ما وراء الأرقام القياسية لكأس العالم: نورمان وايتسايد
استمع إذا كان يراود بيلي بينجهام أي شك إزاء إشراك نورمان وايتسايد البالغ من العمر 17 عاماً في نهائيات كأس العالم أسبانيا 1982 FIFA، سرعان ما تبددت هواجس مدرب أيرلندا الشمالية بعد الأداء المذهل الذي أظهره اللاعب المراهق خلال المعسكر التدريبي الذي سبق انطلاق البطولة. فبالإضافة إلى فرض نفسه من خلال بنيته الجسدية المبهرة رغم صغر سنه، أبان وايتسايد عن نضج الكبار في معسكر برايتون قبل شد الرحال إلى أسبانيا، حيث لم يترك أي انطباع بأنه وافد جديد بل بدا مثل مخضرم متمرس.
لكن في الواقع، يرجع الفضل في حصول المراهق الموهوب على موطئ قدم في فريق أيرلندا الشمالية بالأساس إلى هدف مذهل سجله خلال التدريبات ضد بات جينينغز، أحد أعظم حراس المرمى في جيله والذي كان يكبر وايتسايد بنحو 20 عاماً.
وقال نجم مانشستر يونايتد السابق في حديث حصري لموقع FIFA.com: "لم يحصل سوى عدد قليل منا على فرصة التواجد هناك لمشاهدة ذلك الهدف في برايتون. إنه يذكرني بهدف الفوز الذي كنت قد سجلتُه ضد ايفرتون في نهائي كأس الاتحاد الإنجليزي عام 1985. فقد استعنت بأحد المدافعين لحجب النظر عن بات جينينغز بحيث لا يمكنه رؤية الكرة ثم سددتها دائرية حول المدافع مما جعل الحارس يصل متأخراً".
لقد كانت تسديدة من شأن أي مهاجم صنديد أن يفخر بها، فما بالك بلاعب شاب يبلغ من العمر 17 عاماً، حيث وقف جميع أعضاء فريق أيرلندا الشمالية وقفة تقدير وإجلال، إذ بدا واضحاً أن وايتسايد كان جاهزاً لخوض أول مباراة دولية له، وهو ما حظي به في عروس بطولات كرة القدم. فعن عمر يبلغ 17 عاماً و41 يوماً، أصبح صاحبنا أصغر لاعب يشارك في نهائيات كأس العالم، متجاوزا الرقم القياسي الذي تحقق في السويد على يد بيليه الفائز باللقب العالمي ثلاث مرات.
اللاعب
ينحدر وايتسايد من الطبقة العاملة من شانكيل رود في بلفاست، حيث نال منذ نعومة أظافره إعجاب بوب بيشوب، منقب المواهب الأسطوري لنادي مانشستر يونايتد، الذي سبق له أن اكتشف مواطنيه جورج بست وسامي ماكلروي. وبعد توقيع عقد مدرسي مع النادي الذي يتخذ من أولد ترافورد معقلاً له، خاض المهاجم الشاب مباراته الأولى مع الشياطين الحمر عن عمر لا يتجاوز 16 ربيعاً نحو نهاية الموسم 1981-1982.
وبعد صعوده الصاروخي في سن مبكرة، واصل وايتسايد تحقيق الإنجازات الشخصية واحداً تلو الآخر، وبعد يومين فقط من الاحتفال بعيد ميلاده الـ17، سجل المراهق باكورة أهدافه بقميص الشياطين الحمر في أول ظهور له على ملعب أولد ترافورد، وحتى يومنا هذا لا يزال صاحبنا أصغر لاعب يهز الشباك بألوان فريق مانشستر يونايتد الأول.
وبعد أن أصبح أصغر لاعب يشارك في نهائيات كأس العالم بظهروه في جميع مباريات أيرلندا الشمالية الخمس في نسخة أسبانيا 1982، عاد وايتسايد لتمثيل بلاده في المحفل العالمي بعد أربع سنوات في المكسيك 1986. وفي السنوات الفاصلة بين المونديالين، تذوق وايتسايد طعم النجاح بإحرازه كأس الاتحاد الإنجليزي مرتين مع الشياطين الحمر، حيث كان التتويج في إحدى تلك المناسبتين بفضل هدف الفوز الذي سجله في الوقت الإضافي ضد إيفرتون عام 1985 بتسديدة مقوسة رائعة – اعتبرها وايتسايد نفسه نسخة طبق الأصل لتلك الكرة التي سجل منها هدفه الشهير ضد جينينغز في المعسكر التدريبي قبل كأس العالم. وعلاوة على ذلك، تُوج بلقب البطولة البريطانية مع بلاده عام 1984.
انتقل وايتسايد إلى مدينة ليفربول للانضمام إلى نادي إيفرتون عام 1989 ولكن مسيرته توقفت على نحو حزين بسبب الإصابة، حيث اضطر للانسحاب من الملاعب في عام 1991، وعمره لا يتجاوز 26 ربيعاً. وبعد اعتزال كرة القدم، تدرب وايتسايد للعمل في تطبيب الأرجل، ليفتح في وقت لاحق عيادته الخاصة في مانشستر، علماً أنه لا يزال يعمل في خدمات الضيافة بملعب أولد ترافورد إلى اليوم.
