النتائج 1 إلى 2 من 2
الموضوع:

بلاد الصقالبة والبلغار في رحلة ابن فضلان

الزوار من محركات البحث: 11 المشاهدات : 515 الردود: 1
جميع روابطنا، مشاركاتنا، صورنا متاحة للزوار دون الحاجة إلى التسجيل ، الابلاغ عن انتهاك - Report a violation
  1. #1
    من أهل الدار
    تاريخ التسجيل: July-2014
    الجنس: ذكر
    المشاركات: 1,790 المواضيع: 1,770
    التقييم: 888
    آخر نشاط: 30/September/2021

    بلاد الصقالبة والبلغار في رحلة ابن فضلان







    يمتاز ابن فضلان بوصفه الإثنوغرافي لبلغار الفولغا بالدقة والإحاطة الشاملة، فلا يكاد يغفل عن أي شيء يمس حياتهم العامة والخاصة: السلطة، والدين، والسلوك الاجتماعي، والطقوس، فضلًا عن الأنواء، والظواهر الغريبة التي تحيط ببيئتهم وحياتهم.

    أولًا: السلطة والعلاقة الدولية

    يذكر ابن فضلان أن ملك الصقالبة اسمه (ألمش بن بلطوار)، وله مساعدون يدعوهم "الملوك الأربعة"، كانوا مع الملك عند استقباله لهم، وكان الملك يصحبه أيضًا إخوته وأولاده يحملون "معهم الخبز واللحم والجاورس (نوع من الحبوب)". وبعد مراسيم الاستقبال بساعة، دعاهم الملك "فدخلنا إليه وهو في قبته، والملوك على يمينه، وأمرنا أن نجلس على يساره، وإذا أولاده جلوس بين يديه، وهو وحده على سرير مغشى بالديباج الرومي ..".



    ثم يحدثنا عن عادات الطعام عند الملك، فعندما أُعدَّت المائدة لهم قدِّمت إليهم وعليها اللحم المشوي وحده، فتضمن طقس الطعام الملكي، أن يبدأ الملك بالطعام، وأن لا يبدأ الآخرون إلا بعد أن يقدم الملك بنفسه قطعة من الطعام لهم "فلا يمدُّ أحدٌ يده إلى الأكل حتى يناوله الملك لقمة". وَلَـمَّا أكلوا دعا (الملك) بشراب العسل وهم يسمونه السجو، فشرب قدحًا نخبًا لخليفة بغداد، وهو يقوم قائلًا:"هذا سروري بمولاي أمير المؤمنين -أطال الله بقاءه- وفعل ذلك ثلاث مرات".



    وبما أن العقيدة الإسلامية لم تنغرس بعمق، لاحظ ابن فضلان أنه كان يُخطب على منابر جوامع البلغار، قبل قدومه "اللهم أصلح الملك بلطوار ملك البلغار" فنبه ابن فضلان الملك "أن الله هو الملك، ولا يسمى على المنبر بهذا الاسم غيره"، وذكّره أن منابر بغداد والشرق يقال فيها "اللهم أصلح عبدك وخليفتك الإمام المقتدر بالله"، فصار من حينها يُخطب لملك البلغار على المنابر "اللهم أصلح عبدك جعفر بن عبد الله أمير البلغار مولى أمير المؤمنين".



    ولاحظ أن الملك إذا ركب لا أحد يكون معه، فإذا اجتاز السوق لم يبق أحد إلا قام وأخذ قلنسوته عن رأسه فجعلها تحت إبطه، إذ إن كلهم يلبس القلانس، فإذا جاوزهم الملك ردوا قلانسهم إلى رؤوسهم؛ كذلك فإن كل من يدخل إلى الملك في مجلسه يأخذ قلنسوته تحت إبطه، وكل من يجلس بين يديه يجلس باركًا. وكلهم يسكن القباب، إلا أن قبة الملك كبيرة، تسع ألف نفس وأكثر، مفروشة بالفرش الأرمني، وله في وسطها سرير مغشى بالديباج الرومي.



    ويشير إلى علاقة التبعية التي تربط البلغار بجيرانهم الخزر، إذ يضطر ملك الصقالبة على دفع ضريبة إلى ملك الخزر مقدارها جلد سمور عن كل بيت في مملكته. ويضع ابنه رهينة عند ملك الخزر، الذي تزوج ابنة ملك الصقالبة غصبًا، على الرغم من أنه يهودي وهي مسلمة، ومن جهة أخرى فإن ملك الصقالبة يأخذ العشر من كل سفينة تجارية تأتي من الخزر، وإذا قَدِم الروس أو غيرهم من سائر الأجناس برقيق فالملك يختار رأسًا من عشرة رؤوس. ويحدثنا أن فيهم تجار كثر، يخرجون إلى أرض الترك فيجلبون الغنم، وإلى بلد آخر يقال له (ويسو) فيجلبون منه السمور والثعلب الأسود. وإذا غزوا على بعض البلدان فللملك حصته فيها، كما أن في كل عرس أو فرح له قدر من الوليمة.



