إعداد العدة لاستقبال منتصف العمر أمر في غاية الأهمية. فهو مرحلة جديدة تشهد تغيرات جذرية جسدياً ومهنياً ونفسياً.
تكثر في هذه المرحلة المخاوف والهواجس لدى الرجال والنساء الذين يخشون ظهور آثار الشيخوخة والحياة الجنسية غير المستقرة، وتغير الحياة التي اعتادوها.
فهل نستسلم لهذه الفكرة، أم نعد لهذه المرحلة مبكراً عن طريق نبذ المخاوف وتبني نمط صحي وفترة تقاعد زاخرة بالمتعة والعطاء؟
لماذا التخطيط مبكراً ؟
معرفة أهم ما يميز المرحلة تعطيكم فرصة التخطيط المدروس على أكثر من صعيد للوصول إليها، وأنتم في أفضل صحة، بمنأى عن العديد من المفاجآت.
صحيح أن الظروف الاقتصادية لا تقف في مكان واحد وتتغير باستمرار، إلا أن التخطيط المبني على معطيات اليوم، والذي يأخذ في الحسبان أيضاً ظهور متغيرات جديدة، يظل متاحاً.
ربما يرى البعض أن وضع قائمة أشياء يطمحون لها بعد التقاعد كالسفر والرياضة كافٍ، وأنهم سوف يفعلون تلك الأشياء في الوقت المناسب.
لكن التفكير وحده لا يكفي، لأن الإنسان يحتاج للبدء برسم وتنفيذ خطة التقاعد بشكل مبكر، فيضع نفسه أو يفرض عليها نمط حياة يوازن بين العمل والعلاقات والهوايات، مختاراً دوماً المصلحة الآجلة على العاجلة.
ومن المهم أن نبدأ بالتخطيط قبل الخمسين، بحسب أميرة بدران، المستشارة النفسية وعضوة الجمعية المصرية للعلاجات النفسية الجماعية.
وتضيف أنه من لا يقومون بالتخطيط بشكل صحي ومدروس لعمر الخمسين وما بعده يكونون عرضة لأزمة شرسة في منتصف العمر.
صحة الرجال والنساء
تشرح الدكتورة رحمة التركي أخصائية الصحة العامة أن "أغلب المشاكل التي تظهر بسن الخمسين تكون نتيجة لاختيارات الإنسان في السنوات السابقة في التغذية وعادات النوم والتدخين والرياضة".
تحمل هذه المرحلة بعض عوامل الخطر مثل زيادة فرص التعرض لأمراض القلب بسبب عوامل وراثية أو التأثير التراكمي للتدخين والعادات الغذائية السيئة.
كما تحمل هذه المرحلة بعض التغيرات الهرمونية والنفسية التي يجب أن نعرفها لنتعامل معها.
"بالتقدم في العمر تقل معدلات هرمون الذكورة، التستوستيرون، لدى الرجال فيواجهون أعراضاً غير مرغوبة مثل زيادة الوزن خاصة حول الخصر، وانخفاض الرغبة الجنسية، والمزاج السيىء، وتزيد مستويات هرمون الأنوثة، الاستروجن، لدي الرجال فيصبحون عاطفيين أكثر من ذي قبل"، تقول التركي لرصيف22.
هذا وتعد مشاكل الانتصاب ناقوس خطر لمشاكل صحية أخرى مثل أمراض القلب وارتفاع نسبة الكوليستيرول بالدم.
وينصح في هذا الإطار بأن يتابع الرجال عند وصول سن الخمسين فحوص ضغط الدم، ونسبة الجلوكوز بالدم، ونسبة الكولسترول، وهرمون التستوستيرون، واختبار الPSA وهو اختبار لقياس مشكلات متعددة تتعلق بوجود سرطان، أو تضخم، أو التهابات في البروستات.
كما تحمل هذه المرحلة للنساء بعض التحديات الخاصة، والتي تأتي مع انقطاع الطمث وانخفاض معدلات إفراز هرمون الاستروجين، فتشعر المرأة بأعراض مثل الهبات الساخنة والتعرق ليلاً، والتقلبات المزاجية، وجفاف المهبل وقلة الرغبة الجنسية، وزيادة الدهون حول الخصر والوزن عموماً.
