ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب انه قال: إنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما ألقي فيها من شيء قبلته.
السنوات التأسيسية في عمر الإنسان، أي مرحلة الطفولة، هي السنوات التي تصوغ شخصيته، وتؤسس لتوجهاته وسلوكه، فمن كان يهمه أمر الجيل الصاعد، فعليه أن يبدي الاهتمام بهذا الجيل في المرحلة التأسيسية، في مرحلة الطفولة. فكما أن البيت يشاد على قواعد، وبمقدار ما تكون القواعد صلبة قوية، يكون البناء متماسكاً قوياً، كذلك فإن قواعد شخصية الإنسان وسلوكه، تتمثل فيما يتربى عليه في مرحلة الطفولة، فإذا كانت هذه القواعد قوية راسخة ثابتة، فإن البناء الذي يتأسس على تلك القواعد سيكون مستقيماً ثابتاً. إن من أهم الأشياء التي ينبغي أن نهتم بها في تربية الناشئة، أن نعطيهم مفاتيح التقدم في هذه الحياة، كيف يبنون حياتهم؟ وكيف يتقدمون؟ من الأخطاء التي ترتكبها بعض المجتمعات أن يُتعامل مع التعليم باعتباره ضرورة، وبالتالي يقبل عليه الإنسان مضطراً. يقال له: لن تستطيع أن تعمل، لن تستطيع أن تواصل مشوار حياتك في هذا العصر إلا عبر التعليم، فيتعامل مع التعليم باعتباره مضطراً إليه، وفي كثير من الأحيان لا يكون لهذا العلم الذي يتلقاه الإنسان في المدرسة عشق ومحبة، وإنما هو واجب مفروض عليه. ولعل هذا من الأسباب التي تجعل الأبناء في كثير من الأحيان يتمردون، ويودون لو أنهم أعفوا عن الذهاب إلى المدرسة.إننا نرى اليوم بعض أبنائنا يتفننون في صنع المبررات للهروب من الدراسة، وخاصة في المجتمعات التي تعطي المبررات لهذا التصرف، ككثرة المناسبات الدينية والاجتماعية.
لقد نشأ جيل ملم حتى بالمناسبات التي ما كان يحتفى بها سابقاً في المجتمع، أصبح أبناؤنا أكثر معرفة منا بتواريخها، لا لشيء إلا لأنها تبرر لهم عدم الذهاب للمدرسة، هذا يكشف لنا أن التعليم في بعض الأحيان لا ينبثق من رغبة ومحبة في نفس الطالب، وهذا أمر سيئ، كيف لنا أن نأمل في أن يصبح أبناؤنا نوابغ؟ أو أن يصبحوا متفوقين؟ إذا كان إقبالهم على الدراسة والعلم، إقبال الكاره المضطر.
إن المجتمعات الأخرى تنظر إلى الدراسة، وإلى الجامعة، على أنها تعلم الإنسان كيف يحرك ذهنه، وتزرع في نفسه عشقاً للعلم والمعرفة، لذا نجده يقبل على العلم رغبة فيه، ويتجه للدراسة عشقاً لها. والنصوص الدينية التي تتحدث عن طلب العلم، وثواب طلب العلم، وأن الملائكة تضع أجنحتها لطالب العلم رضاً به، وأن الأرض والسماء والحيتان يستغفرون لطالب العلم، طبعاً البعض يتصور أن الحديث فقط عن طلب العلم الديني، ولكن لغة هذه النصوص لغة مطلقة