لقد قلنا سابقًا إن عزل قطر هو الخطوة الأولى لعملية أكبر وأشمل بكثير؛ ستؤثر بعمق على العالم الإسلامي بأسره، وأن الهدف الأكبر هو المملكة العربية السعودية.
قبل أيام، كتب رئيس تحرير صحيفة «يني شفق» التركية، إبراهيم كارغوال، مقالا مفصلًا حمل عنوان «الدفاع عن الكعبة في حرب الآخرة!»، تحدث فيه بكل وضوح عن تلك الخطة الرامية لـ«مشروع الحرب الأهلية الإسلامية» في المنطقة، والتي كانت تتقدم خطوة بخطوة في العامين الماضيين.
نحن ننصح الجميع بقراءة متأنية ودقيقة وتامة للتحذيرات التي أوردها كاراغول في مقاله، الذي يقول فيه: «لقد تم الترتيب المسبق في السنوات الأخيرة الماضية للتحضيرات الفرعية لتلك الخطة الرئيسة… ونحن نرى كارثة تقترب خطوة خطوة… ما لم يكن هناك تدخل عاجل».
ويضيف أن «المملكة العربية السعودية ودول الخليج يسيرون أيضًا لمصير مشابه لمصير سوريا، وكل ما هو مقدس سيزول، وتركيا أيضًا ستجرح بجراح عميقة من هذه الكارثة الكبيرة». ويشدد على أن «هناك الكثير مما يجب علينا القيام به قبل أن تصل الدبابات إلى الكعبة والعتبات المقدسة… حيث يجب إدراك خطورة الحالة والموقف».
وفي السياق، تتزايد مواقف إيران والمملكة العربية السعودية حول الحروب الأهلية واستمراريتها في سوريا العراق واليمن إلى حد الحرب الطائفية، ومع ذلك لا توجد مقدرة على إنتاج مشترك لفكر نير وثاقب وأفعال مسؤولة؛ لكي ندرك خطورة الوضع والعمل على إنهائه.
إن ردود فعل الأطراف الفاعلة الهامة في العالم الإسلامي بسيط، وتضعف يومًا بعد يوم ضد الاحتلال الصهيوني وهجمات المحتل التي يتجاهلها العالم الإسلامي، في حين أن هذه القوى توحدت سريعًا ضد قطر؛ ما أدى إلى خيبة أمل كبيرة جدًا فيما يتعلق بوجود وطبيعة العالم الإسلامي.
هذه الخيبة تشجع أعداء الإسلام وتقول لهم: إن جميع الخطط ضد الإسلام يمكن تنفيذها بسهولة ويسر. إن المملكة العربية السعودية بتصنيفها لحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين كإرهابيتين، وبسعيها لمعاقبة قطر بسبب دعمها لهما، ربما تجهل أنها تقوم بذلك بالضغط على زر تشغيل تلك العملية: مشروع الحرب الأهلية الإسلامية، والتي ستضر بها قبل أي بلد آخر.
لعل المملكة العربية السعودية لا تستطيع رؤية الخطر القادم في نهاية المطاف، في حين أن تركيا تدركه بكل تفاصيله، وتحذر منه. ويعود سبب رؤية تركيا لذلك الخطر المحدق: كونها هي نقطة النهاية للدفاع عن مكة المكرمة والمدينة المنورة استنادًا لمواقفها التاريخية والوجودية.
إن الأخطار المحدقة التي تهدد مكة المكرمة والمدينة المنورة، يمكن أن تُرى بشكل أوضح من الجانب التركي، وتركيا عند رؤيتها هذه الأخطار لن تقف مكتوفة الأيدي أبدًا. إن الدفاع عن قطر يعني الدفاع عن العالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص الدفاع عن المملكة العربية السعودية.
إن الدفاع عن قطر لا يعني الوقوف في وجه المملكة العربية السعودية أو تأييد طرف دون آخر في الأزمة الخليجية، ولكن يبدو واضحًا وجليًا أنه في النهاية هناك فخ لإيقاع ضرر أكبر بالجميع دون استثناء، وعلى وجه الخصوص – وبالدرجة الأولى – المملكة العربية السعودية.
هكذا يجب أن تفهم المملكة العربية السعودية، وإخواننا الآخرون، محاولات تركيا وحرصها في الانضمام للدفاع عن العالم الإسلامي. هناك توجه متزايد مهيمن في الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بالربط بين الإرهاب والإسلام، سواء كان إسلامًا معتدلًا أو غير معتدل، وذلك التوجه يقول إن المصدر الحقيقي المباشر للإرهاب هو الإسلام بكليته، بل القرآن في حد ذاته.