تُنصح المرأة بشرب 8 أكواب ماء يومياً على الأقل، مع الأخذ في الاعتبار أنه بعد فقدان جزء من كتلة العضلات وبطء التمثيل الغذائي سيكون من المهم التقليل من الأطعمة المصنعة والتركيز على الأكل الصحي.
وترى بعض الدراسات أن تناول الأطعمة الغنية بالاستروجين النباتي، والموجود في لبن الصويا وزيت بذرة الكتان، يمكن أن يساعد النساء في هذه المرحلة لأنه يشبه الأستروجين الذي يفرزه الجسم.
وبشكل عام يُحبذ أن يقوم الرجال والنساء على السواء بإجراء فحص للعين، وضغط الدم، وتنظير للقولون، ومستوى الجلوكوز في الدم، مع إضافة فحص الثدي والغدة الدرقية للنساء.
التأمين الصحي
ابحثوا واحصلوا على تأمين صحي مناسب.
فمن الضروري التخطيط للحصول على تأمين طبي جيد قبل بلوغ الخمسين، ليغطي تكاليف الفحوص المختلفة والأدوية التي قد تلزم لهذه الفترة. ولذلك يجب البحث عن تفاصيل الضمان الاجتماعي والتأمينات البديلة سابقاً.
الفيتامينات والأطعمة
من الخطأ الاعتقاد أن الطعام المتوازن وحده دائماً كافٍ لتأمين كل الفيتامينات والعناصر التي يحتاجها الجسم ليواجه الخمسين بشكل ثابت، فمن الضروري الإعداد لهذه الفترة بتناول فيتامينات محددة بانتظام في الفترات السابقة.
- فيتامين B12: يستحب البدء بتناوله بعد تجاوز الأربعين، لأهميته في وظائف الدماغ والدم، ثم يتخلص الجسم من الفائض من هذا الفيتامين عبر الفضلات.
- الكالسيوم للنساء والرجال: الاعتقاد السائد أن الحصول عليه مهم للنساء فقط، لكنه ضروري للرجال أيضاً أحياناً، إذ يدعم العظام التي تبدأ بالترقق بعد الخمسين، فالجسم يبدأ باستخدام مخزونه من الكالسيوم من العظام إن لم يكن لديه ما يكفي. لكن من الضروري أخذ جرعات الكالسيوم باعتدال وبمراجعة الطبيب للتأكد أن الكمية لا تفيض عن حاجة الجسم.
- فيتامين D: ثمة اعتقاد خاطئ بأن سكان المناطق المشمسة لا يحتاجون إلى تناول الفيتامين لتعرضهم الدائم للشمس، لكن الحر الدائم يجعل الناس يختبئون في بيوتهم، فلا يتعرضون للشمس فترات تكفي لتخزينه، لذلك يحتاجون لتناوله حبوباً، بجرعة يحددها الطبيب، أو من خلال الأطعمة المدعمة به.
- الأحماض الدهنية/ أوميجا3: مهمتها الحفاظ على أنسجة الجسم، وتساعد في أنشطة القلب والذهن والتفكير. يمكن الحصول عليها من بعض الأطعمة كالسلمون، أو بحبوب بعد استشارة طبيب للتأكد من الجرعة المناسبة.
- البروتينات:يفقد الإنسان جزءاً من كتلته العضلية في سن الخمسين فيحتاج للبروتينات، وتعد المكسرات من أنسب المصادر لأنها غنية بفيتامينE أيضاً ولا تحتوي على الكوليسترول.
- الألياف ومضادات الأكسدة: ويمكن الحصول عليها من الفاكهة والحبوب الكاملة مثل الشوفان والشعير الغنية بها.
ماذا عن الرياضة؟
يختلف التمثيل الغذائي من مرحلة إلى أخرى، فنجده يقل بنسبة 5% في كل عقد، ففي سن ال35 يحرق الجسم 100 سعرة أقل من سن الـ25، لذا يجب على الإنسان تغيير عاداته الغذائية مع الوقت منعاً لزيادة الوزن.
تأتي الرياضة كحل جامع للكثير من الأسئلة والهواجس.
