فرانشيسكو توتي فاعل الخير وصديق الأطفال والمشردين
نجم روما الإيطالي فرانشيسكو توتي يستخدم الطريقة الرومانية القديمة في الكلام ولطالما أثار الضحك أثناء كلامه بسبب الأخطاء اللغوية التي نتجت عن عدم إتمامه لتعليمه.
فرانشيسكو توتي ملك روما وخليفة بيليه
لم تكن بداية فرانشيسكو توتي نجم روما الإيطالي وفتاها الذهبي بداية اعتياديةً يتعلم فيها أبجدية كرة القدم ما بين الأكاديميات الرياضية كما هو حال بقية أساطير كرة القدم العالمية، بل كانت بداية عصامية وذاتية الجهد، فعندما بدأ يرمي خطواته الأولى في الشهر التاسع من عمره كان متعلقا بكرة بلاستيكية يركلها في كل مكان، وكانت رفيقته في نومه وطعامه ولعبه، حتى أن والدته فيوريللا قالت ” فرانشيسكو لم يكن يترك الكرة من يده أبدا، فهو يأكل ويشرب والكرة بحوزته ويخرج للأهل والجيران والكرة معه، حتى عندما كان يذهب للنوم تكون الكرة هي رفيقته حتى الصباح”.
بداية ملك روما رسمتها كرة بلاستيكية
ولد فرانشيسكو توتي في السابع والعشرين من شهر أيلول ـ سبتمبر لعام 1976 في بورتاميترونيا، أحد أحياء العاصمة الإيطالية روما لأبوين من عائلة متوسطة الدخل وشغوفين بحب كرة القدم، والده لورينزو موظف متوسط الحال ووالدته فيوريلا ربة منزل “ميلانية الأصل والميول”.
عندما بلغ الخامسة من عمره طلّق توتي الكرة البلاستيكية واشترى له والده كرة جلدية وكان يصطحبه معه إلى الشاطىء ليلعب كرة القدم مع أطفال يكبرونه سنا، لم يكن سهلا إقناعهم بأن يلعب توتي الصغير سناً وذو البنية النحيلة إلى جانبهم لكن في النهاية إصرار والده لورينزو ورجاء الفتى الصغير الأشقر جعلهم يقبلون ذلك خجلاً، إلا أن توتي سجل هدفين آنذاك في مباراته الأولى التي خاضها في حياته، بعدها أصبح مطلبا مهما في كل مباراة.
اقتنع لورينزو بموهبة ابنه الصغير توتي الذي كان يشاهد مباريات كرة القدم لا الرسوم المتحركة كما هي عادة الأطفال في سنه، فسجله في نادي فورتيتودوالقريب من بيته وكان الأصغر سناً والأكثر تميزا بين زملائه، وبعد ثلاثة أعوام انضم توتي لصفوف نادي سميت تراستيفيري أحد أندية العاصمة روما.
وفي العاشرة من عمره ارتدى قميص نادي لوديجياني وتألق هناك ليصبح محط أنظار كشافي ناديي روما ولاتسيو أبرز أندية العاصمة، وبات فرانشيسكو قاب قوسين أو أدنى من الانتقال لنادي لاتسيو إلا أن إمديوميروني، إحدى الشخصيات المهمة في نادي روما استغل علاقته القوية بعائلة النجم الصغير الأشقر وقابل توتي وهو في إحدى زياراته للاستاد الأولمبي مع عائلته لمشاهدة نادي روما وأقنعه بالانتقال لنادي روما، القرار الذي قابله تحفظ من والدته فيوريلا الحالمة برؤية ابنها بقميص الروسونيري.
