عامل ورشة إصلاح الإطارات الذي صار هداف المونديال .. فأنهت سعادته مسيرته!
لم تمنعه بساطة عمله وقسوة فقره من ممارسة هوايته المفضلة وتحقيق حلمه المستحيل ليصبح أحد علامات كرة القدم
جلس المراهق سالفاتوري حزيناً شارد الذهن على الرصيف المقابل لإحدى ورش إصلاح إطارات السيارات في مدينة باليرمو الايطالية، ممسكاً بقطعة قماش غيرت معالم لونها قطرات الزيت والشحم الداكنة، كان يفكر في مصيره وما تحمله الأيام القادمة، بينما اقترب منه صديقه ورفيقه في هذه المهنة الشاقة ليربت على كتفه قائلاً : "لا تقلق يا "توتو" .. اذهب إلى حصتك التدريبية وسوف أغطي غيابك ولن يلاحظه أحد" .
ساعتان كل يومين يحتاج اليهما الشاب ابن الـ 17 عاماً ليذهب إلى تدريب كرة القدم في أحد الأندية الصغيرة بمدينة باليرمو الصقلية والذي يدعى آمات باليرمو، حيث يجد نفسه ويشعر بمتعته الوحيدة التي تهون عليه قسوة الأيام وآلام الفقر، ولكن ما كان ينغص عليه سعادته أثناء التدريبات هو ذلك السؤال مجهول الإجابة : إلى أين أنا ذاهب ؟
كان يشعر بأن حلم الشهرة والإحتراف والمجد يصعب تحقيقه للدرجة التي تضعه من بين المستحيلات الأربعة، فكيف لشاب فقير يقضي نهاره كل يوم بين أحضان الإطارات البالية ومعدات النفخ ومفاتيح الربط متعددة الاستخدام أن يرى موهبته أحد ؟
ولكن بدأ هذا الشعور في التبدل رويداً رويداً عندما انتقل للعب في صفوف نادي ميسينا الذي كان يلعب في دوري الدرجة الثالثة، ورغم صغر حجم الفريق وتواضع مستوى المنافسة في هذه الدرجة إلا أنه كان يرى أن هذه الخطوة هي اولى خطوات النجاح .
وبعد مضي سبعة مواسم عصيبة على "توتو" في غياهب الدرجة الثالثة .. حدث ما لم يدر بخلده مطلقاً، فبينما كان أسطورة الكالتشيو في السبعينات روبيرتو بيتيغا يتجول في ملاعب ايطاليا المختلفة من أجل التقاط مواهب شابة يرشحها لفريقه يوفينتوس، التقط رادار بيتيغا موهبة "توتو" الفريدة وقدراته التهديفية الرائعة ليضعه على قائمة أولوياته .
وبالفعل تعاقد يوفينتوس مع اللاعب ابن الـ 24 عاماً في موسم 1989 - 1990 لتتفجر موهبته ويسجل 15 هدفاً خلال 30 مباراة في الدوري الايطالي وهو ما أدى إلى استدعائه من جانب المدير الفني للمنتخب الايطالي ازيليو فيتشيني ليكون ضمن قائمة الأدزوري المشاركة في كأس العالم الذي سيقام على ملاعب ايطاليا .
وهنا شعر "توتو" أن حلمه قد تحقق، حتى وإن كان على يقين بأنه سيجلس على مقاعد البدلاء في جميع المباريات لصعوبة مشاركته على حساب مهاجمين أفذاذ مثل جيانلوكا فياللي و ألدو سيرينا وروبيرتو بادجيو وأندريا كارنيفالي .
ولكن واجه المنتخب الايطالي معاناة كبيرة في مباراته الافتتاحية أمام النمسا وهو ما دفع فيتشيني لإقحام اللاعب في الشوط الثاني، ولم يضيع "توتو" الفرصة ليسجل هدف التقدم لفريقه محتفلاً بطريقة لن ينساها أحد، وكأنه يحضن الأيام التي عوضته عن كل الألم الذي عانى منه منذ ولادته .
وتواصل إبداع "توتو" المهاجم المغمور طوال البطولة وتوالت أهدافه لتهز شباك الخصوم ليسجل أمام تشيكوسلوفاكيا وأوروغواي وجمهورية ايرلندا والأرجنتين وانجلترا ليتوج بلقب هداف البطولة ويخفف عن نفسه مرارة إخفاق الأدزروي في الوصول إلى المباراة النهائية واكتفائه بالمركز الثالث .
لم يجد كلمات تصف سعادته بوصوله إلى قمة المجد الذي يحلم به أي مهاجم في العالم، سعادة مفاجئة وغير متوقعة، يرى البعض أنها أثرت سلباً عليه لينهي حياته الكروية في ملاعب الكالتشيو مبكراً ويفضل الرحيل إلى اليابان ويقضي ما تبقى له من سنوات مع كرة القدم ويأفل نجمه سريعاً كما بزغ سريعاً .