يبدو أن مواقع التواصل الاجتماعي لم تغير فقط العالم من حولنا، وإنما حتى شخصية الإنسان وطبيعته الأخلاقية وقدراته على التفكير والابتكار. وفي الوقت الذي قامت فيه هذه المواقع بطفرة كبيرة على مستوى الحراك السياسي والتواصل الاجتماعي، خصوصًا في منطقتنا العربية خصوصاً استخدام فيس بوك ، لكن الآثار السلبية لهذه المواقع أخذت تتكشف لنا تدريجيًّا.
مواقع التواصل الاجتماعي، تسببت بالفعل في تغيير الأنظمة السياسية، وأدت إلى تقارب شديد بين الأصدقاء بعضهم البعض، على المستوى الاجتماعي، لكنها أيضًا أدت إلى حدوث تغييرات تدريجية في شخصية الناس، بخاصة جيل الشباب.


الشخصية السطحية

أفادت أحدث الدراسات النفسية، أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والكتابة عبرها بكثرة، يمكنه أن يتسبب في جعلك إنسانًا سطحيًا على المستويين المعرفي والأخلاقي. الدراسة وجدت أن الناس الذين يكتبون كثيرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أقل عرضة للانخراط في التفكير المنعكس، كما أنهم يُظهرون اهتمامًا أقل فيما يخص أهداف الحياة الأخلاقية.
الدراسة أشارت إلى حدوث انخفاض تدريجي بالفعل فيما يتعلق بالمعرفة والأخلاقيات، عند أولئك الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل منتظم، أو يكتبون عليها كثيرًا. كما أشارت الورقة البحثية الخاصة بالدراسة، إلى حدوث انخفاض واضح في مستوى التفكير المنعكس اليومي المعتاد عند الناس. وتتضح هذه المظاهر بوضوح في مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتعلق بالكتابة المستمرة، مثل تويتر وفيس بوك.
أُجريت هذه الدراسة على 149 طالبًا في إحدى الجامعات الكندية، حيث تم فحص واختبار العلاقة بين كل من كثرة الكتابة، وكثرة استخدام مواقع التواصل، وسمات الشخصية الأساسية، وردود الأفعال المنعكسة، ومدى الضحالة الأخلاقية عند هؤلاء الطلبة. وأجاب الطلبة على استطلاعات للرأي تقيس سلوكهم المتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي والكتابة عليها، ومدى استخدامهم للفكر المنعكس في حياتهم اليومية، وأهدافهم في الحياة، وطبيعة أبعاد شخصياتهم، وصفاتهم وخصائصهم الديموغرافية.
ولفتت الدراسة إلى أن هناك تناسبًا عكسيًّا بين الكتابة باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي، وبين اختيار أهداف في الحياة ذات معايير أخلاقية. وفي الوقت نفسه تتناسب كمية الكتابة على مواقع التواصل، تناسبًا طرديًّا، مع الأهداف ذات المعايير المتعلقة بالترفيه أو الصورة.
وأظهرت الدراسة بشكل واضح، أن تفاعل الإنسان بشكل أكبر مع محيطه، لا يحدث بالصورة المطلوبة عند أولئك الأشخاص المدمنين على الكتابة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بينما يكون التفاعل إيجابيًّا بشكل أكبر عند الأشخاص الذين يستخدمون هذه المواقع بصورة أقل.