توتي مع الذئاب
في الثالثة عشرة من عمره انتقل توتي إلى نادي العاصمة روما وبدأ يشق طريقه نحو النجومية وحلمه بأن يصبح نجما مهما مثل رودي فولر نجم المنتخب الألماني وجيانيني أمير روما وكابتن الفريق آنذاك، وبعد عام من بدايته مع نادي روما حصل على فرصة هو وزملاؤه الصغار بمصافحة السيد ” فيولا”رئيس نادي روما آنذاك، بدأ الرئيس بمصافحة زملائه واستوقف توتي لمحادثته من بين كل اللاعبين وقال له:” سمعت عنك الكثير وسننتظر منك الكثير مستقبلا، أنت لاعب ممتاز سيكون لك شأن في المستقبل”، عاد توتي إلى منزله فرحا بما سمعه من أكبر شخصية في النادي، وأخبر الجميع بما حدث ووعد عائلته ونفسه بمزيد من العمل ليحقق ما يحلم به هو ورئيس النادي.
أطلق عمدة روما لقب "المواطن المثالي" على توتي الذي خصص جزءا من دخله لمساعدة أطفال الشوارع في الكونغو بإشراف اليونيسيف والتي كان يمثلها توتي كسفير للأعمال الخيرية
عندما غازله الروسونيري
ظهر واضحا أن موهبة توتي لن تكون موهبة اعتيادية، كان دائما يتميز باختيار موقع داخل أرض الميدان يجعله قريباً من الكرة، وكان ينظر من بعيد ثم يعدو ليحجز له مكانا في المقدمة إما ليسجل هدفا أو ليصنع هجمة من المرجح أنها ستثمر هدفا، فطالما أن الكرة بين قدمي توتي كان زملاؤه يطمئنون فهو لن يفشل في اختيار المكان المناسب والشخص المناسب، كان توتي يملك فكرا كرويا ناضجاً جعل جميع أنظار المدربين تتجه لخطفه من بين أنياب الذئاب، ليعود حلم والدته فيوريلا للواجهة من جديدة بارتداء قميص الميلان بعد مكالمة من إدارة الميلان يرحبون به ويعرضون مساعدته بدراسته وتحسين وضعه المالي، لكنّ فرانشيسكو يريد روما فقط، فقرار توتي أن يتربع على عرش الملك التاريخي للعاصمة روما كان أمرا لا يمكن المساومة عليه، هو يريد روما فقط لاغير.. كان ذلك واضحاً.
نشوة الملك مع الذئاب
في موسم 94-95 وقع توتي وهوفي سن السابعة عشرة، عقدا كبيرا مع نادي روما وبرز في ذلك الموسم وتألق وساعده على ذلك وجود نجمين مميزين في خط المقدمة هما الأرجنتيني أبل بالبو والأورغوياني فونسيكا، لكن التشيكي زيدنيك زيمان لم يتمكن من توظيف توتي بشكل جيد ولم يتمكن نادي الذئاب من حصد البطولات رغم أن توتي نال شارة الكابتن في موسم 97 -98، وسجل ثلاثين هدفاً في عهد زيمان وأحرز جائزة أفضل لاعب شاب في الدوري الإيطالي لموسم98-99.
مضى موسم 99-2000 وتوتي يعاني من حادث سير أليم أثرعلى مستوى توتي والذئاب أيضا فاحتل نادي العاصمة روما المركز السادس.
ولم تجد الذئاب من يستغل موهبة توتي الخيالية، أقيل التشيكي زيدنيك زيمان ووقع الاختيار أخيرا على المحنك فابيو كابيلو ليقود فريق الذئاب نحو منصات التتويج، “فابيو” كان يعلم جيدا أن توتي كان ينتظر من يقف إلى جانبه ليفهم تكتيكه العالي ويكون عوناً له في اللحظات الصعبة، فجاءت صفقة الأرجنتيني غابرييل عمر باتيستوتا لتكمل مع مونتيلا ثلاثي الرعب، واعتمد كابيلو على خطة وتكتيك جديد فلا شيء يوقف ثلاثي الرعب بقيادة توتي إلا إرادة الله.
