اولياء الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة
{ أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ
- وَ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ " هُمْ
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ . وَهُمْ
" قِسْمَانِ "
: الْمُقْتَصِدُونَ أَصْحَابُ الْيَمِينِ ==============وَالْمُقَرَّبُونَ السَّابِقُونَ .
- فَوَلِيُّ اللَّهِ ضِدُّ عَدُوِّ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
{ أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ إنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } –
إلَى قَوْلِهِ –
{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ }
وَقَالَ :
{ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ }
وَقَالَ :
{ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ }
-وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى :
مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ؛ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } .
-وَ " الْوَلِيُّ "
مُشْتَقٌّ مِنْ الْوَلَاءِ وَهُوَ الْقُرْبُ كَمَا أَنَّ الْعَدُوَّ مِنْ الْعَدْوِ وَهُوَ الْبُعْدُ .
فَوَلِيُّ اللَّهِ مَنْ وَالَاهُ بِالْمُوَافَقَةِ لَهُ فِي مَحْبُوبَاتِهِ وَمَرْضِيَّاتِهِ وَتَقَرَّبَ إلَيْهِ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ طَاعَاتِهِ .
- وَقَدْ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصِّنْفَيْنِ الْمُقْتَصِدَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَهُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَى اللَّهِ بِالْوَاجِبَاتِ وَالسَّابِقِينَ الْمُقَرَّبِينَ وَهُمْ الْمُتَقَرِّبُونَ إلَيْهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْوَاجِبَاتِ .
- . وَ " الْوَلِيُّ الْمُطْلَقُ "
هُوَ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ .
فَأَمَّا إنْ قَامَ بِهِ الْإِيمَانُ وَالتَّقْوَى وَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنَّهُ يَرْتَدُّ عَنْ ذَلِكَ فَهَلْ يَكُونُ فِي حَالِ إيمَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَلِيًّا لِلَّهِ أَوْ يُقَالُ لَمْ يَكُنْ وَلِيًّا لِلَّهِ قَطُّ لِعِلْمِ اللَّهِ بِعَاقِبَتِهِ ؟
هَذَا فِيهِ قَوْلَانِ لِلْعُلَمَاءِ .
- فَمَنْ ثَبَتَتْ وِلَايَتُهُ بِالنَّصِّ .
وَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كَالْعَشْرَةِ وَغَيْرِهِمْ فَعَامَّةُ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْهَدُونَ لَهُ بِمَا شَهِدَ لَهُ بِهِ النَّصُّ .
-وَأَمَّا مَنْ شَاعَ لَهُ لِسَانُ صِدْقٍ فِي الْأُمَّةِ بِحَيْثُ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى الثَّنَاءِ عَلَيْهِ فَهَلْ يَشْهَدُ لَهُ بِذَلِكَ ؟
هَذَا فِيهِ نِزَاعٌ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِذَلِكَ . هَذَا فِي الْأَمْرِ الْعَامِّ .
- وَأَمَّا وَأَهْلُ الْمُكَاشَفَاتِ وَالْمُخَاطَبَاتِ يُصِيبُونَ تَارَةً ؛ وَيُخْطِئُونَ أُخْرَى ؛
كَأَهْلِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ ؛ وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ جَمِيعُهُمْ أَنْ يَعْتَصِمُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛
- وَلَا يَكْتَفُوا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ؛
فَإِنَّ سَيِّدَ الْمُحَدَّثِينَ وَالْمُخَاطَبِينَ الْمُلْهَمِينَ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ هُوَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
؛ وَقَدْ كَانَتْ تَقَعُ لَهُ وَقَائِعُ فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ صَدِيقُهُ التَّابِعُ لَهُ الْآخِذُ عَنْهُ الَّذِي هُوَ أَكْمَلُ مِنْ الْمُحَدَّثِ الَّذِي يُحَدِّثُهُ قَلْبُهُ عَنْ رَبِّهِ .
وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ اتِّبَاعُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
-فَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُتَّقِينَ أَلَّا يَكُونُوا مُخْطِئِينَ فِي بَعْضِ الْأَشْيَاءِ خَطَأً مَغْفُورًا لَهُمْ
؛ بَلْ وَلَا مِنْ شَرْطَهُمْ
تَرْكُ الصَّغَائِرِ مُطْلَقًا بَلْ
وَلَا مِنْ شَرْطِهِمْ تَرْكُ الْكَبَائِرِ أَوْ الْكَفْرُ الَّذِي تَعْقُبُهُ التَّوْبَةُ .
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
{ وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ } { لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ } { لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ }
فَقَدْ وَصَفَهُمْ اللَّهُ بِأَنَّهُمْ هُمْ الْمُتَّقُونَ .
وَ " الْمُتَّقُونَ "
هُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ
وَمَعَ هَذَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا . وَهَذَا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَان .
- وَأَمَّا " الْفُقَرَاءُ "
الَّذِينَ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُمْ صِنْفَانِ :
مُسْتَحِقُّو الصَّدَقَاتِ وَمُسْتَحِقُّو الْفَيْءِ .
أَمَّا مُسْتَحِقُّو الصَّدَقَاتِ فَقَدْ ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فِي قَوْلِهِ :
{ إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ }
وَفِي قَوْلِهِ :
{ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } .
وَإِذَا ذُكِرَ فِي الْقُرْآنِ اسْمُ " الْفَقِيرِ " وَحْدَهُ وَ " الْمِسْكِينِ " وَحْدَهُ - كَقَوْلِهِ :
{ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }
- فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ
وَإِذَا ذُكِرَا جَمِيعًا فَهُمَا صِنْفَانِ .
وَالْمَقْصُودُ بِهِمَا أَهْلُ الْحَاجَةِ
. وَهُمْ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ كِفَايَتَهُمْ لَا مِنْ مَسْأَلَةٍ وَلَا مِنْ كَسْبٍ يَقْدِرُونَ عَلَيْهِ فَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ اسْتَحَقَّ الْأَخْذَ مِنْ الصَّدَقَاتِ الْمَفْرُوضَةِ وَالْمَوْقُوفَةِ وَالْمَنْذُورَةِ وَالْمُوصَى بِهَا
وَبَيْنَ الْفُقَهَاءِ نِزَاعٌ فِي بَعْضِ فُرُوعِ الْمَسْأَلَةِ مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ .
- وَضِدُّ هَؤُلَاءِ " الْأَغْنِيَاءُ
" الَّذِينَ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ ثُمَّ هُمْ " نَوْعَانِ " :
نَوْعٌ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى مَنْ قَدْ تُبَاحُ لَهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ .
وَنَوْعٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ .
وَكُلٌّ مِنْهُمَا قَدْ يَكُونُ لَهُ فَضْلٌ عَنْ نَفَقَاتِهِ الْوَاجِبَةِ وَهُمْ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِمْ :
{ وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ } .
وَقَدْ لَا يَكُونُ لَهُ فَضْلٌ وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ رِزْقُهُمْ قُوتٌ وَكَفَافٌ هُمْ أَغْنِيَاءُ بِاعْتِبَارِ غِنَاهُمْ عَنْ النَّاسِ وَهُمْ فُقَرَاءُ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ فُضُولٌ يَتَصَدَّقُونَ بِهَا
-وَإِنَّمَا يَسْبِقُ الْفُقَرَاءُ الْأَغْنِيَاءَ إلَى الْجَنَّةِ بِنِصْفِ يَوْمٍ لِعَدَمِ فُضُولِ الْأَمْوَالِ الَّتِي يُحَاسَبُونَ عَلَى مَخَارِجِهَا وَمَصَارِفِهَا فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلٌ كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ
-ثُمَّ أَرْبَابُ الْفُضُولِ إنْ كَانُوا مُحْسِنِينَ فِي فُضُولِ أَمْوَالِهِمْ فَقَدْ يَكُونُونَ بَعْدَ دُخُولِ الْجَنَّةِ أَرْفَعَ دَرَجَةً مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ أَغْنِيَاءُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصِّدِّيقِينَ مِنْ السَّابِقِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ الَّذِينَ دُونَهُمْ .
