لمحة عن الشبك في مدينة الموصل


أصل الشبك:
هناك اختلاف كبير بين الكتاب والباحثين حول أصل الشبك، فهناك من يقول إن الشبك قوم جاءوا من بلاد فارس وسكنوا أطراف الموصل، وهناك من يقول إنهم نزحوا قبل ميلاد السيد المسيح بألف عام من منطقة شمال بحر قزوين وسكنوا سهل نينوى، ويذهب البعض إلى أنهم من بقايا الميديين الذين اسقطوا الامبراطورية الآشورية عام 612ق.م، في حين يقول القس سليمان الصائغ أنهم جاءوا من الشرق واستوطنوا هذه المنطقة مثلهم كمثل إخوانهم العراب والأكراد الذين سكنوا الموصل في فترات مختلفة، في حين ينسبهم البعض الى قبيلة شنكارة المنحدرة من أسرة ديلمية الأصل كان أبناؤها على مذهب الشيعة الإسماعيلية، وبعد انهيار الدولة السلجوقية استولت القبيلة المذكورة على القسم الشرقي من اقليم فارس، وأصل الشبك يعود اليها، بينما هناك اتجاه ينسب الشبك إلى أصول تركية وأنهم نزحوا الى العراق في عهد السلطان طغرل بك السلجوقي سنة 447هـ وسكنوا قرى الموصل.
واستدل البعض على تركية الأصول الشبكية من خلال بعض العادات كاطلاق الشوارب، فضلاً عن التقارب اللغوي، وتبنيهم الاسلوب المعماري السلجوقي في بناء مشاهدهم المقدسة، وخاصة مزار زين العابدين في قرية علي رش، ولغة كتبهم الدينية المكتوبة بالتركية.ويستشهد بعض القوميين الترك ببعض المصادر التي ترجع الشبك إلى أصول تركية، ويعتبرهم البعض من جنود اسماعيل الصفوي الذين سكنوا الموصل بعد الهزيمة التي الحقها السلطان سليم الأول بالشاه اسماعيل في معركة جالديران سنة 1514م.ويعد البروفيسور موسى متي لغة الشبك مزجياً من الفارسية والكردية والعربية، كما يعدهم البعض من بقايا عشائر القره قوينلي والآق قوينلي التركيتين في مدينة الموصل، ويشير البعض إلى أن الشبك يتحدرون من أصول كردية، في الوقت الذي يرجعهم البعض إلى أصول متعددة لا أصل واحد، هذا ويحاول الكتاب القوميون من العرب والكرد والتركمان ربط الشبك بقومية واحدة.ويرى الكاتب زهير كاظم عبود أن تسمية الشبك دلالة على اشتباك القوم من قوميات متعددة، أما الكاتب أحمد شوكت فيقول: "عاش الشبك عصرهم الذهبي في عهد الإمارة الزنكية في الموصل، وذلك عندما ساءت علاقة صلاح الدين بأمراء هذه الإمارة، مما اضطره الى الاستعانة بالكرد الزرارية من أهله، فجاء بقسم كبير منهم ووزعهم حول الموصل، وذلك في أواخر القرن الحادي عشر، حيث كان الزراريون ظهيراً قوياً للشبك وشكلوا قوساً أمنياً يحيط بالموصل من شمالها وشرقها وجنوبها". ويرى أحمد شوكت أنه عندما قرر الوالي العثماني حسين باشا الجليلي الدفاع عن ولاية الموصل، وعدم الاستسلام لجيش نادر شاه، أصدر فرماناً بجمع الناس من أهالي الولاية وضواحيها داخل أسوار الموصل، لتسهل عليه المقاومة وتكون أكثر جدوى، ولكن الكرد الشبك رفضوا الانصياع لذلك الفرمان، واستقبلوا جيش الغزاة، ومن هنا نشأ عداء أهل الموصل للشبك، واعتبروهم من جماعة نادر شاه.
لغة الشبك:
هناك اختلاف حول لغة الشبك، فهناك من يرى أن اللغة الشبكية مستحدثة نشأت من خلال تفاعل عدة لغات، أي أنها لغة هجينة ولدت من عدة لغات، وتتضمن مفردات من اللغة الفارسية والعربية والكردية والتركية، مع ترجيح إحدى اللغات التي يعدها البعض التركية، بينما يرى آخرون أنها الكردية، وهناك اتجاه يرى أنه لغة قائمة بذاتها، وهؤلاء يربطون الشبك بأصول كردية، بينما يعدها البعض من اللغات الآرية الهند أوروبية.
