كيف نحاسب انفسنا ؟
ضبابية التقييم، أو التقييم الخاطئ قد يوصل الانسان الى الهاوية و الهلاك، و إن عدم معرفتنا لرصيدنا و منزلتنا الحقيقية عند الله قد يوقعنا في أخطاء كبيرة، أما لو كان تقييمنا لحالتنا تقييماً صحيحاً و واقعياً و دقيقاً لكان الأمر أقل صعوبة حتى لو كان الرصيد ضعيفاً أو مخجلاً، و لَكُنَّا أكثر توفيقاً في معالجة الضعف و المشاكل و الأزمات.
البصيرة امان من الخسارة
وجود الرؤية الواضحة المطابقة للواقع بفعل المحاسبة و التقييم الصحيح تُنمِّي البصيرة في الانسان، و تُعين الانسان على تصحيح الأخطاء و إيقاف الخسارة قبل فوات الفرصة، ذلك لأن التقييم غير الواقعي قد يوجب الخسران، و يُفوِّت علينا فرصة معالجة الامور قبل فوات الوقت، حيث لا فائدة في معرفة الخسارة بعد الإنتقال الى عالم البرزخ و الآخرة، إذ لا مجال لتصحيح الأخطاء المرتكبة.
قال الله عزَّ وَ جلَّ: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾1
قال أمير المؤمنين عليه السلام: " حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَعْمَالِهَا، وَ طَالِبُوهَا بِأَدَاءِ الْمَفْرُوضِ عَلَيْهَا وَ الْأَخْذِ مِنْ فَنَائِهَا لِبَقَائِهَا، وَ تَزَوَّدُوا وَ تَأَهَّبُوا قَبْلَ‏ أَنْ‏ تُبْعَثُوا"2
محاسبة النفس الة التقييم الصحيح
للحصول على التقييم الصحيح و الدقيق لابد لنا من أن نحاسب أنفسنا بصورة مستمرة حتى نقف على العيوب فنصلحها و لا ندعها تزداد و تتراكم.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: "... إِنَّمَا الْبَصِيرُ مَنْ‏ سَمِعَ فَتَفَكَّرَ وَ نَظَرَ فَأَبْصَرَ وَ انْتَفَعَ بِالْعِبَرِ، ثُمَّ سَلَكَ جَدَداً وَاضِحاً يَتَجَنَّبُ فِيهِ الصَّرْعَةَ فِي الْمَهَاوِي وَ الضَّلَالَ"3
و قال عليه السلام أيضاً: "مَنْ‏ حَاسَبَ‏ نَفْسَهُ وَقَفَ عَلَى عُيُوبِهِ وَ أَحَاطَ بِذُنُوبِهِ وَ اسْتَقَالَ مِنَ الذُّنُوبِ وَ أَصْلَحَ الْعُيُوبَ"4
و قال عليه السلام أيضاً: "مَنْ‏ حَاسَبَ‏ نَفْسَهُ رَبِحَ، وَ مَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ، وَ مَنْ خَافَ أَمِنَ، وَ مَنِ اعْتَبَرَ أَبْصَرَ، وَ مَنْ أَبْصَرَ فَهِمَ، وَ مَنْ فَهِمَ عَلِمَ‏"5
فكم من إنسان قد أخطأ الطريق فسلك طريقاً لم يوصله إلاَّ الى الخسران.
قَالَ الإمامُ جَعْفَر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) : " الْعَامِلُ عَلَى غَيْرِ بَصِيرَةٍ كَالسَّائِرِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ لَا تَزِيدُهُ سُرْعَةُ السَّيْرِ إِلَّا بُعْدا 6