رونالدو: الباحث عن التميز في الملاعب



مدريد- بينما فاز ريال مدريد الأسباني 3-1 على شالكه الألماني باستاد "سانتياجو برنابيو" في العاصمة مدريد وأطاح به من دور الستة عشر لدوري أبطال أوروبا لكرة القدم لموسم 20133-2014 بعد الفوز المدوي 9-2 في مجموع المباراتين، ولكن ملامح وإيماءات البرتغالي كريستيانو رونالدو مهاجم الريال عكست عدم اقتناعه بشكل تام بهذه النتيجة.
وسجل رونالدو هدفين في مباراة الإياب التي انتهت بفوز الريال 3-1 وأهدر فرصة إحراز الهدف الثالث (هاتريك) ولم يسامح نفسه على الأخطاء التي ارتكبها في هذه المباراة لأنه يريد دائما أن يكون الأفضل ، وهذا هو الهاجس الذي يسيطر عليه دائما.
وتعكس هذه الرواية تاريخ ومسيرة رونالدو الكروية، ويتسم رونالدو بأنه لاعب غير قانع لا يجد في المركز الثاني أمرا جيدا بالدرجة الكافية كما أنه رياضي يفهم احترافه من مفاهيم التميز ويطمح باستمرار لحجز مكان لنفسه بين عظماء اللعبة.
وقال خورخي مينديز أكثر وكلاء اللاعبين تأثيرا في العالم "في كل عام ، يكون لدى كريستيانو هدف : وهو التفوق على نفسه. نعرف جميعا ما يحبه : أن يكون أفضل محترف في العالم ، وأفضل لاعب في العالم ، وسيكون بالفعل أفضل لاعب في التاريخ ، لأنه لن يكون هناك لاعب آخر مثله".
وفاز رونالدو ، أعظم جوهرة في سجل عملاء مينديز الحافل بالنجوم ، بجائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم بعام 2013 لتكون المرة الثانية في مسيرته حتى الآن التي يحرز فيها الجائزة.
وطاف مينديز بالجائزة القاعة التي أقيم فيها حفل توزيع جوائز الاتحاد الدولي للعبة (فيفا) في مدينة زيوريخ السويسرية خلال كانون ثاني (يناير) الماضي.
ويشيد مينديز برونالدو من خلال الثناء على شخصيته المتكاملة واحترافيته المثالية الخالية من الأخطاء. كما تحمل هذه الإشادة رسالة إلى الأرجنتيني ليونيل ميسي مهاجم برشلونة الأسباني والمنافس اللدود لرونالدو.
ويبدو ميسي على النقيض تماما من طبيعة رونالدو داخل وخارج الملعب. ولكنهما يشتركان في شيء واحد فقط وهو النهم للنجاح.
وقال رونالدو ، قبل ساعات من تسلمه جائزة الكرة الذهبية التي كافح من أجلها بشكل ربما لم يسبقه إليه أحد ، " هل يجعل كل منا الآخر بوضع أفضل ؟ ربما يكون هذا صحيحا ، وهذا أمر جيد لكرة القدم".
وعلى مدار أربع سنوات متتالية ، شاهد رونالدو الجائزة تتجه إلى ميسي وهو ما شكل محنة حقيقية بالنسبة لشخصية رونالدو الباحثة دائما عن التميز وعن التواجد على القمة.
وكانت الدموع التي انهمرت من عينيه على خشبة المسرح بقاعة المؤتمرات الدولية في زيوريخ ، عقب تسلم جائزة الكرة الذهبية من أسطورة كرة القدم البرازيلي بيليه ، أكبر دليل وخير تعبير عن هذا الهاجس الذي سيطر على رونالدو في السنوات الأربع الماضية بشأن رغبته في استعادة لقب أفضل لاعب في العالم.
وقال رونالدو ، الذي عانق طفله بعد تسلم الجائزة ، "من يعرفونني يدركون مدى العناء الذي لاقيته لأصل إلى هذه اللحظة".
واحتاج رونالدو إلى عزيمة حديدية ليستطيع الفوز في هذا الصراع مع ميسي ويحقق أهدافه واحدا تلو الآخر.
وقال البرازيلي داني ألفيش زميل ميسي بفريق برشلونة ، في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) ، "ميسي موهوب ورونالدو مجتهد ، هذا هو الفارق".
والحقيقة ، ربما لا يعارض رونالدو هذا الوصف. وقد يكون هذا لأنه لاعب موهوب بالطبع لكن إمكانياته الرئيسية تكمن في مثابرته وحبه لعمله. كل من شاهده يعمل ، يمكن أن يؤكد هذا.
ولم يشكو أي مدرب من مدى ولاء رونالدو والتزامه وإخلاصه للفريق الذي يلعب له حيث يبدو إخلاصه دائما في أعلى درجاته.
كما يحرص رونالدو دائما وبشكل هائل على تطوير كل ما يتعلق بمستواه في اللعبة مثلما حدث عندما قرر التدريب على تسديد الكرة برأسه أملا في تسجيل أهداف بحركات أكروباتية.
وقال سير أليكس فيرجسون، في سيرته الذاتية ، عن رونالدو "إنه أكثر لاعب موهوب أشرفت على تدريبه" في إشارة للسنوات التي قضاها اللاعب تحت قيادة فيرجسون في فريق مانشستر يونايتد الإنجليزي قبل الانضمام للريال في العام 2009 .