واقع الشبك المعاصر:
جميع الشبك مسلمون، وحوالي 70% منهم يعتنقون مذهب الشيعة الإمامية، ولا يختلفون عن باقي شيعة العراق، ولهم اماكن مقدسة يزورونها في ذكرى استشهاد الحسين، منها مقام زين العابدين علي بن الحسين في قرية علي رش، حيث تقام هناك مراسيم العزاء الحسيني خلال العشر الاوائل من محرم من كل عام، ويتوافد على هذا المقام الزوار من الشبك، ومن تلعفر، وتقام المراكب الحسينية، ولكن دون الضرب بالقامات والزناجيل، ويكون اللطم بالأيدي فقط، وتقرأ الحسينيات باللغة الشبكية واللغة العربية، ويقومون بتوزيع الطعام (الهريسة) على الزوار والجيران. ومن الاماكن المقدسة في قرى الشبك أيضاً مقام علي بن موسى الرضا في قرية (تيس خراب) ومقام الامام العباس في قرية (العباسية).
أما بالنسبة للشبك السنة فهم أقل عدداً من الشيعة، وهم يسكنون في عدد من القرى مع الشيعة، وغالبيتهم على المذهب الحنفي والشافعي، كما ظهرت عندهم مؤخراً بعض أفكار السلفية المعتدلين، علماً أن الشيعة والسنة من الشبك متعايشون مع بعضهم.
التوزيع السكاني للشبك:
تقدر نفوس الشبك في الموصل من 350 إلى 450 ألف نسمة، وهناك قسم يسكن في الساحل الأيسر من مدينة الموصل، وينتشرون في 70 قرية شرق نهر دجلة في أرض خصبة من أخصب الأراضي في مدينة الموصل.
قرى الشبك:
1/ كوكجلي: ويزيد عدد سكانها على 25 ألف نسمة، وتقع شرق الموصل، ولها تأثير اقتصادي بالأخص في جانب الانتاج الحيواني، حيث تعد من أهم مناطق العراق في تربية المواشي، وتصدير اللحوم إلى أسواق الموصل والمحافظات الأخرى.
2/ بازوايا: تبعد هذه القرية مسافة 10 كيلو مترات شرق الموصل باتجاه مدينة اربيل، ويبلغ عدد سكانها أكثر من 10 الاف نسمة، وتلعب هذه القرية دورا اقتصادياً كبيراً في محافظة نينوى، حيث يمتلك أهلها العشرات من شركات النقل البري ومئات الشاحنات التي تنقل البضائع داخل وخارج القطر، وفيها العديد من مثقفي الشبك واساتذة الجامعة.3/ علي رش: وهي من قرى الشبك الكبيرة، ويبلغ عدد سكانها أربعة آلاف نسمة، وهي مركز ديني مهم فيها مقام زين العابدين الذي يقصده عشرات الالاف من الزوار من داخل وخارج محافظة نينوى، ولا سيما في عاشوراء.4/ خزنة تبه: وهي قرية قريبة من ناحية برطلة، يبلغ تعداد سكانها خمسة آلاف نسمة، وهي قرية معروفة بشبكيتها وأصالتها تحيط بتل أثري، ويمتهن أغلب أهلها الزراعة وتربية المواشي، وهناك عشرات القرى الأخرى للشبك.
الحياة الاقتصادية للشبك:
أما الحياة الاقتصادية للشبك فهي لا تختلف كثيراً عن الحالة الاقتصادية لعموم اهالي محافظة نينوى، المشهورة بالزراعة بالدرجة الاولى، ومن ثم بعض الصناعات البسيطة، مع الاخذ بنظر الاعتبار خصوبة مناطق الشبك، وموقعها في سهل الموصل اعطاها ميزة التقدم في الزراعة والرعي وتربية الحيوانات على سائر المناطق الاخرى في محافظة نينوى، حيث يمتلك الشبك قطعاناً كبيرة من الاغنام، وحقولاً كبيرة لتسمين المواشي، ومساحات واسعة من الاراضي الزراعية تزرع بالحنطة والشعير والعدس والحمص والبقوليات الاخرى، كما تمتهن العديد من العوائل الشبكية التجارة وغيرها من الحرف الاخرى، وهم من اوائل مالكي معامل البلوك والمنتوجات الكونكريتية، ولديهم عشرات المعامل الصناعية.