هذه ليست قائمة لتماثيل إلهات الأساطير الخيالية التي نُحتت عبر التاريخ وتناقلها البشر مع ما تناقلوا من أساطير، ولا تماثيل لأجساد نساء ذات قيمة فنية نحتها عظماء الفنانين، ونسجوا تفاصيلها من مخيلتهم؛ لتبقى مشهورة عبر التاريخ؛ لقيمتها الفنية وجمالها الشكلي، ولا تماثيل لنساء ورثن العظمة والمُلك من آبائهن فأصبحن ملكات أو أميرات أو صاحبات نفوذ.
هذه تماثيل تخلد قصص نساء عاديّات صمّمن على تشكيل حياتهن بأيديهن الناعمة القادرة، فخلدهن الحجر، وبقيت لنا حكاياتهن الشقيّة أحيانًا، والقوية دومًا.
هاريت توبمان
بعد هربها من العبودية، قامت «هاريت توبمان» بثلاثة عشر مهمة لإنقاذ أكثر من سبعين شخصًا من العبودية، وذلك بمساعدة شبكة من الناشطين في إلغاء الرق، وباستخدام بيوت آمنة وطرق سرية كانت تعرف بـ (نفق سكة الحديد).
تعرضت توبمان في صغرها للضرب على يد الكثير من أسيادها في مقاطعة دورشيستر بماريلاند. وتعرضت في وقت مبكر من حياتها إلى جرح كبير في الرأس؛ عندما ضربت بمعدن ثقيل ألقاه مراقب غاضب في اتجاهها قاصدًا أن يضرب به عبدًا آخر.
تسببت الإصابة لتوبمان بصداع ونوبات وتخيلات ورؤى، ونوبات من فرط النوم التي لازمتها طوال حياتها. كانت تصف الرؤى والأحلام كمسيحية متدينة بأنها إلهام من الخالق.
هربت توبمان في عام 1849إلى فيلادلفيا، لكنها سرعان ما عادت إلى ماريلاند؛ لإنقاذ عائلتها. أخرجت عائلتها من الولاية ببطء على مجموعات، وقادت العشرات من العبيد إلى الحرية. كانت توبان أو (موسى) كما كانت تدعى؛ لأنها تسافر ليلًا وبتكتم وسرية، ولم تفقد أيًا من المسافرين معها كما وضحت يومًا.
عملت توبمان خلال الحرب الأهلية الأمريكية لصالح جيش الاتحاد في البداية كطاهية وممرضة، ثم مسلحة وجاسوسة، وكانت أول امرأة تقود حملة مسلحة في الحرب، وقادت حملة حُرر فيها 700 من العبيد.
بقيت بعد الحرب في منزل العائلة في أوبورن نيويورك، حيث كانت تعتني بوالديها المسنين، وكانت ناشطة في حركة حق المرأة في التصويت؛ حتى أنهكها المرض، ودخلت في بيت للمسنين الأمريكين من أصل إفريقي، والتي ساعدت هي بفتحه في الأعوام السابقة.
التمثال موجود في مانهاتن، نيويورك، ويبلغ طوله 13 قدمًا، مصنوع من الجرانيت الصيني، والبرونز لصانعه «أليسون سار» Alison Saar شيد في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2008. يظهر في التمثال من الخلف كأن هناك جذورًا متعلقة بفستانها التي ترمز إلى جذور العبودية، ومحاولة توبمان الهروب منها.
الفرنسية جان دارك
جان دارك (بالفرنسية: Jeanne d’Arc) الملقبة بـ(عذراء أورليان)، ولدت لعائلة من الفلاحين في الوسط الشرقي من فرنسا عام 1412، وتُعدّ بطلة قومية فرنسية وقديسة في الكنيسة الرومانية الكاثوليكية.
ادّعت «جان دارك» الإلهام الإلهي، وقادت الجيش الفرنسي إلى عدة انتصارات مهمّة خلال حرب المائة عام، ممهدةً بذلك الطريق لتتويج «شارل السابع» ملكًا للبلاد. بعثها الملك غير المتوّج شارل السابع إلى حصار «أورليان»، حيث حققت هناك أولى انتصاراتها العسكرية الكبيرة، وتبعها عدة انتصارات سريعة أخرى أدّت في نهاية المطاف إلى تتويج شارل السابع.