الإنجاز التاريخي
بفضل شجاعته ومهارته وقدرته الخارقة على التسديد وإنجازاته المبهرة مع مانشستر يونايتد نحو نهاية موسم 1981-1982، سرعان ما جذب وايتسايد أنظار مدرب الفريق الوطني بيلي بينغهام. صحيح أن المدير الفني المخضرم الذي سبق له أن شارك في كأس العالم سنة 1958 كان قد وضع في مخططاته منذ البداية استدعاء ابن السابعة عشرة إلى المنتخب خلال نهائيات أسبانيا 1982 ضمن قائمة الفريق التي ضمت 22 لاعباً - بهدف إعطائه بعض فرص اللعب بعد فترة على مقاعد البدلاء. بيد أن المكافأة التي حصل عليها بينغهام كانت أكبر بكثير مما راهن عليه بعد رؤية وايتسايد في المعسكر التدريبي الذي سبق البطولة.
وفي تصريح له عام 1986، قال بينغهام "كنت أعتقد أن أخذه في الرحلة إلى أسبانيا كان احتمالاً وارداً، ولكن لم تكن لدي أية فكرة بشأن إشراكه بهذا الشكل. تدربنا لأسبوعين في برايتون حيث كان اللاعبَ المتميز في جميع التمارين. وبحلول الأسبوع الثاني من المعسكر التدريبي قررت أن أمنحه فرصة اللعب في الفريق الأول، حيث اعتقدت أنه في سن 17 عاماً كان يزخر بنضج لاعب في ربيعه الـ26".
فعلى خلفية ظهوره مرتين مع الفريق الأول لنادي مانشستر يونايتد تحت إمرة رون أتكينسون، حصل وايتسايد على فرصة خوض مباراته الدولية الأولى في أفضل مسرح على الساحة الكروية: نهائيات كأس العالم. وفي ظهوره الأول في سن 17 عاماً و41 يوماً ضد يوغوسلافيا في سرقسطة، حطم وايتسايد الرقم القياسي الذي كان ينفرد به بيليه ليصبح أصغر لاعب في تاريخ كأس العالم، ولكنه تعامل مع الأمر بطريقة تنم عن خبرة محنك مخضرم وليس شاب في سن المراهقة.
لعب وايتسايد في التشكيلة الأساسية خلال جميع مباريات أيرلندا الشمالية في النهائيات، بما في ذلك الفوز التاريخي 1-0 في فالنسيا ضد أسبانيا صاحبة الضيافة، حيث ساهم في تأهل منتخب بلاده إلى الدور الثاني على نحو فاجأ الجميع.
الذكريات
"تلقيت بعض الإشارات التي كانت تبشر باستدعائي إلى منتخب أيرلندا الشمالية لنهائيات كأس العالم 1982 من جيم ماكغريغور، الذي كان أخصائي العلاج الطبيعي في كل من مانشستر يونايتد ومنتخب أيرلندا الشمالية.
"قال لي إن مدرب المنتخب الوطني بيلي بينغهام كان قد حضر بعض مباريات فريق يونايتد الرديف لمشاهدتي. وبدوره، كان مدرب الشباب في يونايتد، إريك هاريسون، يقول لي أشياء من قبيل: "واصل عملك الجيد وقد تنال فرصة للذهاب إلى أسبانيا مع أيرلندا الشمالية."
"لم أُدرك الأمر بشكل تام في الواقع ولكني بعد ذلك تلقيت الرسالة الرسمية التي تم بعثها لإدارة مانشستر يونايتد والتي تفيد باستدعائي للمنتخب.
"في ذلك الوقت، لم أكن أعرف ما إذا كنت سألعب في التشكيلة الأساسية خلال نهائيات أسبانيا 1982، وكان مجرد حضوري هناك مع الفريق مصدر فخر واعتزاز بالنسبة لي. لكنني نجحت في استغلال فرصي أحسن استغلال من خلال بعض العروض الجيدة التي قدمتها خلال المعسكر التدريبي في برايتون قبل كأس العالم.
"عندما اكتشفت أن مباراتي الدولية الأولى ستكون في نهائيات كأس العالم، أخذت الأمور بعفوية، بينما بدا الآخرون أكثر قلقاً وتوتراً مما كنت عليه أنا. تمنى لي جميع اللاعبين الأكبر سناً، مثل مارتن أونيل وبات جينينغز وسامي ماكلروي، حظاً سعيداً قبل المباراة، ولكني أعتقد أنهم كانوا يدركون أنني قادر على التعامل مع الضغط.
"أتذكر أني أديت النشيد الوطني خلال المباراة ضد يوغوسلافيا كما حصلت على إنذار كذلك، مما يعني أني أيضا أصغر لاعب ينال بطاقة صفراء في تاريخ نهائيات كأس العالم!
"كان من الرائع تجريد بيليه من لقب أصغر لاعب يشارك في كأس العالم. كان من أبرز ما أتذكره مقابلة الصحفيين القادمين من جميع أنحاء العالم وهم يوجهون لي الأسئلة بينما كنت أحاول الإجابة بعد تحدثهم بلغتهم الأم. كان الأمر صعباً بعض الشيء لأنني نسيت السؤال في بعض الحالات!
"وبعد ذلك في أسبانيا 1982، تمكنا من الفوز على البلد المضيف في دور المجموعات. كانت مباراة كبيرة بكل المقاييس. كانت الأجواء مذهلة، بحضور مشجعي أيرلندا الشمالية الذين كانت أصداء صيحاتهم تصم الآذان كالمعتاد. وبعد طرد مال دوناجي أكملنا المباراة بعشرة لاعبين، ولكننا نجحنا في تضافر جهودنا وتراص صفوفنا لنتمكن في النهاية من إحراز فوز تاريخي بنتيجة 1-0. "