الجلد … أكبر أعضاء الجسم البشري وأكثرها إثارة للدهشة. وظيفة الجلد الرئيسية كما نعلم هي حماية الجسم، حيث يعد أحد أهم خطوط الدفاع لدينا ضد الجراثيم والمؤثرات الخارجية بخصائصه الفيزيائية المثيرة للعجب فهو يكاد يكون مقاومًا للبلل تمامًا، ويمنع نفاذ السوائل التي تغمر أنسجة الجسم. هذا لم يمنع الإنسان يومًا من النظر إلى الجلد كوسيلة لإضفاء المزيد من الجمال على صاحبه، أو التعبير عن شخصيته وهويته؛ وربما يعد الوشم أحد أكثر هذه الطرق تطرفًا وإيلامًا.
أغلبنا ينظر إلى الوشم وصاحبه بتقزز أو غضب مرجعه الصورة النمطية للموشومين، لكن ماذا لو أصبح الوشم أكثر من مجرد موضة أو شكل جمالي على الجلد، بأن يعرض لك معلومات وبيانات لحظية عن صحتك وحالة جسدك؟
هذه هي الرؤية الشخصية لـكاتيا فيجا Katia Vega، الباحثة في معمل الوسائط بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT Media Lab، والتي تستعرضها عبر مشروعها DermalAbyss الذي يستكشف الإمكانات الكامنة للوشوم التي تستخدم أحبارًا تحوي مستشعرات بيولوجية Biosensors بدلًا من الأحبار التقليدية التي اعتدناها.
فبالتعاون مع كلية الطب بجامعة هارفارد، قامت فيجا بابتكار ثلاثة أنواع مختلفة من أحبار المستشعرات البيولوجية Biosensors يمكنها قياس أي تغيرات في السائل البيني داخل جلدك، أو قياس مستويات السكر والصوديوم في دمك، أو حتى درجة الأس الهيدروجيني (درجة الحموضة) في الدم أو جلد الإنسان.
فيجا تؤمن بأن جلد الإنسان يمكن أن يعمل كواجهة معلوماتية تعرض كل ما يتعلق بصحتنا في المسقبل؛ وهي تعمل منذ ما يزيد عن 7 سنوات على مشروع تطلق عليه “تكنولوجيا الجمال” وتدمج فيه استخدام مستحضرات التجميل بالإلكترونيات لابتكار أشياء غير تقليدية وجنونية قليلًا، كالرموش الصناعية الذكية، والمكياج الموصل للبيانات، وطلاء الأظافر المحدد للهوية بموجات الراديو RFID!
لكن بينما تعمل الابتكارات سابقة الذكر اعتمادًا على تفاعل مستخدمها مع العالم الخارجي، فحقن المستشعرات البيولوجية أسفل الجلد يمكن فيجا من ربط العمليات البيولوجية داخل أجسادنا بواجهة عرض خارجية … ألا وهي جلدنا البشري نفسه!
أرغب في الغوص عميقًا داخلك، لا مجرد القشرة الخارجية لبشرتك!
<
الوشم بأحبار المستشعرات البيولوجية Biosensors Tattooing
تطبيقات وشم المستشعرات البيولوجية تبدو بلا حدود، لكن تطبيقاتها الطبية المرتبطة بالصحة هي المثيرة حقًا. فبإمكان مريض بالسكري أن يدق وشمًا استشعاريًا يخبره بمستوى الجلوكوز في دمه بتغير لونه بين ردجات لونية معينة بدلًا من الطريقة التقليدية الحالية التي تتضمن الوخز المؤلم والمستمر للأصابع. كذلك، فوشم الصوديوم الاستشعاري يمكن استخدامه لإخبار حامله بمستوى الماء في الجسم وهو ما يفيد في تشخيص حالات التجفاف أو فرط سوائل الجسم. أما وشم درجة الأس الهيدروجيني فسيكون مفيدًا للغاية للرياضيين وكل من يهتم بصحته بشكل عام. هكذا ترون أن هذه الوشوم يمكن استخدامها للتشخيص والإنذار المبكر من أمراض وحالات صحية قد تكون خطيرة للغاية، خاصة عند كبار السن.
فكرة مدهشة، أليست كذلك؟ لكن ماذا لو سرحنا قليلًا لنتخيل مستقبلًا يمكننا التحكم فيه بجلدنا الطبيعي تمامًا واستخدامه كواجهة عرض بيولوجية بلا نظير؟! ليس فقط باستخدام أحبار المستشعرات البيولوجية الخاصة بفيجا، بل على مستوى أعمق بكثير بحيث يتغير لون وملمس ومسامية جلدنا بتغير البيئة المحيطة؟!
هكذا في البرد القارص، تصير جلودنا أثخن ومسامها أضيق ولونها أغمق؛ وفي الصحراء القاحلة يحدث العكس! ماذا لو كان هذا هو مصير جلودنا النهائي كما هو مكتوب منذ البداية؟ أن تصير واجهة عرض أعظم من أي لوحة أو شاشة إلكترونية صنعها الإنسان يومًا؟!
قد تبدو فكرة جامحة لحد بعيد لكن ستبقى قدرات وإمكانات جلدنا المدهش واعدة بشكل أكبر ولحد أبعد بكثير! فلننتظر ونرى …
رد مع اقتباس