قُبض عليها بعد ذلك، وأُرسلت إلى الإنجليز مقابل المال، وحوكمت بتهمة العصيان والزندقة، ثم أُعدمت حرقًا بتهمة الهرطقة عندما كانت تبلغ 19 عامًا.
أذن البابا «كاليستوس الثالث» بعد خمس وعشرين سنة من إعدامها بإعادة النظر في محاكمتها من قِبل لجنة مختصة، قضت ببراءتها من التهم التي وُجّهت إليها، وأعلنتها ـ بناءً على ذلك ـ شهيدة.
تم تطويب تمثال جان دارك عام 1909، وأعقب ذلك إعلانها قديسة عام 1920.
أنشأ الكتاب والسينيمائيون والملحنون العديد من الأعمال عن جان دارك منذ وفاتها؛ باعتبارها إحدى أكثر الشخصيات شعبيةً، وما زالت تظهر في السينما، والمسرح، والتلفزيون، وألعاب الفيديو إلى يومنا هذا.
التمثال مصنوع من البرونز المذهب بطول 13 قدمًا للنحات الفرنسي إيمانوئيل فريميه عام 1974، ومكانه في باريس أمام قصر الأهرامات، وهو المكان الذي جرحت فيه جان وخسرت معركة تحرير باريس، حيث تبدو مترجلة حصانها، وتحمل راية الحرب.
الكولومبية «de Poličarpa Salavarrieta»
كانوا ينادونها بولا، خلال الحرب الكولومبية للاستقلال، استخدمت الخيّاطة بولا مهنتها لخدمة شعبها، إذ استغلت قدرتها في الدخول على بيوت الملكيين لجمع معلومات قيمة للثوار، كان لها دورًا كبيرًا أيضًا في التخفيف على المساجين بتهريب الطعام والاحتياجات الرئيسة لهم.
تم كشفها في إحدى مهمات التجسس، ولم توافق على الاعتراف بخطئها، ولم تطلب العفو من العدو ورفضت التعاون معه؛ اختارت الموت، فقاموا بربطها إلى كرسي وتقييد يديها وإعدامها رميًا بالرصاص وعيونها مفتوحة تحدق بهم.
ينظر لها الكولومبيون الآن على أنها بطلة الحرب ورمز الاستقلال.
شُيد نصبها التذكاري هذا احتفالًا بالذكرى المئوية لاستقلال البلاد في عام ١٩١٠ في مدينة بوغوتا، العاصمة الكولومبية، صنعه النحات الكولومبي (Dionisio Cortés Mesa)، وتم الكشف عنه في يوم ذكرى وفاتها في 14 نوفمبر (تشرين الثاني).
أميليا إيرهارت
أميليا ماري إيرهارت، ولدت 24 يوليو (تموز) 1897. كاتبة مشهورة ورائدة متفوقة في الطيران الأمريكي. كانت أول امرأة تحصل على صليب الطيران الفخري، نظرًا لكونها أول امرأة تطير بمفردها عبر المحيط الأطلسي.
كتبت عن تجربتها في الطيران وحققت كتبها مبيعات كبيرة، وكان لها دور أساسي في إنشاء «التاسعة والتسعين»، وهي منظمة للسيدات الطيارات.
انضمت إيرهارت إلى هيئة التدريس في الجامعة الشهيرة عالميًا، جامعة بوردو قسم الطيران في عام 1935، بوصفها عضو هيئة تدريس زائر لتقديم النصائح للنساء في مجالات العمل بالطيران وإلهامهن، عبر شرح تجربتها وشغفها بالطيران.
أثناء محاولة للدوران حول الكرة الأرضية في عام 1937 باستخدام الطائرة «لوكهيد ل-10 إلكترا» بتمويل من جامعة بوردو، اختفت إيرهارت فوق وسط المحيط الهادئ، قرب جزيرة هاولاند، ولا تزال الألغاز عن حياتها وعملها، وسبب اختفائها مستمرة حتى يومنا هذا.
التمثال موجود في هاربر جريس، كندا ،المكان الذي حلّقت منه إميليا في رحلتها الأخيرة من أمام ميناء جريس. التمثال جزء من مساحة كبيرة تم تخصيصها كحديقة باسم الطيارة اميليا وتحتوي الحديقة أيضًا على متحف فيه صور توثق رحلاتها وأنشطتها، وأدوات للطيارة الراحلة.