    وهكذا نجد أن تنظيم السلطة، وعلاقة الجماعة بها، يجمعان بين حياة القبيلة وتنظيمها، وبين الملكية المركزية التي تتجلى في الضريبة التي يفرضها الملك على رعيته، وفي التجارة الدولية النامية في بلده، وفي السلطة والنظام اللذان يحرسهما.



    ثانيًا: السلوك الاجتماعي والديني

    لقد عرف ابن رسته، من قبل، دخول الإسلام إلى البلغار الصقالبة، غير أننا مع ابن فضلان ندخل ردهات الحياة الدينية اليومية للبلغار، إذ يصور لنا ما يتوافق أو يختلف مع الاعتقاد الإسلامي، فنجده غير راضٍ، بشكل عام، عن سطحية تمثُّل البلغار للمعتقد الإسلامي، وانعدام تجذره في سلوكهم.



    إذ رآهم يتبركون بعواء الكلاب جدًا، ويفرحون به، لما يمثله لهم من دلالة على الخير فيقولون لبعضهم: "سنة خصبة وبركة وسلامة"، ويستغرب من رسومهم التي تقضي بأن يأخذ الجدُّ المولود دون أبيه، فيعطوا الحق للجد في حضنه حتى يصير رجلًا، وإذا مات منهم رجل ورثه أخوه دون ولده. من هنا قول ابن فضلان "فعرَّفت الملك أن هذا غير جائز، وعرفته كيف المواريث حتى يفهمها".



    كما رأى أنه إذا وقعت صاعقة على بيت لم يقربوه تطيرًا منه، وتركوه بما فيه من أنفس ومال حتى يتلفه الزمان، ويقولون عنه "هذا بيت مغضوب عليهم". وإذا كانوا يعاقبون القاتل العمد بالقتل، وهو يتفق إلى حد ما مع المعتقد الإسلامي، فإن ما يثير استغرابه أنهم يعاقبون من قتل رجلًا خطأ، بدون قصد، بوضعه داخل صندوق وتعليقه حتى يبليه الزمان وتهب به الريح.



    وأعار ابن فضلان موضوع المرأة انتباهًا خاصًا ولا سيما بعد أن رأى تخففها من ضوابط التقليد الإسلامي، فأثار استهجانه نزول الرجال والنساء إلى النهر ليغتسلوا جميعًا عراة لا يستتر بعضهم من بعض، فيقول "وما زلت أجتهد أن يستتر النساء من الرجال في السباحة فما استوى لي ذلك"، إلا أنهم لا يزنون بشكل عام، ومن زنا منهم، كائنًا من كان، ضربوا له أربعة سكك وشدوا يديه ورجليه إليها، وقطعوه بالفأس من رقبته إلى فخذيه، وكذلك يفعلون بالمرأة أيضًا، ثم تُعلّق كل قطعة منه ومنها على شجرة.

    أما فيما يتعلق بعادات الدفن، فإنه يصفها بدقة ربما لأنها كانت تخالف طريقة الدفن الإسلامية، فإنهم يغسلون الميت على طريقة المسلمين، إلا أنهم يحملونه، إذا كان حرًا أو من الرؤساء، على عجلة تـجرّه إلى مكان الدفن، حيث يضعونه على الأرض، ثم يخطّون حوله خطًا ويحفرون داخل ذلك الخط حفرة، ثم يجعلون له لحدًا ويدفنونه في الحفرة. ويُمنع على النساء البكاء على الميت، ويبكي الرجال الأحرار، أما عبيد الميت فيأتون إليه بعد ذلك فيضربون جنوبهم بالسيور، وينصبون له مطردًا (علمًا) على باب قبة قبره، ويأتوه بسلاحه، ولا يقطعون البكاء عليه خلال سنتين، فإذا انقضت السنتان حطّوا العلم وقصوا من شعورهم، ثم يدعون بدعوة إيذانًا بخروجهم من الحزن، ويحق لزوجته بعده الزواج ثانية. أما في حال الميت من العامة "فيفعلون بعض هذا بموتاهم".