أصحاب هذا التوجه هم الذين يقومون حاليًا بجر العالم الإسلامي خطوة بخطوة نحو عدم الاستقرار، وخير دليل على ذلك العنف وأجواء الحرب التي أشعلوها والعمليات التي قاموا بشنها عن طريق المنظمات الإرهابية، المدعومة من قبلهم.
يدعمون مثل هذه التنظيمات للاختباء خلفها بآثامهم وخطاياهم، ودون ذرة خجل يدعون أن الإسلام هو سبب العنف. إنه لمن الواضح الجلي أن الولايات المتحدة الأمريكية تفتح الحرب انطلاقًا من الغرب على الإسلام، وفي مواجهة هذه الحرب لن تقف دولة إسلامية تجاه دولة أخرى، بل ستقوم باستغلال الفرصة المناسبة لرمي المسؤولية الفعلية على تلك الدول؛ لتؤمن لنفسها الضمانة اللازمة.
ما يلزم القيام به كما أمر الله تعالى هو رص الصف والتوحد والسعي والبحث عن السبل لدرء التهديدات التي تهددنا، وكون أن المملكة العربية السعودية الحاضنة لأقدس مدينتين إسلاميتين، وكونها تعتبر قلب العالم الإسلامي، فالمطلوب منها أن تكون على قدر أكبر من تحمل المسؤولية في مثل هذه الأجواء من اللا استقرار، وتحتضن كل المسلمين، بغض النظر عن اختلافاتهم الطائفية والعرقية.
ولنكون صادقين، فإن إصدار قائمة الإرهاب الأخيرة من بعض الدول الخليجية، والتي تضمنت اسم رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي، الذي يبلغ من العمر 91 عامًا، لهو إشارة واضحة على الفخ الذي رُسم للإيقاع بالمملكة العربية السعودية.
نتساءل: من يقوم بنصب هذا الفخ ضد المملكة العربية السعودية، بإدراج الدكتور القرضاوي على لائحة الإرهاب، وهو الذي حاز قبل شهرين على جائزة تعتبر الأكثر شهرة والأكبر في المملكة العربية السعودية، وهي جائزة الملك فيصل.
إن من فتح الحرب على القرضاوي الذي يترأس – ويعتبر رمز – العلماء المسلمين، لا يمتلكون شرعية في العالم الإسلامي، نعم لنكن واضحين ومنفتحين على الأمر أكثر. ما هو نوع الاضطراب الناتج عن قائمة الإرهاب هذه؟
إن الناظر عن كثب لهذه القائمة التي أصدرت بشكل جماعي من المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والبحرين ومصر، يسهل عليه رؤية المتورطين ومعرفتهم، ولأي نوع من الاضطرابات يخططون!
هذه القائمة التي تم الإعلان عنها من 3 دول تمتلك معارضة مشروعة باستثناء المملكة العربية السعودية، وهذا التوجه يسمى المعارضة إرهابية.. هنا يكمن السؤال. من الواضح أنه في حين تم الإعلان فعليًا على أن قطر هي المسؤولة عن الإرهاب، حاول الجميع الاهتمام بأعمالهم الخاصة بإرسال معارضيهم إلى الدوحة.
وخلاف ذلك، وكما صرح وزير خارجية قطر، فإن جزءً الأسماء المدرجة على القائمة ليس لقطر أية علاقة بهم، وجزء آخر لم يكن في قطر أصلًا.
إن الأسماء الواردة في القائمة تشمل زعماء لأحزاب سياسية وجدوا طريقًا للهروب من منفذ انقلاب عبد الفتاح السيسي ومن الاعدامات القضائية، والرمي داخل سجون التعذيب الممتلئة، دون أية محاكمات، وهؤلاء لم يشاركوا بأي من أعمال العنف.
وكذلك في ليبيا، فممثلو التحالف الوطني الشرعي المعترف به من قبل الأمم المتحدة ضد إدارة طبرق التي لم يتم الاعتراف بها من قبل المجتمع الدولي، والذي جر ليبيا إلى حرب أهلية بمساعدة من جنود السيسي المنقلب على الشرعية، ودعم مالي من الإمارات، أولئك الذين لم يقروا رسميًا بشرعية حفتر، اعتبروا زورًا السبب الحقيقي للإرهاب وخلق عدم الاستقرار.
وأيضًا، في الإمارات العربية المتحدة، حيث لا يُسمح للمعارضة الديمقراطية بالتواجد أو الكلام، وأولئك الذين لم يتدخلوا أو يشاركوا في أي أعمال عنف، والذين يعارضون علنًا الارهاب، أيضًا مدرجون في القائمة.
يمكن القول إن خيبة الأمل تنتظر أولئك الذين يتبعون تلك العقول الرخيصة محاولين تنفيذ خططهم التافهة من خلال هذه الفرص.
هذا المحتوى منقول عن عربي 21.