بيل موليسون، مؤسس حركة الزراعة الدائمة permaculture
بيل موليسون العالم الأسترالي الشهير وعبقري الثقافة المستدامة الذي كان لأفكاره الخلاقة الأثر العميق على حيا ة الكثيرين….من هو وكيف أسس حركة عالمية تضم مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم؟
ولد بيل موليسون عام 1928 وأمضى طفولته على شاطئ ستانلي شمال غرب تسمانيا وفي ذلك المكان المثالي اعتاد بيل مع أصدقائه على الهروب من المدرسة للتجول على الصخور والتمتع بالطبيعة…
امتلك والد بيل المصنع المحلي للزبدة قبل بناء مخبز في ستانلي وأمضى أوقات فراغه بتزويد عائلته بالخضار والفواكه من حديقته البالغ مساحتها أكراً واحداً وتعلم ابنه بيل الزراعة وهو في التاسعة من عمره مبتدءاً بمحصول من الفجل أثمر سريعاً ليرضي شهية بيل الصغير ورغبته في النتائج السريعة. أثناء تعليمة الثانوي في مدرسة بيرني كان تركيز بيل الأكبر منصباً على الالتحاق بالجيش أثناء الحرب العالمية الثانية ولذلك أمضى بيل 60 ساعة في التدريب على الطيران ولكن خططه انتهت عندما أسقطتْ الطائرات الحربيةَ الأمريكيةَ القنابل الذرّيةَ على ناغازاكي وهيروشيما.
لم يستمر بيل في مهنة الخباز بل اتجه إلى البحر وأمضى العقد التالي من حياته في صيد السمك وبعدها عاد بيل إلى البرية ليعمل لصالح منظمة CSIRO بملاحظة سلوكيات الحياة البرية وحينها بدأ قلقه بشأن البيئةِ، وتأثير الإنسانيةِ القاتلِ على العالمِ الذي يعيش فيه. يقول بيل: ” عندما كنت صغيراً عشت في حلم لم أصح منه حتى بلغت 28 من عمري… أمضيت أول فترات شبابي مبحراً أو في الأجمات ولم ألحظ اختفاء أجزاء كبيرة من النظام حتى الخمسينيات… أولاً مخزون السمك بدأ بالانقراض ثم لاحظت اختفاء العُشْب البحري حول خطوطِ الشاطئ، بقع كبيرة من الغابة بدأت تموت … لم أدرك مدى ولعي بهذه الكائنات حتى فقدتها وأدركت أنني عاشق لبلادي”
أمضى بيل العقد التالي درس حيوانات الأبوسوم والأرانب والكانغرات في غابات تاسمانيا وبدأ التحضير لنيل شهادة خارجية في علم النفس وعلم البيئة وخلال أسبوع من تخرجه بدأ بيل عمله الأكاديمي كمحاضر في جامعة هوبارت وحوّل اهتمامه عن الحياة البرية إلى دراسة السلوك البشري تجاه الغابات الاصطناعية ليبدأ فصلاً دراسياً جديداً في جامعة هوبارت باسم “علم النفس البيئي” لكن وبعد عشر سنوات من التدريس ضاق بيل ذرعاً من النظام الأكاديمي وبدأ يشعر بالإحباط. يقول بيل: “تركت التدريس لفترة عام 1972 وتوجهت للغابة حيث قمت ببناء حظيرة ومنزل وابتعدت عن البشر مشمئزاً من غباء الجامعة ومعاهد الأبحاث.. من كل شيء”
أثناء هذه الاستراحة وبعيداً عن العالم وجد بيل موليسون الوقت الكافي ليفكر ملياً وبعد تفكير طويل لمعت في ذهنه فكرة وتغيرت حياته في لحظة يقول بيل: ” بدأت أفكر: أعرف الكثير عن الفيزياء لكني لا أطبق معلوماتي في تدفئة منزلي وانا خبير بعلم البيئة ومع ذلك لا أستخدم هذه الخبرة أثناء عملي في حديقتي. وعندها عرفت أنني بحاجة لإسقاط مبادئ علم البيئة للحصول على توجيهات في التخطيط وعندها خطرت لي فكرة البيرماكلتشر وكانت لحظة تغيير ازدحمت الأفكار في رأسي ولم أعد قادراً على تدوينها بالسرعة الكافية… شعرت وكأنني كنت مقيداً بحيل مشدود وما أن قطع هذا الحبل حتى انطلقت إلى الأفق البعيد أرى كل شيء… لم يعد شيء يفاجئني بعد تلك التجربة”
اشتق مصطلح الزراعة الدائمة “permaculture” من (الثقافة الدائمة) ويدل هذا المفهوم على إحداث أنظمة منتجة مستقرة تقوم بخلق وحدة منسجمة بين الأرض والناس واعتبر بيل الثقافة المستدامة حلاً إيجابياً للاستغلال البيئي.