    ثالثًا: معاشهم وغرائبهم

    الطعام والمأكل والملبس

    يلاحظ ابن فضلان أن أكثر البلغار مريض بداء القولنج (مرض معوي)، حتى أن أكثرهم تختفي من وجهه الحمرة، ويلبسون جميعًا القلانس، وأكثر أكلهم الجاورس (نوع من الحبوب) ولحم الدابة، على أن الحنطة والشعير كثير لديهم، وكل من زرع شيئًا أخذه لنفسه، ليس للملك فيه حق، سوى ما يقدمونه له كل عام من جلد السمور. ويحفرون في الأرض آبارًا ويضعون طعامهم فيها، فلا تمضي أيام حتى يتغير طعمه ورائحته، وليس لهم زيت أو دهن، سوى دهن السمك يعتمدونه في أكلهم. ويعملون من الشعير حساء للجواري والغلمان. وفي غياضهم عسل كثير، وعندهم تفاح أخضر شديد الخضرة، وأشدّ حموضة من خلّ الخمر، تأكله الجواري فيسمنَّ عليه. ولم ير في بلدهم أكثر من شجر البندق، كما يوجد عندهم شجر مفرط الطول وساق أجرد الأوراق، يجيئون إلى موضع يعرفونه في ساقه فيثقبونه فيخرج منه ماء أطيب من العسل، إذا أكثر منه المرء أسكره؛ وعندهم أيضًا رمان أمليس (لا نواة له) لذيذ جدًا.



    المناخ والطقس

    ولا ينسى أن يحدثنا عن المناخ والطقس، وما يحتويانه من غرائب، فيلاحظ تفاوت الليل والنهار واختلافهم عما اعتاده في بلاده، لدرجة صار حائرًا والتبست لديه مواقيت الصلاة، فالنهار لديهم طويل جدًا، إذ أنه يطول عندهم مدة من السنة ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، ورأى في يوم إقامته الثاني أن الشفق الأحمر الذي قبل المغيب لا يغيب البتة، وإذا الليل قليل الظلمة يعرف الرجلُ الأشياء عن بعد. ورأى القمر لا يتوسط السماء، بل يطلع في أرجائها ساعة ثم يطلع الفجر فيغيب القمر. ورأى البلد عند طلوع الشمس يحمرُّ كل شيء فيه الأرض والجبال وكل شيء.



    غرائب وعجائب

    ويحدثنا عن عجائب، حرص أن ينسبها إلى غيره لغرابتها، رغم قوله: "رأيت في بلده من العجائب ما لا أحصيها" فهو يتحدث بلسان أحد أصحابه عن وجود حيوان غريب، هو دون الجمل في الكِبر وفوق الثور، وحوافره مثل أظلاف الثور، له في وسط رأسه قرن واحد غليظ مستدير، يرتقي ورق الشجر، إذا رأى الفارس ظل يلاحقه حتى يقتله، لذا فهم يصعدون إلى أعالي الشجر ليرموه بالسهام المسمومة لقتله. ولعله بذلك يصف ما يسمى بوحيد القرن.



    كما يتحدث على لسان أحد الرجال عن شعب غامض يسميه يأجوج ومأجوج، ويبعد هؤلاء عن أهل (ويسو) ثلاثة أشهر، وهم عراة، يفصلهم البحر عن أهل (ويسو), وهم مثل البهائم ينكح بعضهم بعضًا. يخرج الله لهم كل يوم سمكة من البحر لطعامهم.



    كما التبس عليه رؤيته لبعض الظواهر المتعلقة بالشفق القطبي، فتخيَّل أنه يرى أمثال الناس والدواب في الجو، تأثرًا ببعض المعتقدات المحلية الراسخة.



    كما يحدثنا عن لسان ملك البلغار عن شعب (ويسو)، وهو شعب فنلندي شمالي، ولعله كما يرى المستشرق "فرهن" شعب روسيا البيضاء، قرب موسكو الحالية، إذ يعلمه ملك البلغار أنه يبعد ثلاثة أشهر عن بلاده؛ والليل عندهم أقل من ساعة، يذهب إليهم تجار البلغار ليشتروا منهم جلود السمور والثعلب الأسود.



    فقدم لنا ابن فضلان صورة حية، عن مقطع من حياة البلغار قبل ألف عام، لا غنى عنها لأي مؤرخ لحياة وأصول شعوب شرق أوربا، فجمعت رسالته بين أسلوب التقرير الرسمي وبين الدراسة الإثنوغرافية لحياة هذا الشعب.

    ______________

    المصدر: أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حماد: رسالة ابن فضلان، تحقيق وتقديم: سامي الدهان، مديرية إحياء التراث العربي-دمشق، ط2، وزارة الثقافة، دمشق 1978م، ص146 - 170.


    قصة الإسلام


  2. #2
    اهــــات فـــاقــد,❤
    بنــت الســـادة
    تاريخ التسجيل: May-2017
    الجنس: أنثى
    المشاركات: 1,469 المواضيع: 8
    التقييم: 356
    تشكرآت

تم تطوير موقع درر العراق بواسطة Samer

قوانين المنتديات العامة

Google+

متصفح Chrome هو الأفضل لتصفح الانترنت في الجوال