الشجاعات الكنديات الخمس
هذا الصرح موجود في أوتاوا بكندا وقد تم بناؤه في ذكرى: ايميلي مورفي، وايرين بارلبي، ونيلي مكلنج، ولويس مكيني وهنريتا إدواردز.
خمس نساء من مدينة ألبرتا الكندية عام ١٩٢٧ قدمن لمطالبة المحكمة العليا في كندا بخصوص المادة ٢٤ من قانون شمال أمريكا التي تتحدث عن قوانين التأهل لمجلس الشيوخ، وكانت تقصره على الرجال وقتها، طالبن الخمس نساء حينها الحكومة بإعادة تعريف كلمة أشخاص، وهل المرأة تدخل ضمن هذا التعريف؟ أم الكلمة مقصورة على الرجال؟ وهن بذلك كن يردن الحصول على تصريح بأحقيتهن بالترشح للمجلس.
المحاكمة هذه استمرت مدة عام انتهت بقرار القاضي وقتها: «إذا كنت تعنين أن الشخص المقصود في القانون له حق الترشح لمجلس الشيوخ فإجابتي عن سؤالكن هي النفي، المرأة ليست الشخص المقصود هنا».
لم تتوقف الشجاعات الخمس عند هذا الحد واستمررن بقضيتهن المشهورة كنديًا بـ(قضية الأشخاص persons case) وحصلن على حقهن بالترشح في أكتوبر (تشرين الثاني) ١٩٢٩ بعد استمرار القضية عامين كاملين.
تم الكشف عن هذا الصرح عام 2000 أمام قبة البرلمان الكندية، حين قامت بصنعه النحاتة باربرا باترسون بدعم من مؤسسة اجتماعية اسمها «الشجاعات الخمس» تم تأسيسها عام 1996.
يتضمن الصرح كرسي فارغ يجلس عليه المارة؛ ليشعروا بالانتماء والانضمام لهذا النصر.
نساء الأنقاض الألمانيات
في عام 1945 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عاشت ألمانيا واقعًا مريرًا خصوصًا بعد هزيمتها.حيث كانت ألمانيا آنذاك بقعة شاسعة من الخراب، يسكنها عدد هائل من المشردين والجوعى. 40% من البنية التحتية للبلد تدمرت بشكل كامل، وكان هناك حوالي 400 مليون متر مكعب من الأنقاض.
في ظل هذا السواد القاتم ظهرت «لويزا شرودر» السياسية في الحزب الاشتراكي، تنادي بالبناء والنهوض بالبلاد والتخلص من هذا الوضع المزري، كان النقص الهائل في أعداد الرجال في تلك الفترة هو الدافع، والسبب الرئيس لانطلاق هذه الحركة، فقد قتل حوالي خمسة ملايين شخص خلال الحرب، فضلًا عن الأسرى والمصابين، الأمر الذي ألهمها بضرورة إظهار دور المرأة وقدرتها على التغيير. وبالفعل قامت لويزا بجمع النساء، وحثهن على المشاركة في النهوض بألمانيا، وبث الحماس فيهن، وأطلقت على هذه الحركة اسم نساء الأنقاض.
لاقت الحركة ترحيبًا قويًا من نساء ألمانيا اللاتي خيم الحزن على قلوبهن؛ لما حل بهن، فالمرأة الألمانية في تلك الفترة كانت إما ثكلى، أو أرملة، أو طفلة يتيمة، هذا فضلًا عن عمليات الاغتصاب والعنف الذي كان يمارس تجاههن من قبل جنود الاحتلال، فكان العمل هو المفر الوحيد من هذا الواقع، فما كان منهن إلا أن شمرن عن سواعدهن واتخذن مواقعهن في تلك المعركة.
انطلقت الحركة من برلين وانتشرت في كافة أنحاء ألمانيا، ووصل عدد المشاركات إلى 80 ألف إمرأة.
هذا التمثال صنعه الفنان فرتز كريمر عام 1954 تخليدًا لذكرى نساء الأنقاض الألمانيات أمام قاعة المدينة الحمراء في برلين.
