إذا كان صاحب أشهر نظريات الفيزياء في القرن العشرين، العالم الأمريكي الألماني ألبرت أينشتاين على قيد الحياة في يومنا هذا، ربما أصبح أكثر الناس تحمسًا عند قراءته لمثل هذه الأخبار.
فقد ذكرت مواقع علمية متخصصة أن العلماء في جميع أنحاء العالم أمضوا خمس ليالٍ بلا نوم يحدقون في الفضاء الشاسع، ويأملون أن يكافؤوا بشيء يمكن أن يغير الفيزياء إلى الأبد (أول صورة لأفق الحدث على حافة ثقب أسود). وإذا كانت جهودهم هذه ناجحة، فنحن قد نكون بالفعل على وشك رؤية حافة ثقب أسود بعيد جدًّا؛ مما يسمح لنا بمعرفة ما إذا كانت أساسيات النظرية النسبية العامة تجري بسرعة أكبر في ظل بعض الظروف القاسية جدًّا.


الثقب الأسود

يمثل الثقب الأسود منطقة من الفراغ، تختل فيها الأبعاد الأربعة من الطول والعرض والارتفاع والزمن، وتتميز هذه المنطقة بجاذبيتها القوية التي لا يمكن لأي شيء مهما كان – حرفيًّا مهما كان– من الهروب منها بما فيها جميع أنواع الجسيمات، وجميع المجالات
الكهرومغناطيسية.
وقد وصفت النظرية النسبية هذا الأمر بأن هناك كتلةً كبيرةً جدًّا انهارت بشدة على نفسها، بفعل جاذبيتها نفسها، لتنضغط إلى حجم ضئيل جدًّا سبّب تشوهًا في الزمان والمكان حولها. المنطقة التي تحيط بهذا الثقب، والتي لا يمكن لأي شيء الهروب منها تسمى أفق الحدث. وبالتأكيد فإن أي جسم يعبر أفق الحدث سيكون هناك تأثير قوي فيه، لكن العلماء ليس عندهم الإمكانات والوسائل التي تمكنهم من معرفة ما يحدث تحديدًا، وهذا هو أول الألغاز.

تخبرنا نظرية الكم حول الزمكان المنحني فتقول بأن أفق الحدث يقوم بإطلاق نوع من الإشعاع الحراري يسمى «إشعاع هوكينغ»، وأن كمية الإشعاع المنطلقة منه تتناسب عكسيًّا مع كتلة الثقب الأسود. هذه الحرارة المنطلقة تقدر بواحد على عدة مليارات من الدرجات الكلفنية، وهو الأمر الذي يجعل من المستحيل تقريبًا رصدها.


وفي النسبية العامة، يكون أفق الحدث حدًّا في الزمكان لا يمكن بعده أن تؤثر الأحداث في المراقب الخارجي. وفي تعريف العالم لايمان، يعرف أفق الحدث بأنه منطقة اللاعودة، أي النقطة التي يصبح عندها سحب الجاذبية الخاصة بالثقب الأسود كبيرًا جدًّا؛ مما يجعل هروب الأجسام منها مستحيلًا، حتى بالنسبة للضوء نفسه.

الضوء المنبعث من داخل أفق الحدث لا يمكنه أبدًا الوصول إلى المراقب الخارجي. وبالمثل، يبدو أن أي كائن يقترب من أفق الحدث بالنسبة للمراقب الخارجي، كما لو أنه يتباطأ ولا يمر تمامًا عبر الأفق، مع صورته التي تصبح أكثر تحولًا تجاه اللون الأحمر مع مرور الوقت. وهذا يعني أن الطول الموجي يزداد كلما تحرك الكائن بعيدًا عن المراقب الخارجي، واقترب من أفق الحدث. ومع ذلك، فإن الجسم المسافر لا يختبر آثارًا غريبة، بل يمر عبر الأفق في مقدار محدود من الوقت المناسب.


