بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
المحاسبة تكون بطريقين:
الطريق الأول أن أضع جدول، الساعة كذا أذهب إلى العمل، الساعة كذا أرجع من العمل، الساعة كذا أذهب إلى الجمعية، الساعة كذا أذهب إلى الديوانية، لماذا لدي جدول عمل في الأمور الحياتية فقط؟ لماذا لا يكون عندي جدول عمل لعلاقتي مع الله؟ أضع جدول: الساعة الفلانية أقرأ خمسين آية من القرآن، الساعة الفلانية أقرأ دعاء الأحد، دعاء السبت، الساعة الفلانية أزور خالتي صلة للرحم، أزور عمتي صلة للرحم، وهكذا أضع جدول أعمال للطاعات والقربات، وهكذا يمكنني التخلص من مرض الغفلة.
الطريق الثاني - وهو المهم - تأنيب النفس، إذا أذنبت يجب أؤنب نفسي وأوبخها، فهذا ضروري للتغيير، كثير من الناس إذا أذنب يقول لك: أنا أذنبت، والآن أنا نادم، لكني لماذا أعكر مزاجي، أنا لست أول واحد يذنب! كأن شيء لم يكن، لا، في الذنوب يجب أن توبخ نفسك وتكثر التأنيب والتوبيخ، أما سمعت الحديث: ”المؤمن إذا أذنب كان ذنبه عنده كضخرة ثقيلة على صدره، والمنافق إذا أذنب كان ذنبه عنده كذبابة مرت على أنفه فأبعدها بيده“ هذا شأن المنافق، الذي يستهين بالذنوب، ويستحقر الذنوب، يقول لك: ماذا أفعل؟ أذنبت يعني أذنبت لم أعكر مزاجي؟! لا يا أخي، إذا كانت هذه النفسية عندك سوف تعود للذنب مرة أخرى وثالثة ورابعة وعاشرة.
عليك أن توبخ نفسك وتكثر من التوبيخ في الخلوات، أنا أخلو خمس دقائق في اليوم أؤنب نفسي وأوبخها، وأتذكر ذنوبي واحدة واحدة، هذه العملية هي بداية التغيير، هذه بداية التطوير، هي بداية تكوين الإرادة، إذا خصصت خمس دقائق يوميًا لتأنيب نفسي وتوبيخها فسوف أتغير، وسوف أملك إرادة حديدية في مواجهة الشهوات والغرائز، أما إذا استرسلت مع العمل والنوم والأكل والراحة والديوانية وتناسيت الذنوب فسوف أرجع إلى الذنب مرة ومرات.
القرآن الكريم يقول: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ «1» وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ عندك ضمير، النفس اللوامة هي الضمير، حاول أن تستفيد منه، حاول أن توخم نفسك وتؤنبها، كما ورد عن أمير المؤمنين سلام الله عليه: ”وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى“ وورد الإمام الكاظم سلام الله عليه: ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم“ ليس فقط إذا سمعت الخطيب يحثك على المحاسبة تحاسب، لا، كل يوم، ”ليس منا من لم يحاسب نفسه كل يوم، فإن عمل حسنة استزاد منها وإن عمل سيئة استغفر الله وتاب إليه“.
فإذًا أكثر التأنيب والتقريع والتوبيخ حتى تردع النفس وتبتعد عن المعصية والرذيلة، وهذه هي البطولة، النفس تشتهي أن تسمع الأغنية، فهل عندي إرادة أن أمنعها؟ النفس تشتهي أن تكذب، فهل عندي إرادة أن أمنعها؟ النفس تشتهي أن تنظر إلى المرأة الأجنبية الجميلة، فهل عندي إرادة أن أمنعها؟ النفس تشتهي أن تشاهد الفيلم الخليع، فهل عندي إرادة أن أمنعها؟ هنا البطولة، البطولة إذا كنت قادرًا على منع النفس، هذه هي البطولة الحقيقية.
ليس من يقطع طريقًا بطلا
فاتقي الله فتقوى الله ما
إنما من يتقى الله البطل
جاورت قلب امرئ إلا وصل
البطولة ليست البطولة في الرياضة وقوة العضلات وحمل الأثقال، وليست البطولة أن أكون طبيبًا معروفًا أو خطيبًا مشهورًا أو عالمًا كبيرًا أو إنسانًا مبرزًا، البطولة أن أقف مع النفس الأمارة بالسوء، ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ﴾ جاءت سرية إلى رسول الله تقول: يا رسول الله فرغنا من الجهاد، قال: ”انتهيتم من الجهاد الأصغر وبقي عليكم الجهاد الأكبر، أفضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه“.
الإنسان يقوي الإرادة بالتأنيب والتوبيخ ونسأل الله حسن الخاتمة، الإنسان عليه أن يجاهد والله يهديه إلى حسن الخاتمة، ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها وخير أيامنا يوم نلقاك.
وهكذا إذا رجعت إلى التاريخ وجدت كثيرًا من الناس تغيرت أوضاعهم بضعف الإرادة أو بقوة الإرادة، لاحظ كمثال حي عمر بن سعد والحر بن يزيد الرياحيني....