تغيرات كبيرة في شخصياتنا تسببت بها مواقع التواصل الاجتماعي


نظرية الضحالة


وذكر الكاتب في المجال التكنولوجي، نيكولاس كار، في كتابه «the shallow»، الحائز على جائزة بوليتزر العريقة في الكتابة الصحافية، ما يعرف بنظرية السطحية أو الضحالة أو «shallowing hypothesis». هذا الكتاب ناقش احتمالية أن يتسبب الإنترنت في تغيير الطريقة التي نفكر بها، والتي نتذكر بها والتي نقرأ بها.
وتنبأ كار على وجه التحديد، بأن الإنترنت تسبب في حدوث انخفاض في التفكير الانعكاسي، ويعود السبب في هذا الأمر بشكل كبير إلى طبيعة وسرعة شبكة الإنترنت، وما يحتويه دائمًا من مقاطع كتابية صغيرة، وتغريدات، وتعليقات، ورسائل لا تأخذ وقتًا طويلًا في معالجتها.
وتتنبأ نظرية الضحالة بأن الدخول المستمر على شبكة الإنترنت، والاستخدام الدائم لوسائل الإعلام الترفيهية، ومواقع التواصل الاجتماعي، جميعها تسببت في انخفاض درامي في التفكير الانعكاسي المتعلق بأمور الحياة اليومية. وتكمن فكرة هذه النظرية في أنه كلما قمنا باستخدام وسائل التواصل القصيرة والسريعة بشكل أكبر، كلما تحول أسلوب تفكيرنا إلى أن يصبح قصيرًا وسريعًا أيضًا.
هذا الأمر سيتسبب في حدوث انخفاض تدريجي في ردود أفعالنا العقلية، المرتبطة بالتفكير اليومي المعتاد، وبالتالي سيؤدي إلى انخفاض أيضًا في أهمية الأوضاع الأخلاقية، وزيادة في أهمية ما نريده من المتعة والصور.
وأشارت دراسة لجامعة ويسكونسن عام 2013، أُجريت على 2314 طالبًا، أن أولئك الطلبة الذين يقومون بكتابة الرئاسل القصيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، فإنهم يتميزون بصفات وأهداف ومواقف، تميز الأشخاص الذين عندهم اهتمام قليل، أو تفاعل قليل فيما يتعلق بتفكيرهم المنعكس.
الدراسة أشارت إلى أن الأشخاص الذين يكتبون على مواقع التواصل الاجتماعي، بصور مستمرة، فإنهم يعطون استجابة إيجابية بصورة أقل لعبارة مثل «أنا أريد أن أعيش حياة أخلاقية ذات مبادئ»، أو عبارة مثل «أريد أن أعيش حياتي بسلام حقيقي».

هل جعلت مواقع التواصل الاجتماعي حياتنا أفضل؟


تأثيرات غريبة بسبب استخدام فيس بوك


أشارت إحدى الدراسات، إلى ظهور بعض الآثار السلبية الغريبة، على مدمني استخدام مواقع التواصل الاجتماعي. من بين هذه الآثار، عدم قدرة الشخص على التحكم في نفسه، مما يؤدي إلى قيام الشخص بالإنفاق كثيرًا، طبقًا لما ذكره خبراء في التسويق. يقول كايث ويلكوكس، الأستاذ في جامعة كولومبيا، إن «الحل لهذه المشكلة، يكمن في التوعية الذاتية للشخص. فالأمر لا يتعلق بعدم قضاء الوقت على هذه المواقع، لكن المهم أن تكون واعيًا لما قد يسببه الاستخدام الزائد لهذه المواقع».
وطبقًا لما ذكرته مجلة صحة المرأة المتخصصة، فإن تلك الصور التي يشاركها رواد المواقع الاجتماعية، والمتعلقة بالطعام الشهي واللذيذ، ستؤدي إلى تنشيط مركز المكافأة في الدماغ، وتجبر المشاهدين لهذه الصور على محاولة تناول وجبة دسمة. إحدى الدراسات العلمية أشارت إلى أنه إذا ما نظرت إلى صور الطعام بعد الانتهاء فعلًا من تناول طعامك، فإنك ستصاب بالجوع من جديد.
واكتشفت إحدى الدراسات، التي قامت بها جامعتان ألمانيتان، أن واحدًا من كل ثلاثة أشخاص، يستخدمون مواقع التواصل الاجتماعي بكثرة، أصبحوا أكثر وحدةً وإحباطًا وغضبًا بعد الجلوس لبعض الوقت و استخدام فيس بوك ، وهو اكتشافٌ على عكس المتوقع، فمن المفترض أن فيس بوك مكان للتواصل الاجتماعي، ليجعلك محاطًا بالناس طوال الوقت.
لكن المشكلة هنا تظهر نتيجة تصفحك لصور أصدقائك، وقصص نجاحهم اليومية، ومقارنةً ذلك بنفسك، فالأصدقاء غالبًا ما ينشرون أعمالهم الجيدة ونجاحاتهم عبر صفحاتهم، مما يسبب لك بعض المشاعر السلبية، كالحسد والبؤس والشعور بالوحدة. وقد بينت الدراسة، أن الأشخاص الذين قضوا وقتًا معينًا على فيس بوك، دون أن يكتبوا أي منشور، أو ينشروا أي صورة لهم، هم أكثر عرضة للشعور بأحاسيس البؤس والحزن.
وتشير الدراسة إلى أن السبب الحقيقي في ذلك، يعود إلى مقارنة حالك اجتماعيًا مع أصدقائك ومعارفك على فيس بوك. وهناك سبب رئيسي ثانٍ أيضًا، وهو نقص الاهتمام بك، عندما تجد تعليقات أو عدد إعجابات قليل على إحدى منشوراتك، مقارنةً ببعض أصدقائك الذي حصلوا على تفاعل أعلى.