نشرت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريرًا يناقش آخر ما توصل إليه العلماء من أبحاث فيما يخص تعدد الأكوان، وقال الكاتب المتخصص ستيوارت كلارك في مقدمة تقريره: «في الـ12 شهرًا الماضية بدا وكأننا انزلقنا إلى عالم موازٍ، لكن ترامب والبريكست لا يقارنان بالأكوان البديلة التي يتأمل في أمرها العلماء».
ما يطلق العلماء عليه تعدد الأكوان، يشرح الكاتب أن المقصود به هو كون واحد يوجد به أكوان أخرى متعددة، وعندما يطلق لفظ متعددة؛ فالمقصود هو عدد لا نهائي من الأكوان. وتتواجد هذه العوالم غير المعدودة جنبًا إلى جنب مع أبعاد أعلى لا نستطيع إدراكها بصورة مباشرة.
هناك المزيد من علماء الفلك والكون يبدو أنهم يستعينون بنظرية تعدد الأكوان لتفسير ملاحظات وظواهر أخرى محيرة. يقول الكاتب إن كل كون موازٍ يحمل نسخته المختلفة من الحقيقة: «سيكون هناك كون حيث تكتب أنت هذا الموضوع وأقرأه أنا، وكون حيث الجارديان تكون جريدة بروباجندا لليمين البديل، حتى أنه قد يكون هناك كون غريب حيث دونالد ترامب يستخدم فيه تويتر ليس لشيء سوى نشر فيديوهات للقطط!».
اقرأ أيضًا: مترجم: بحث جديد يفترض أن الكون قد يكون «هولوغرامًا» ضخمًا
قد يبدو هذا جنونًا، لكن هناك دليلًا جديدًا يؤيد وجود أكوان متعددة، صدر عن «الجمعية الفلكية الملكية» بالمملكة المتحدة، إذ نشرت مؤخرًا دراسةً عما يعرف بـ«البقعة الباردة». لوحظت هذه البقعة الباردة من الفضاء من خلال إشعاع نتج من تشكل الكون قبل 13 مليار سنة.
ويشير الكاتب إلى أن «البقعة الباردة» لوحظت للمرة الأولى، عام 2004، عن طريق مسبار «ويلكينسون لقياس اختلاف الموجات الراديوية» الذي أطلقته وكالة «ناسا»، ومرة أخرى عام 2013، عن طريق مهمة «بلانك» التي أطلقتها وكالة الفضاء الأوروبية. إنها محيرة للغاية – يقول الكاتب- يعتقد معظم علماء الفلك والكون أنها غالبًا لم تكن موجودة منذ ميلاد الكون، إذ إن ذلك يصعب تفسيره رياضيًّا بالنسبة للنظرية الأساسية التي يطلق عليها نظرية التمدد.
سيكون هناك كون حيث تكتب أنت هذا الموضوع وأقرأه أنا، وكون حيث الجارديان تكون جريدة بروباجندا لليمين البديل، حتى أنه قد يكون هناك كون غريب حيث دونالد ترامب يستخدم فيه تويتر ليس لشيء سوى نشر فيديوهات للقطط!
وينقل التقرير ما قاله توم شانكس، الأستاذ في «جامعة درم» وأحد الباحثين في الدراسة الصادرة مؤخرًا: «لا يمكننا أن نستبعد تمامًا أن هذه البقعة تكونت من تقلب أو تذبذب غير محتمل، حدث بسبب نظرية الانفجار العظيم التقليدية». وإن لم تكن هذه هي الإجابة، يتابع شانكس: «فإن هناك المزيد من التفسيرات الغريبة. وقد يكون الأكثر غرابة وإثارة من بينها، هو أن البقعة الباردة نتجت من تصادم كوننا بكون آخر. وإذا برهنت نتائج أخرى تفصيليًّا في المستقبل صحة هذا الفرض، فإن البقعة الباردة ربما تصبح الدليل الأول على تعدد الأكوان».
ويشير التقرير إلى أن المفارقة هي أنه إذا كان بالفعل هناك أكوان متعددة فإن العلماء عليهم أن يقبلوا حقيقة أن الغاية النهائية للفيزياء -تفسير ماهية الكون ولماذا هو على ما عليه- يمكن أن تصبح بعيدة المنال للأبد.
