انطلاق مشروع بناء مسرع الجسيمات الألماني "فير"
بدأ في ألمانيا العمل على مشروع "فير"، الذي يعد أحد أكبر المشاريع العلمية في العالم. ويسعى الباحثون من خلال مسرع الجسيمات الذي يوجد جزء منه تحت الأرض إلى حل ألغاز الكون وكشف أسرار الانفجار العظيم قبل 14 مليار سنة.
بدأ العمل في ألمانيا الثلاثاء على بناء ما يسمى بـ"الكون في مختبر". ويقوم المشروع العلمي العملاق، الذي يعرف اختصاراً بـ"فير" على مساحة نحو 20 هكتاراً بالقرب من مركز هيلمهولتس (جي أس أي) للأيونات الثقيلة في مدينة دارمشتات الألمانية. ويوضح المدير التنفيذي لمسرّع "فير" ومركز هيلمهولتس، باولو جيوبلينو، أن هذا المشروع "سيوسع آفاق معرفتنا عن الكون".
كما أشار المدير الفني للمسرع ومركز هيلمهولتس، يورغ بلاوروك، إلى أن المشروع سيكون عبارة عن منشأة شديدة التعقيد، مضيفاً: "نعتزم إجراء تجارب فريدة من نوعها". ومن المقرر أن يبدأ تشغيل المنشأة بشكل كامل عام 2025، ما يعني تشغيل تجارب متنوعة بشكل غير مسبوق. وترتكز المنشأة بشكل أساسي على مسرّع دائري طوله 1.1 كيلومتر على عمق 17 متراً تحت الأرض، وسيصل إلى مسرع مركز هيلمهولتس (جي أس أي) الموجود بالفعل، والذي يبلغ طوله نحو 200 متر.
مسرع الجسيمات
تقوم آلية عمل مسرع الجسيمات هذا على إكساب جسيمات مشحونة كهربياً وأيونات ومضادات بروتون بقطر نحو عُشر المليون من المليمتر سرعة بالغة للغاية. ومن المنتظر أن تصل سرعة هذه الجسيمات في المنشأة الجديدة إلى نحو 297 ألف كيلومتر في الثانية، قبل أن تصطدم بمقاومة على شكل رقائق معدنية أو عينات خلايا حيوية. ويراقب الباحثون أثناء ذلك كيف تنشأ جسيمات وأشكال مواد عند التصادم جراء الضغط الهائل ودرجة الحرارة البالغة، وذلك بهدف استخلاص حقائق عن قصة تطور الكون. ومن المنتظر أن تتولد خلال التصادم درجات حرارة مرتفعة للغاية على نحو ما يحدث تقريباً في داخل الانفجارات النجمية. ومن المنتظر أن يصل سمك جدران المنشأة البحثية إلى ثمانية أمتار وذلك بسبب الإشعاع الناجم عن التجارب.
هذا وسيمهد مسرع فير "الطريق إلى اكتشافات رائدة في الفيزياء الفلكية وفيزياء النواة وفيزياء الجسيمات"، حسبما تأمل وزارة البحث العلمي في ألمانيا، التي خصصت نحو 1.3 مليار يورو للمشروع، تتحمل الحكومة الاتحادية 65 في المائة منها، بينما تتحمل ولاية هيسن الألمانية عشرة في المائة. كما تشارك فنلندا وفرنسا والهند وبولندا ورومانيا وروسيا والسويد وسلوفينيا في هذا المشروع العلمي العملاق، بالإضافة إلى بريطانيا.
ومن المتوقع أن يستخدم المنشأة ما يصل إلى 3000 باحث من 50 دولة. وإلى أن يبدأ العمل في المسرع، سيتم تحريك مليوني متر مكعب من التربة حسب خطة البناء، وهي كمية تعادل كمية التربة التي يتم حفرها لبناء 5000 منزل. كما سيتم بناء نحو 600 ألف متر مربع من الخرسانة، أي ما يعادل مساحة استاد فرانكفورت لكرة القدم ثماني مرات، بالإضافة إلى 65 ألف طن من الفولاذ، أي ما يعادل - حسب المسؤولين - ستة أمثال كمية الحديد الذي بني به برج إيفل. وسيعمل ما يصل إلى ألف شخص في موقع البناء قبل أن يصبح مسرع "فير" أحد مسرعات الجسيمات التي لا يتجاوز عددها قلة قليلة على مستوى العالم.
وكثيراً ما يتم تشبيه هذا المسرع في مدينة دارمشتات بمسرع "سيرن" الأوروبي بالقرب من جنيف، الذي يزيد طول حلقة التسارع فيه كثيراً عن طولها لدى مسرع دارمشتات، إذ يبلغ طول هذه الحلقة نحو 27 كيلومتراً. ويركز مسرع "سيرن" على دراسة الكون في الفترة التي تلت الانفجار العظيم مباشرة.