انتظار طويل


الأخبار السيئة هنا تتمثل في أنه ما يزال لدينا عملية انتظار طويلة قبل أن نعرف ما إذا كانت شبكة التليسكوبات في جميع أنحاء العالم قادرة على التقاط الصورة أم لا.
وقد انتهى علماء الفلك في جميع أنحاء العالم من عملية مراقبة مدتها خمس ليالٍ لاثنين من الثقوب السوداء، واحتاج العلماء إلى الحصول على 1024 من محركات الأقراص الصلبة، تضم كافة البيانات من مراكز المعالجة المختلفة مثل تليسكوب أفق الحدث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ومعهد ماكس بلانك لعلم الفلك الراديوي في مدينة بون الألمانية حتى يتمكنوا من البدء في دراستها.
أضف إلى هذا عملية انتظار أخرى تتعلق بحقيقة أنه لا يمكن الحصول على محركات الأقراص الصلبة الموجودة في تليسكوب القطب الجنوبي حتى نهاية شهر أكتوبر/ تشرين الأول، في نهاية فصل الشتاء. لذلك سيكون علينا الانتظار حتى وقت متأخر من هذا العام، أو ربما حتى أوائل عام 2018، حتى نحصل على بعض الإجابات.
لكن أحد علماء الفلك المشاركين في عملية البحث، هينو فالك، من جامعة رادبود في هولندا، قال لمجلة ناشيونال جيوغرافيك إنه حتى بدون رؤية البيانات، فإن أي ملاحظات ملموسة للثقوب السوداء سوف تأخذها أخيرًا من كونها كائنات أسطورية غامضة إلى شيء ملموس يمكننا دراسته.
وأضاف: «حتى لو كانت الصور الأولى ما تزال مشوشة وغير واضحة، إلا أنها ستمكننا بالفعل من اختبار – للمرة الأولى- بعض التنبؤات الأساسية لنظرية أينشتاين للجاذبية في البيئة الشديدة الخاصة بالثقب الأسود».

لم يرها أحد

جدير بالذكر هنا أنه رغم الحديث العلمي الطويل عن الثقوب السوداء، وانتشارها بقوة في الأفلام السينمائية، إلا أنه لم يتمكن أحد حتى الآن من رؤية الثقوب السوداء بأي شكل من الأشكال. فالثقوب السوداء هي من بين أكثر الأشياء الرائعة و المراوغة في الكون المعروف. ولكن على الرغم من حقيقة أنه يشتبه في أنها تقع في وسط معظم المجرات، لم يكن هناك أي شخص قادرًا على تصوير صورة واحدة لها.


نحن لم نشاهد الثقوب السوداء، ولعلنا لن نشاهد الثقوب السوداء، ببساطة لأنه لا شيء ينعكس منها حتى يرتد لنا فنراها باستخدام أي نوع من الإشعاع. لكن كيف عرف العلماء بوجودها؟ العلماء تمكنوا من معرفة وجود ثقب أسود نتيجة ملاحظة التأثيرات التي يقوم بها حوله من انحناء الضوء، وأنه عندما يقترب منه نجم فتبدأ مادته بالتسرب نحو الثقب، حيث تزداد سرعتها وترتفع حرارتها وتلمع بشدة في وجود الأشعة السينية.
السرعة التي تجذب بها الثقوب السوداء عند منطقة أفق الحدث، هي سرعة أعلى من سرعة الضوء نفسها، وبالتالي فإن الضوء نفسه يتم امتصاصه، ولا يتمكن من الهرب حتى أنه يفقد خاصيته الأسطورية المتعلقة بأن يسير في خطوط مستقيمة لينحني تجاه الثقب الأسود. ونتيجة قوة الجذب الهائلة فإن الضوء البعيد قليلًا عن أفق الحدث ينحني مغيرًا اتجاهه في صورة منحنى، وليس مجرد عملية انكسار حادة للضوء.


آمال كبيرة


منذ عدة أعوام، يأمل العلماء في أننا سنكون قادرين أخيرًا على رؤية الثقوب السوداء لأول مرة في التاريخ. فريق من العلماء يأملون في استخدام خوارزمية حاسوبية معينة، ومجموعة من المعدات لالتقاط أول صورة لأفق حدث الثقب الأسود.

وسوف يلتقط هذه الصورة مشروع يسمى تليسكوب أفق الحدث، وهو عبارة عن شبكة من تسعة تليسكوبات لاسلكية وضعت في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القطب الجنوبي، وفي الولايات المتحدة، وشيلي، وجبال الألب الفرنسية. ويأمل القائمون على المشروع في التقاط صورة لأفق الحدث الخاص بالثقب الأسود، والتي نتوقع أن تبدو وكأنها هلال كبير.
هذه الصورة ستمكننا من اختبار بعض الافتراضات المركزية للفيزياء، والتي تشمل النظرية النسبية العامة، التي تنص على أنه «شيء كبير مثل الثقب الأسود سوف يكون قادرًا على ثني الزمكان»، وهو الأمر الذي ينبغي أن يكون ظاهرًا بوضوح في الصورة، إذا ما كانت النظرية صحيحة
.