ولعب المدرب الاسكتلندي الأسطورة فيرجسون ، الذي تولى تدريب مانشستر يونايتد من العام 1986 إلى العام 2013 ، دورا بارزا في مسيرة رونالدو الكروية حيث انتقل اللاعب من سبورتنج لشبونة إلى مانشستر يونايتد ليصبح المهاجم الفتاك للفريق العريق ويتحول أيضا إلى أيقونة إعلانية يستطيع حصد ملايين الدولارات له وللفريق.
وفي العام 2003، بدا أن رونالدو هو اللاعب الأمثل لشغل الفراغ الذي تركه رحيل اللاعب الإنجليزي الشهير ديفيد بيكهام من مانشستر يونايتد سواء داخل الملعب أو في العقود الإعلانية.
وبعد أربع سنوات فقط ، أصبح بيكهام مجرد ذكرى ضبابية في تاريخ النادي مقارنة بهذا النجم البرتغالي الذي انتزع جائزة الكرة الذهبية لأفضل لاعب في العالم في العام2008 .
وانتقل رونالدو من مانشستر يونايتد إلى ريال مدريد في 2009 مقابل أكثر من 90 مليون يورو (أكثر من 130 مليون دولار) ليصبح أغلى لاعب في تاريخ كرة القدم.
ولم تكن الأمور بهذه الروعة دائما في حياة رونالدو الذي ولد لعائلة فقيرة في فونشال بجزيرة مادييرا البرتغالية. وتوفي والد رونالدو عن عمر يناهز 52 عاما بعد حياة أفسدها إدمانه الكحوليات.
وعانى رونالدو في بداية حياته بالعاصمة لشبونة من الشعور بالغربة حيث سافر للشبونة وهو في الثانية عشر من عمره وكتب اسمه على شارة حول عنقه بعدما ذاع صيته من خلال فريق نادي أندورينها المغمور.
وانتقل رونالدو إلى الريال وهو في قمة مستواه ولديه الإصرار على إثبات أنه الأفضل في العالم ويلعب لأقوى ناد بالعالم.
ولكن سنواته الأولى مع الريال اصطدمت بأفضل سنوات في تاريخ المنافس العنيد برشلونة ، ولم يتقبل رونالدو الهزيمة بصدر رحب.
ورأى المنافسون والحكام وبعض مشجعي الريال في رونالدو شخصا متعجرفا وأنانيا يهتم بأدائه الشخصي أكثر من أداء الفريق.
وقال رونالدو في أيلول (سبتمبر) 2011 "يطلق الناس صيحات الاستهجان ضدي لأنني أبدوا أنيقا وثريا ولاعبا رائعا. إنهم يغارون مني".
ووصف جيرارد بيكيه مدافع برشلونة هذا التصريح من رونالدو بأنه "صادق للغاية".
وربما يلعب بيكيه في صفوف برشلونة المنافس العنيد للريال ، ولكنه دأب على التعليق بشكل جيد دائما على رونالدو زميله السابق في مانشستر يونايتد.
ومثل معظم اللاعبين الذين زاملوا رونالدو ، يصف بيكيه النجم البرتغالي بأنه مرح وودود ولطيف.
ويهتم رونالدو كثيرا بصورته. ولهذا ، استمع إلى من حوله وقرر أن يغير نزعته قبل نحو عامين. وأصبح رونالدو الآن أقل تحديا وعنادا في مواجهة الحكام الذين اعتاد اتهامهم بعدم حمايته من خشونة المنافسين.
كما أصبح أكثر لطفا وتعقلا تجاه منافسيه الذين اعتادوا النظر إليه على أنه إنسان مغرور. والأكثر من هذا ، أصبح رونالدو أكثر تقربا وارتباطا من زملائه بالفريق.
وقال المدرب الأرجنتيني السابق سيزار لويس مينوتي الذي قاد المنتخب الأرجنتيني للفوز بلقب كأس العالم العام 1978 ، "يبدو بالنسبة لي أفضل وأكثر هدوءا وأكثر ميلا للأداء الجماعي. لم تعد لديه نزعة : هذا رونالدو وبجواره عشرة رفاق. هذا يساعده كثيرا".
ومع بلوغه التاسعة والعشرين من عمره ، فقد رونالدو أي اهتمام بالملاهي الليلية. وأصبح الملاذ الذي يلجأ إليه ويسعى إليه دائما هو منزله الفخم في "لا فينكا" بضواحي مدريد حيث يعيش حياة العائلة. ويحظى رونالدو كثيرا بزيارة والدته وشقيقاته وأقاربه.
وأنجب رونالدو طفلا يبلغ الرابعة من عمره حاليا ولكنه ليس لصديقته الحالية عارضة الأزياء الروسية إيرينا شايك ولكن لامرأة لم يكشف رونالدو عن هويتها حيث يحتفظ بهويتها سرا وهو نفس الأسلوب الذي يتبعه عندما يساعد المحتاجين بعيدا عن الأضواء.
وقال رونالدو ، في مقابلة مع مجلة "فرانس فوتبول" الفرنسية الرياضية ، "لست شخصا متكاملا. إنني بشر من لحم وعظام مثل الآخرين. أضحك وأبكي وأعاني من مشاكل ولكن الناس لا تفهمني دائما. عندما أقول شيئا غير مناسب ، أعتذر. بمرور الوقت والتقدم في السن ، يتعلم الإنسان من الأخطاء".
ويستعد رونالدو الآن للمونديال البرازيلي الذي سيكون ساحة لفصل جديد في مسلسل الهاجس الذي يستحوذ على رونالدو بأن يكون الأفضل في العالم.