جوليا تاتل «أم ميامي»
ميامي، الولايات المتحدة، المدينة الأمريكية الكبرى الوحيدة التي أسستها امرأة.
في عام 1875 وضعت امرأة الأعمال جوليا تاتل (Julia Tuttle) عينها على ميامي عندما لم تكن مدينة بعد، حلمت أن تحولها لمدينة جميلة حول النهر، انتقلت إليها مع أبنائها بعد وفاة زوجها وخلال ستة سنوات من إقامتها، قامت بتجهيز البنية التحتية للمدينة على طول 600 فدان حول النهر، ثم جمعت 300 توقيع من السكان لدمج المدينة ضمن الولايات.
أعظم إنجازاتها كان اقناعها للمليونير هنري فلجلر ببناء سكة حديدية تصل ميامي ببقية المدن وتضعها على الخريطة.
تم تخليد ذكراها بهذا التمثال البرونزي البالغ طوله عشرة أقدام الموجود الآن في حديقة باي فرونت بميامي في الذكرى الـ114 لتأسيس المدينة في تموز 2010. صممه ستوديو داوب، وفيرمين للنحت في كاليفورنيا، وكلفهم ما يقارب 180 ألف دولار. تحمل فيه جوليا في يدها سلة برتقال وأزهار برتقال في اليد الثانية، كأنها تنثرها.
النيوزلندية كيت شيبرد
قادت حركة السفورجت في نيوزلندا للحصول على حق المرأة بالتصويت، بعد عمل سبع سنوات، وقيادة مجموعات من النساء في حركات ومظاهرات في كل أنحاء نيوزلاندا. حصلت على هذا الحق وأصبحت نيوزلندا أول دولة في العالم تسمح للمرأة بالتصويت للبرلمان.
جمعت كيت ما يقارب 31 ألف توقيع من النساء حول نيوزلندا، وحملت التوقيعات مع زميلاتها في العمل إلى البرلمان كما يوضح النصب التذكاري شكلهن وهن حاملات عجلة التوقيعات أمام البرلمان.
لم يتوقف عمل كيت عند هذا الحد، فبعدما حصلت على موافقة الدولة النيوزلندية لحق النساء في التصويت، بدأت بالسفر إلى بريطانيا والولايات المتحدة وكندا وقامت بإلقاء الخطابات وتنظيم الحركات المطالبة بحقوق النساء في تلك الدول التي حصلت فيهن النساء على حقوقهن بالتصويت تباعًا بعد ذلك.
فكرة صنع التمثال بدأت عام 1989 ليكون جاهزًا عام 1993، في الذكرى المئوية لتأسيس حركة سوفرجت. هذا التمثال المصنوع من الحجر والبرونز على يد الفنانة مارغريت ويندهوسن Margriet Windhausen، وهو موجود في مدينة كرست شيرج النيوزيلندية، وتظهر فيه كيت وخمس نساء أخريات بحجمهن الطبيعي باللباس العادي، لامرأة من القرن التاسع عشر.
النساء المجهولات
هذا النصب التذكاري ليس لامرأة واحدة في الخصوص، إنه لهن، لكن، النساء العاملات المجهولات في كل بقاع الأرض.
صممه لويس والش عام ١٩٩٢ وسماه «نصب تذكاري للمرأة العاملة المجهولة«، وأغرقه بالكثير من الأدوات والأواني التي تدل على أعمال النساء المختلفة، مثل آلة طباعة وسلة تسوق على الخصر، وفرشاة شعر، بدلًا من الشعر، وهاتف على الساعد، والكثير من التفاصيل الموجودة في الأنشطة المختلفة من حياة المرأة العاملة.
أجمل التفاصيل وأكثرها رمزية كان الاستبدال بالأصابع الأوتاد كإشارة إلى قوة المرأة العاملة، وتمسكها بقيمة العمل للحصول على حياة كريمة.
على ناصية شارع فكتوريا العظيمة في مدينة بلفاست، شمال أيرلندا يقع هذا التمثال الذي اختلف صانعه (والش) المولود في مقاطعة كيت والحاصل على شهادة ماجستير في النحت من جامعة أولستر مع بلدية المدينة على مكان وضعه، لكنه صمم على اختيار هذا الشارع خصيصًا؛ لينبّه إلى الأجور القليلة التي تتعاطاها النساء في هذه المنطقة.