حقق كتاب أصدره توتي في أيار لعام 2004 بعنوان "كل النكت عن توتي" مبيعات كبيرة في إيطاليا والكثير من البلدان وبيعت منه نحو 480 ألف نسخة خلال أسبوعين من طرحه في الأسواق، واحتل الكتاب المركز الثالث في مبيعات الكتب في إيطاليا حسب جريدة تورينو الرسمية، وخصص توتي نصف ريعه لمشروع خيري
توتي يحصد اللقب الأغلى في العالم
لم يكن سهلا خطف الأضواء من نجم الكرة الإيطالية روبرتو باجيو الذي كان في أوج عطائه وحصل على لقب أفضل لاعب في أوروبا والعالم في بداية التسعينات، فكان على تشيزاري مالديني مدرب المنتخب الإيطالي تحت 21 عاماً أن يبحث عن نجم جديد يتمتع بميزات ترضي شغف الجماهير الإيطالية المتعطشة دوماً للبطولات، أخيرا وجد مالديني ضالته في الفتى الأشقر الذي كان يتمتع بقوة تسديد كبيرة مكنته من تسجيل الأهداف من خارج منطقة الجزاء، وكان مالديني بحاجة لِبُنية جسمانية قوية تقف في وجه قوة مدافعي الكرة اللاتينية والأفريقية، عندها كان توتي الخيار الأنسب والتحق بصفوف الآزوري وأبدع وتألق وساهم في قيادة منتخب بلاده لبطولة أمم أوروبا تحت 21 سنة حين فازت إيطالياعلى فرنسا بهدف نظيف سجله توتي في نصف النهائي، ليواجه الآزوري المنتخب الأسباني في النهائي…فسجل توتي وعادل لأسبان راؤول، ثم حسمتها إيطاليا بركلات الترجيح ليتوج الآزوري بفضل توتي باللقب الثالث على التوالي.
لكن تشيزاري مالديني فاجأ الجميع عندما أصبح مدربا للمنتخب الأول، بأنه لم يستدعِ توتي ليدخل قائمة الآزوري في مونديال الديكة في فرنسا 98، ثم استدعـي توتي أفضـل لاعـب في إيطاليـا لعام 2000 لقيـادة المنتخـب الأزرق في يـورو 2000، البطولة التي استضافتها هولنـدا وبلجيكـا وشارك أول مرة مع المنتخب الإيطالي في العاشر من أكتوبر أمام سويسرا بقيادة المديـرالفنـي دينـو زوف الذي عول على توتي كثيراً في خط المقدمة، ولم يشفع المستوى المميز لتوتي وأهدافه الحاسمة التي قادت منتخب بلاده إلى النهائي من الظفر باللقب الأوروبي الأغلى، لكن عزاءه الوحيد كان حصوله على لقب أفضل لاعب في المباراة النهائية للبطولة أمام فرنسا واختير توتي ضمن التشكيلة المثالية للبطولة.
شارك توتي في مونديال كوريا الجنوبية واليابان في العام 2002 ولم يحقق الحلم المنتظر، الحلم الذي تحقق بقيادة المدرب مارشيلو ليبي بعد أربعة أعوام في ألمانيا، وكانــت مشاركـة توتي في المونديـال مهـددة بسـبب إصابــة خطيرة تعرض لها في كاحـل قدمـه اليسـرى، إلا أنه تعافي في الوقت المناسب وتحقق الحلم بعدما هزم الأزرق المنتخب الفرنسي في النهائي بركلات الترجيح، فكان الإنجاز الأبرز لتوتي على مستوى العالم واختيـر حينها ضمـن التشكيـلة المثاليـة للمونديـال.