فمن الضروري أن لا تمضوا ساعات طويلة أمام الحاسوب دون إعطاء الجسم ما يساعده على البقاء صالحاً للقيام بوظائفه. ومن الضروري ممارسة الرياضة بشكل دوري، والأنشطة المماثلة كاليوجا والتأمل، والتي تساعد على تقليل الشعور بالقلق والضغوط، وبالتالي الأمراض والاضطرابات التي تحفزها الضغوط مثل ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
المسار الوظيفي والمال
يخطئ الكثيرون في الثلاثين والأربعين من العمر حين يعطون كل وقتهم واهتمامهم للتقدم في سلم الوظيفة أو العمل الخاص أو تربية الأبناء، وهي واجبات هامة ولكن لا يمكن اختزال الحياة في العمل وتربية الأبناء فقط. فخلق توازن وترك مجال لممارسة هوايات وتنميتها، وتنمية العلاقات الأسرية والاجتماعية هي كلها في غاية الأهمية.
وفي مجال التخطيط للمسار الوظيفي، تقول رباب بدر، خبيرة الموارد البشرية، إن أحد أهم التحديات التي تواجه الرجال والنساء في الخمسين من عمرهم هو إهمال تطوير مهاراتهم وعدم رسم مسار وظيفي واضح يواكب التطور السريع الذي يعيشونه في ظل التغيرات والثورات المعرفية والتكنولوجية، فيصبح الفرد بعيداً عن متطلبات العصر.
فالشخص في سن الخمسين ما زال أمامه حوالي عقدين للتقاعد، وعليه أن يكون ملماً بما يحتاجه ليستمر في التطور والترقي في وظيفته.
تنصح بدر كذلك بالاهتمام بالتدريب والتطوير في مجال العمل، بالإضافة إلى السعي للترقي الأفقي الذي يسمح للفرد بمعرفة ما يدور حوله في باقي الإدارات والأقسام.
في الوقت ذاته، عليه أن يبدأ التخطيط للتقاعد، لأنه لا يقل أهمية عن تخطيط المسار الوظيفي، ولا بد أن يبدأ في وقت مبكر.
كذلك فإن الادخار ضروري، وهو ما يجب القيام به بشكل منتظم ومنهجي في قبل دخول الـ50. كما يجب مراجعة مصادر الدخل المختلفة والمتوفرة عند التقاعد، ومن ثم التنظيم على أساسها، كشراء عقار وبدء استثمار يدر دخلاً ثابتاً في المستقبل.
السفر
السفر يعطيكم فرصة جيدة للخروج من القوقعة أو المنطقة المريحة التي اعتدتم إلى أماكن جديدة ذات طبيعة مشابهة أو مختلفة.
فأعدوا عدتكم لاستقبال الخمسين وأنتم مدخرون بعض المال المخصص للسفر، وابحثوا عن رفيق أو مجموعة أصدقاء تستمتعون برفقتهم.
ليس من الضرورة أن تكون الوجهات بعيدة أو مكلفة، فالسياحة الداخلية البسيطة أو إلى الدول المجاورة تُعد خياراً جيداً.
المهم هو أن لا تتركوا فترة الخمسين ترحل من دون أن تسافروا لأماكن جديدة.
Me Time
ثمة مشكلة تواجه من يُفرغ شبابه لمساحة واحدة كالعمل فقط أو الأمومة مثلاً، فلا يبقى لديهم مشروع شخصي ولا اهتمام أو علاقات اجتماعية أو عمل تطوعي يمكن ملء الوقت به.
يظهر أثر هذه المشكلة جلياً في الخمسينات إذ تكون المرحلة التي يغادر بها الأبناء في الغالب كلياً ويسيرون في حياتهم المستقلة، ما يسبب فراغاً كبيراً.
وهي المرحلة التي تشهد الاستقرار الوظيفي الذي يخلو من التحديات التي تتطلب الانغماس الكلي في العمل، ما يترك أيضاً فراغاً في الحياة.
من هنا تأتي أهمية الوقت الذي يقضيه الإنسان لنفسه أو ما يسمى بالـ me time.
فمن المفيد أن تكون للإنسان اهتمامات وأنشطة متنوعة، كما يحبذ أن يكون له أنشطة يفعلها بمفرده حتى يستطيع تمضية الوقت بدون الشعور بالوحدة.
ومن المهم أن يقبل الإنسان على العطاء في هذه المرحلة لأن خبرته قد اتسعت ولم يعد مشغولاً بالواجبات العائلية كما في السابق. يمكن لكل حسب مجاله الوظيفي التطوع كمدرب أو مستشار، أو حتى القيام بأنشطة تطوعية لدور الأيتام وغيرها. فالعطاء للمجتمع مهم للتوازن النفسي.