كانت الحركة الحاسمة في اللعبة بالنسبة للفيزياء – وما زالت- هي برهنة ماهية كوننا، ولماذا هو على هذا التكوين الحالي. ولكي تستطيع الفيزياء الوصول إلى ذلك يجب أولًا أن تفسر لماذا تأخذ كميات أساسية معينة قيمها التي هي عليها، مثل تفسير سرعة الضوء، وكتلة الإلكترون، وقوة الجاذبية.
يقول التقرير إنه إذا كان هناك ما يسمى بتعدد الأكوان؛ فإن كل مساعي الفيزياء ستصبح فشلًا.
Embed from Getty Images
ويضيف التقرير أنه إذا تأكدنا من وجود أعداد لا نهائية من الأكوان الأخرى المشابهة لكوننا – حتى لو كانت هناك اختلافات طفيفة مثل أن تكتب أنت هذا التقرير وأقرأه أنا- فإنه سيكون هناك عدد لا نهائي من أساسيات القوانين الفيزيائية مختلفة عن بعضها.
اقرأ أيضًا: دليلك للاستمتاع بالفلك.. تعرف على الكون مجانًا!
ويستطرد التقرير: «لذلك فإن أي قوانين فيزيائية ممكنة سيتم تجربتها على هذه الأكوان الموازية، ويوجد حينها لا محالة، وبقليل جدًّا من الحظ، على الأقل واحد من هذه الأكوان التي ستكون الأحوال فيه كما في كوننا. وما هي إلا حادث كبير قديم، ويبدو هذا التفسير غير مُرضٍ.
يشير التقرير إلى أن أحد أشد المعارضين لنظرية تعدد الأكوان – وللمفارقة- هو واحد من منظريها الأصليين. إذ ساعد بول شتاينهاردت، الأستاذ بجامعة برينستون، في تطوير نظرية التضخم الكوني، وهي النظرية التي تفسر أصل كوننا. وهي النظرية التي تصارع لفهم البقعة الباردة، فيما تعطي أيضًا رواجًا لنظرية تعدد الأكوان؛ لأنه بالنسبة إلى حسابات النظرية فإن الكون حينما يبدأ في التكون يميل لأن يولد من جديد لعدد لا نهائي من المرات.
تعدد الأكوان نظرية غير جذابة. فإنها قد تضرب أساس الفيزياء وغايتها في مقتل. وعلوم الطبيعة –بالطبع- لا تكترث بكل هذا. وربما فإن الكون بالفعل على ما هو عليه، ويجب علينا فقط أن نتقبل ذلك.
لكن ما حدث هو أن البروفيسور شتاينهاردت انقلب ضد نظريته تلك.
وفي عام 2014، قال شتاينهاردت
لـ«المجلة العلمية الأمريكية»:
«سيكون كوننا الذي يمكن إدراكه هو احتمالية واحدة من أصل طيف مستمر من النتائج. لذلك فنحن لم نفسر أي خاصية كونية بتقديمنا لنظرية التضخم الكوني. فنحن بذلك نكون حولنا المشكلة من نموذج الانفجار العظيم الأصلي (فكيف لنا أن نفسر كوننا البسيط في حين أن هناك عددًا لا نهائيًّا تقريبًا من الاحتمالات المتنوعة التي قد تنتج من الانفجار العظيم؟) إلى النموذج التضخمي».
ويقول الكاتب ضع هذه الأفكار جانبًا، «تعدد الأكوان نظرية غير جذابة. فإنها قد تضرب أساس الفيزياء وغايتها في مقتل. وعلوم الطبيعة – بالطبع- لا تكترث بكل هذا. وربما فإن الكون بالفعل على ما هو عليه، ويجب علينا فقط أن نتقبل ذلك. وبالتأكيد فإن هناك الكثيرين على استعداد للدفاع عن نظرية الأكوان المتعددة كونها طريقًا مثمرًا للتفكير.
ويختتم الكاتب ستيوارت كلارك تقريره قائلًا: «عزاؤنا هو إذا كنا نعيش في أكوان متعددة، سنكون متأكدين من أن هناك في مكان ما على أحدهم نسخ بديلة مني ومنك، استطاعا بالفعل تفسير كل ذلك، بل وتسلما جائزة نوبل عن مجهوداتهما».