عشرون عاما لتوتي خلفا لجيانيني
يعتَبِرُ توتي اللاعب الكبير السابق في روما جيانيني، والذي لعب لفريق العاصمة خمس عشرة سنةً، قدوته الأولى في الملاعب وهو يحمل حالياً رقم جيانيني ذاته الرقم 10، لكن توتي تجاوز جيانيني وتخطى عامه العشرين مع روما وبات دون منازع ملكه التاريخي والأسطورة الحية للعاصمة وذلك في الثامن والعشرين من شهر آذار لعام 2013، وكتب يومها حارس مرمى يوفنتوس والمنتخب الإيطالي جان لويجي بوفون رسالة تهنئة لملك روما قال فيها: “عزيزي فرانشيسكو. لقد صنعت تاريخ كرة القدم الإيطالية، عشرون عاما في الدوري الإيطالي، يا له من إنجاز، لاتزال صورة هدفك الأول في مخيلتي. كانت مواجهة بين روما وفوجيا”، وليس غريبا ما أعلنه رئيس نادي روما الإيطالي جيمسبالوتا، أن النادي سيسحب القميص رقم 10 الذي يرتديه توتي بعد اعتزاله.
قال الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا عن توتي يوما: "هـو لاعـب يستطيـع أن يجعـل من الأمـور الصعبـة، أشيـاء بسيطـة داخـل المستطيـل الأخضـر"
توتي الكاتب والمشاريع الخيرية
تزوج توتي من لاريـا بلاسـي، وهـي فتـاة استعـراض سابقـة ومقدمة برامج في قناة الراي الإيطالية الحكومية، رزق منها بطفل أسموه كريستيـان وطفلة أسموها شانيل، واستغل توتي شهرته فحقق كتاب أصدره توتي في شهر أيار لعام 2004 بعنوان “كل النكت عن توتي” مبيعات كبيرة في إيطاليا والكثير من البلدان وبيعت منه نحو 480 ألف نسخة خلال أسبوعين من طرحه في الأسواق، واحتل الكتاب المركزالثالث في مبيعات الكتب في إيطاليا حسب جريدة تورينوالرسمية، وخصص توتي نصف ريعه لمشروع خيري في روما، ليطلق على توتي عمدة روما لقب المواطن المثالي بينما خصص النصف الآخر لمساعدة أطفال الشوارع في الكونغو بإشراف اليونيسيف والتي كان يمثلها توتي كسفير للأعمال الخيرية، ويستخدم توتي الطريقة الرومانية القديمة في الكلام لذلك لطالما يثير الضحك أثناء كلامه بسبب الأخطاء اللغوية التي نتجت عن عدم إتمامه للتعليم. ومن بعض الطرائف المروية عن توتي أن زوجته سألته: ” توتي هل تحبني؟ توتي هل تحبني؟ توتي هل تحبني؟” ليجيب: “انتظري.. فلا أستطيع أن أجيب عن هذه الأسئلة مرة واحدة” وفي إحدى المرات اتصل توتي بوكيل سفرياته وسأله: “كم يستغرق الوقت من ميلانو إلى روما ؟” فقال وكيل السفريات ” ثانية واحدة ” فقال توتي " شكرا لك" وأغلق الهاتف.
قال الأسطورة الأرجنتينية دييغو مارادونا عن توتي يوما:” هـو لاعـب يستطيـع أن يجعـل من الأمـور الصعبـة، أشيـاء بسيطـة داخـل المستطيـل الأخضـر” ، ووصفه الأسطورة الفرنسية بلاتيني قائلا:” توتي لديـه تمريـرات لا يستطيـع المنافسيـن قراءتهـا، ولديـه القـدرة على قلـب النتيجـة في أي وقــت، أشعر أحياناً أنه أفضل من زيدان”، أما الأسطورة الألمانية بكنباور فقال عن توتي:”هنالك العديـد من النجوم في إيطاليـا، ولكـن يبقـى توتي أفضلهم، ولـواستطعت لجلبــته إلى بايرن ميونخ، هو بلاشك يستحـق الكـرة الذهبيـة التي لم ينلها”.