسدين مع رئيس البلدية في بلدة صغيرة بروسيا، وردة فعلهم وذعرهم بخصوص قدوم مفتش مجهول الهوية إلى بلدتهم للتحقيق معهم، بعد أن وصلت أخبار جرائمهم وأثمهم الكبير عن طريق شخص مشبوه وصل قبل أسبوعين لمدينتهم من سانت بطرسبرغ، والذي يقيم في نزل.
الشخص المشبوه يدعى ’’Khlestakov‘‘، وهو موظف حكومي صاحب خيال جامح ظنوا أنّه هو المفتش المجهول، مما يدفع رئيس البلدية وأتباعه للتودد له وخدمته على مدار المسرحية، ’’Khlestakov‘‘ مستغلاً الموقف يدعي بأنّه هو المفتش للتحايل عليهم.
# لا تعتبر هذه المسرحية رفيعة بشخصياتها وحوارها فقط – كما وصفها المؤرخ الأدبي ’’D. S. Mirsky‘‘ – بل تعتبر من المسرحيات الروسية القليلة التي بنيت بواسطة فن لا يخطئ من بدايته حتى نهايته، لا توجد فيه أي كلمة أو ترنيمة خاطئة، حيث أن جودتها تتمثل في انعدام الاهتمام بالحب، أو الشخصيات العطوفة والرحيمة.
# تصور المسرحية أخطاء البشر بطريقة كوميدية، بالإضافة إلى جشع الإنسان وغبائه، والفساد السياسي الذي كان منتشراً في عموم الإمبراطورية الروسية.
قال غوغول عن المسرحية ’’أردت أن أجمع فيها، في كومة واحدة كل ما كنت أعرفه في روسيا من قبح وكل ما كان يمارس فيها من جور وظلم.‘‘
# يزعم أن غوغول استلهم هذه المسرحية استناداً على حكاية طريفة كتبها ألكسندر بوشكين.
’’أصنع لي معروفاً، أرسل لي بعض المواضيع، هزلية أو لا، لكن حكاية روسية مثالية، يدي