كان نجاح بيل في نشر أفكاره من إنجازاته العظيمة فقد أدرك أن هذه الأفكار ستبقى حبيسة مالم تدرس وتقدم للناس يقول بيل: “قمت بكتابة منهاج مدته أسبوعان وبدأت بتدريسه ومن ذلك الحين أصبح لدي 80000 خريجاً من دورة تصميم الزراعة الدائمة. وفي السنوات الخمس الأولى تحول 500من المتخرجين إلى أساتذة في الزراعة الدائمة والآن هناك الآلاف من الأساتذة يدرسون الزراعة الدائمة جنباً إلى جنب مع تصميم أنظمة للمزارع والأراضي المدنية”
تجول بيل موليسون في جميع بلدان العالم تقريباً وهو يدرّس الزراعة الدائمة ولم يعتمد يوماً على التمويل الحكومي بل اعتمد بشكل كبير على مبيعات المصنوعات اليدوية التابعة لثقافة البيرما مع أرباح تقارب أربعة ملايين دولار مستخدمة لنشر تعليم البرامج في بلدان العالم الثالث.
رحبت العديد من البلدان بالزراعة الدائمة التي قدومت بديلاً فعالاً عن المواد الكيميائية المستخدمة في الزراعة ومبادؤها تدرّس الآن في مدارس زمبابواي ونالت أيضاً إعجاب الحكومة الفييتنامية لدرجة أنها أقرّتها كسياسة زراعية للدولة وترجم كتيب بيل عن الزراعة الدائمة إلى اللغة الفييتنامية وطبع منه 130000 نسخة وزعت على كل مزارع في البلاد. بعد دورة تدريبية واحدة قدمها بيل في بوتسوانا انتشر طلابه في صحراء ناميبيا يعلمون العاملين في الغابات كيفية الحفاظ على استمرارية المصادر المتبقية عندهم.
لم يترك المجتمع الدولي بيل وإنجازاته دون تقدير فقد نال “جائزة نوبل البديلة” جائزة الإعالة المناسبة للحلول العملية التي اقترحها من أجل المشاكل العالمية. اعتبر بيل موليسون واحداً من الأسماء الأسترالية البارزة في مجال البيئة ونال جائزة بانكسيا للبيئة وأجمع الرأي العام على نجاحه كأسترالي بارز كما وصل نجاحه إلى روسيا حيث كان أول أجنبي يُختار عضواً في الأكاديمية الروسية لعلوم الزراعة واستحق وسام فافيلوف للمساهمات التي قدمها للزراعة المستدامة في روسيا.
بعد ثلاثين عاماً من الترحال حول العالم عاد بيل موليسون ليعيش في موطنه شمال غرب تاسمانيا ومع أنه يعتبر نفسه شبه متقاعد إلا أنه لايزال معلماً في فصول تعليم التصميم وبالوقت نفسه يؤلف الكتب ويقضي شهرين على الأقل سنوياً في العمل خارج حدود تاسمانيا ومؤخراً نبت في حديقته اكثر من 40 صنفاً متنوعاً من البطاطس المزروعة في أسرة من القش.
توجد في بحر المزارع التاسمانية التقليدية جزيرة هي أرض بيل موليسون تنتصب كتذكار عن رؤية بيل وعمله الطويل في مجال تحديث الزراعة.
بكلمات بيل: “الزراعة هي أحد العوامل المساهمة بشكل كبير في دمار البيئة حيث أن 40% من تربة العالم ومائه ملوثة بسبب الزراعة وإن التحدي الأعظم الذي تواجهه الزراعة المستدامة هو إنتاج الاحتياجات من الغذاء والألياف مع المحافظة على خصوبة التربة ونقاوة المياه إضافة إلى تعزيز صحة الأنظة البيئية بدافع وحيد هو أن يرث أطفالنا حدائق لا صحارى”