وَمِنْ هُنَا قَالَ الْفُقَرَاءُ :
" ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ بِالْأُجُورِ
" وَقِيلَ لَمَّا سَاوَاهُمْ الْأَغْنِيَاءُ فِي الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ وَامْتَازُوا عَنْهُمْ بِالْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ :
{ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ }
فَهَذَا هُوَ
" الْفَقِيرُ "
فِي عُرْفِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
-وَقَدْ يَكُونُ الْفُقَرَاءُ سَابِقِينَ وَقَدْ يَكُونُونَ مُقْتَصِدِينَ وَقَدْ يَكُونُونَ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ كَالْأَغْنِيَاءِ وَفِي كِلَا الطَّائِفَتَيْنِ :
الْمُؤْمِنُ الصِّدِّيقُ وَالْمُنَافِقُ الزِّنْدِيقُ .
- وَأَمَّا الْمُسْتَأْخِرُونَ فَـ " الْفَقِيرُ " فِي عُرْفِهِمْ عِبَارَةٌ عَنْ السَّالِكِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ " الصُّوفِيُّ " فِي عُرْفِهِمْ أَيْضًا ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ مُسَمَّى " الصُّوفِيِّ " عَلَى مُسَمَّى " الْفَقِيرِ "
لِأَنَّهُ عِنْدَهُ الَّذِي قَامَ بِالْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يُرَجِّحُ مُسَمَّى الْفَقِيرِ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ الَّذِي قَطَعَ الْعَلَائِقَ وَلَمْ يَشْتَغِلْ فِي الظَّاهِرِ بِغَيْرِ الْأُمُورِ الْوَاجِبَةِ وَهَذِهِ مُنَازَعَاتٌ لَفْظِيَّةٌ اصْطِلَاحِيَّةٌ .
- وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ لِلَّهِ أَوْلِيَاءَ مِنْ النَّاسِ وَلِلشَّيْطَانِ أَوْلِيَاءَ فَفَرَّقَ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ فَقَالَ تَعَالَى
{ أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } { الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } { لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }
-. وَذَكَرَ " أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ " فَقَالَ تَعَالَى
{ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } { إنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } { إنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ } }
وَقَالَ تَعَالَى
{ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا } .
وقال تَعَالَى
{ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ } { فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ } { إنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
وَقَالَ تَعَالَى
{ إنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ } .
-وَإِذَا عُرِفَ أَنَّ النَّاسَ فِيهِمْ " أَوْلِيَاءُ الرَّحْمَنِ وَأَوْلِيَاءُ الشَّيْطَانِ "
فَيَجِبُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ كَمَا فَرَّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُمَا فَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ كَمَا قَالَ تَعَالَى
{ أَلَا إنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ }
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ } .
-وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
{ يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ - أَوْ فَقَدْ آذَنْته بِالْحَرْبِ - وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِمِثْلِ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْت عَلَيْهِ وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا فَبِي يَسْمَعُ وَبِي يُبْصِرُ وَبِي يَبْطِشُ وَبِي يَمْشِي . وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَ بِي لَأُعِيذَنهُ وَمَا تَرَدَّدْت عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ قَبْضِ نَفْسِ عَبْدِي الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَكْرَهُ مُسَاءَتَهُ وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ }
وَهَذَا أَصَحُّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي الْأَوْلِيَاءِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَنْ عَادَى وَلِيًّا لِلَّهِ فَقَدْ بَارَزَ اللَّهَ بِالْمُحَارَبَةِ
- وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
{ وَإِنِّي لَأَثْأَرُ لِأَوْلِيَائِي كَمَا يَثْأَرُ اللَّيْثُ الْحَرِبُ }
أَيْ آخُذُ ثَأْرَهُمْ مِمَّنْ عَادَاهُمْ كَمَا يَأْخُذُ اللَّيْثُ الْحَرِبُ ثَأْرَهُ
-وَهَذَا لِأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ هُمْ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَوَالَوْهُ فَأَحَبُّوا مَا يُحِبُّ وَأَبْغَضُوا مَا يُبْغِضُ وَرَضُوا بِمَا يَرْضَى وَسَخِطُوا بِمَا يَسْخَطُ وَأَمَرُوا بِمَا يَأْمُرُ وَنَهَوْا عَمَّا نَهَى وَأَعْطَوْا لِمَنْ يُحِبُّ أَنْ يُعْطَى وَمَنَعُوا مَنْ يُحِبُّ أَنْ يُمْنَعَ
كَمَا فِي التِّرْمِذِيِّ وَغَيْرِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
{ أَوْثَقُ عُرَى الْإِيمَانِ : الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ }
وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ
{ وَمَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ وَأَبْغَضَ لِلَّهِ وَأَعْطَى لِلَّهِ وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ } .
- وَ " الْوِلَايَةُ "
ضِدُّ الْعَدَاوَةِ وَأَصْلُ الْوِلَايَةِ الْمَحَبَّةُ وَالْقُرْبُ وَأَصْلُ الْعَدَاوَةِ الْبُغْضُ وَالْبُعْدُ .
وَقَدْ قِيلَ :
إنَّ الْوَلِيَّ سُمِّيَ وَلِيًّا مِنْ مُوَالَاتِهِ لِلطَّاعَاتِ أَيْ مُتَابَعَتِهِ لَهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
وَالْوَلِيُّ الْقَرِيبُ فَيُقَالُ : هَذَا يَلِي هَذَا أَيْ يَقْرُبُ مِنْهُ . و
َمِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا أَبْقَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ }
أَيْ لِأَقْرَبِ رَجُلٍ إلَى الْمَيِّتِ .
-. فَإِذَا كَانَ وَلِيُّ اللَّهِ هُوَ الْمُوَافِقُ الْمُتَابِعُ لَهُ فِيمَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ وَيُبْغِضُهُ وَيُسْخِطُهُ وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ كَانَ الْمُعَادِي لِوَلِيِّهِ مُعَادِيًا لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
{ لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ }
فَمَنْ عَادَى أَوْلِيَاءَ اللَّهِ فَقَدْ عَادَاهُ وَمَنْ عَادَاهُ فَقَدْ حَارَبَهُ فَلِهَذَا قَالَ
{ وَمَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ } .
- وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ هُمْ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَفْضَلُ أَنْبِيَائِهِ هُمْ الْمُرْسَلُونَ مِنْهُمْ وَأَفْضَلُ الْمُرْسَلِينَ أُولُو الْعَزْمِ
: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ تَعَالَى :
{ شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا }
{ لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا أَلِيمًا } .
-- وَأَفْضَلُ أُولِي الْعَزْمِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُتَّقِينَ وَسَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ وَإِمَامُ الْأَنْبِيَاءِ إذَا اجْتَمَعُوا وَخَطِيبُهُمْ إذَا وَفَدُوا صَاحِبُ الْمَقَامِ الْمَحْمُودِ الَّذِي يَغْبِطُهُ بِهِ الْأَوَّلُونَ وَالْآخَرُونَ
وَصَاحِبُ لِوَاءِ الْحَمْدِ وَصَاحِبُ الْحَوْضِ الْمَوْرُودِ وَشَفِيعُ الْخَلَائِقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَصَاحِبُ الْوَسِيلَةِ وَالْفَضِيلَةِ الَّذِي بَعَثَهُ بِأَفْضَلِ كُتُبِهِ وَشَرَعَ لَهُ أَفْضَلَ شَرَائِعِ دِينِهِ
وَجَعَلَ أُمَّتَهُ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ وَجَمَعَ لَهُ وَلِأُمَّتِهِ مِنْ الْفَضَائِلِ وَالْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِيمَنْ قَبْلَهُمْ وَهُمْ آخِرُ الْأُمَمِ خَلْقًا وَأَوَّلُ الْأُمَمِ بَعْثًا
كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
{ نَحْنُ الْآخَرُونَ السَّابِقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ ؛ فَهَذَا يَوْمُهُمْ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ
- يَعْنِي يَوْمَ الْجُمْعَةِ –
فَهَدَانَا اللَّهُ لَهُ : النَّاسُ لَنَا تَبَعٌ فِيهِ غَدًا لِلْيَهُودِ وَبَعْدَ غَد لِلنَّصَارَى } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ أَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ }
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
{ آتِي بَابَ الْجَنَّةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ : مَنْ أَنْتَ . فَأَقُولُ أَنَا مُحَمَّدٌ فَيَقُولُ بِك أُمِرْت أَلَّا أَفْتَحَ لِأَحَدِ قَبْلَك }.
-وَفَضَائِلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضَائِلُ أُمَّتِهِ كَثِيرَةٌ وَمِنْ حِينِ بَعَثَهُ اللَّهُ جَعَلَهُ اللَّهُ الْفَارِقَ بَيْنَ أَوْلِيَائِهِ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا لِلَّهِ إلَّا مَنْ آمَنَ بِهِ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا وَمَنْ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ وَوِلَايَتَهُ وَهُوَ لَمْ يَتْبَعْهُ فَلَيْسَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ ؛
بَلْ مَنْ خَالَفَهُ كَانَ مِنْ أَعْدَاءِ اللَّهِ وَأَوْلِيَاءِ الشَّيْطَانِ
قَالَ تَعَالَى :
{ قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }
-وَكَانَ مُشْرِكُو الْعَرَبِ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَهْلُ اللَّهِ لِسُكْنَاهُمْ مَكَّةَ وَمُجَاوَرَتِهِمْ الْبَيْتَ وَكَانُوا يَسْتَكْبِرُونَ بِهِ عَلَى غَيْرِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى
{ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ } { مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ } إلَى قَوْلِهِ { وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إنْ أَوْلِيَاؤُهُ إلَّا الْمُتَّقُونَ }
فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَيْسُوا أَوْلِيَاءَهُ وَلَا أَوْلِيَاءَ بَيْتِهِ إنَّمَا أَوْلِيَاؤُهُ الْمُتَّقُونَ .
- وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَمْرِو بْنِ العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ جِهَارًا مِنْ غَيْرِ سِرٍّ :
{ إنَّ آلَ فُلَانٍ لَيْسُوا لِي بأولياء - يَعْنِي طَائِفَةً مِنْ أَقَارِبِهِ - إنَّمَا وَلِيِّي اللَّهُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ }
وَهَذَا مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
{ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ }
وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ هُوَ مَنْ كَانَ صَالِحًا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الْمُتَّقُونَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ .
وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَسَائِرُ أَهْلِ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَكَانُوا أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَكُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
{ لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ }
وَمِثْلُ هَذَا الْحَدِيثِ الْآخَرِ :
{ إنَّ أَوْلِيَائِي الْمُتَّقُونَ أَيًّا كَانُوا وَحَيْثُ كَانُوا } .
- وَكَذَا كُلُّ حَدِيثٍ يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عِدَّةِ
" الْأَوْلِيَاءِ " وَ " الْأَبْدَالِ " وَ " النُّقَبَاءِ " وَ " النُّجَبَاءِ وَ " الْأَوْتَادِ " وَ " الْأَقْطَابِ "
مِثْلُ أَرْبَعَةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ اثْنَيْ عَشَرَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَوْ سَبْعِينَ أَوْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ أَوْ الْقُطْبَ الْوَاحِدَ
فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ صَحِيحٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْطِقْ السَّلَفُ بِشَيْءِ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ
- فمن اعتقد ان لا احد من الاولياء طريقا الى الله من غير متابعة محمد صلى الله علية وسلم فهو كافر من اولياء الشيطان
- وَإِذَا كَانَ " أَوْلِيَاءُ اللَّهِ "
هُمْ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ فَبِحَسَبِ إيمَانِ الْعَبْدِ وَتَقْوَاهُ تَكُونُ وِلَايَتُهُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَنْ كَانَ أَكْمَلَ إيمَانًا وَتَقْوَى كَانَ أَكْمَلَ وِلَايَةً لِلَّهِ .
فَالنَّاسُ مُتَفَاضِلُونَ فِي وِلَايَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّقْوَى
وَكَذَلِكَ يَتَفَاضَلُونَ فِي عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ تَفَاضُلِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
{ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ } { وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ }
وَقَالَ تَعَالَى
: { إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ }
وَقَالَ تَعَالَى
: { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ
} وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمُنَافِقِينَ
{ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا }
. فَبَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ قَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ وِلَايَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ إيمَانِهِ ؛ وَقَدْ يَكُونُ فِيهِ قِسْطٌ مِنْ عَدَاوَةِ اللَّهِ بِحَسَبِ كُفْرِهِ وَنِفَاقِهِ .
وَقَالَ تَعَالَى
{ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إيمَانًا }
وَقَالَ تَعَالَى
{ لِيَزْدَادُوا إيمَانًا مَعَ إيمَانِهِمْ }
-وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى
" طَبَقَتَيْنِ "
سَابِقُونَ مُقَرَّبُونَ وَأَصْحَابُ يَمِينٍ مُقْتَصِدُونَ .
ذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْوَاقِعَةِ وَآخِرِهَا وَفِي سُورَةِ الْإِنْسَانِ ؛ وَالْمُطَفِّفِينَ وَفِي سُورَةِ فَاطِرٍ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذَكَرَ فِي الْوَاقِعَةِ الْقِيَامَةَ الْكُبْرَى فِي أَوَّلِهَا وَذَكَرَ الْقِيَامَةَ الصُّغْرَى فِي آخِرِهَا فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا
{ إذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } { خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ } { إذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا } { وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا } { فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا } { وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً } { فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ } { وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ } { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ } { أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } { فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ } { ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ } { وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ }
-- فَهَذَا تَقْسِيمُ النَّاسِ إذَا قَامَتْ الْقِيَامَةُ الْكُبْرَى الَّتِي يَجْمَعُ اللَّهُ فِيهَا الْأَوَّلِينَ والآخرين كَمَا وَصَفَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ .
--ثُمَّ قَالَ تَعَالَى فِي آخِرِ السُّورَةِ :
فَلَوْلَا أَيْ : فَهَلَّا { إذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ } { وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ } { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ } { فَلَوْلَا إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } { تَرْجِعُونَهَا إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }{ فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ } { فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ } { وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } { فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ } { وَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ } { فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ } { وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ } { إنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ } { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ }
--وَقَدْ اتَّفَقَ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا وَسَائِرُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لَيْسُوا بأنبياء وَقَدْ رَتَّبَ اللَّهُ عِبَادَهُ السُّعَدَاءَ الْمُنْعَمَ عَلَيْهِمْ "
أَرْبَعَ مَرَاتِبَ "
فَقَالَ تَعَالَى :
{ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا } .
-- وَأَفْضَلُ الْأُمَمِ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . قَالَ تَعَالَى
: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا }
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي الْمُسْنَدِ "
أَنْتُمْ تُوَفُّونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ }
وَأَفْضَلُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقَرْنُ الْأَوَّلُ .
--- وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّهُ قَالَ :
" { خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ } .
--- وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَيْضًا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : "
{ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ } .
-- وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ أَفْضَلُ مِنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ قَالَ تَعَالَى :
{ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى }
وَقَالَ تَعَالَى :
{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ }
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا وَالْمُرَادُ بِالْفَتْحِ صُلْحُ الْحُدَيْبِيَةِ فَإِنَّهُ كَانَ أَوَّلَ فَتْحِ مَكَّةَ وَفِيهِ
أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
{ إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ }
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَفَتْحٌ هُوَ قَالَ
: نَعَمْ } .
--وَأَفْضَلُ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ
" الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ "
وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ
-- . وَبِالْجُمْلَةِ اتَّفَقَتْ طَوَائِفُ السُّنَّةِ وَالشِّيعَةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا وَاحِدٌ مِنْ الْخُلَفَاءِ وَلَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَأَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُهُمْ مَعْرِفَةً بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاتِّبَاعًا لَهُ
كَالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَكْمَلُ الْأُمَّةِ فِي مَعْرِفَةِ دِينِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَكْمَلُ مَعْرِفَةً بِمَا جَاءَ بِهِ وَعَمَلًا بِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ إذْ كَانَتْ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ الْأُمَمِ وَأَفْضَلُهَا أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ الْلَّهُ عَنْهُ .
واخر دعوانا ان الحمد للة رب العالمين