في السنة الأولى لدخولي النمسا و بعد أن تعلّمت اللغة الالمانية ، أشتغلت في معمل للكيمياويات. ولأني كنت مبتدءاً فقد أوكلت أليَّ مهمة بسيطة وهي إلصاق اللواصق على الجيلكانات البلاستيكية.
حينها كان يعمل معنا شخص نمساوي غريب الاطوار، أشعث ، أغبر ، لا يعتني بنفسه و لا بنظافته ، غالباً ما كان يكلّم نفسه و بصوت عالٍ، و كان يثور لأتفه الاسباب ، يتنف شعر لحيته الكثّة و يضرب الارض بقدميه ... و بلمح البصر يهدأ ثانيةً وكأن شيئاً لم يكن!
في أحد الأيام، و بينما أنا مشغول بألصاق اللواصق ، جاء راكباً رافعة شوكية صغيرة و حاملاً مجموعة من الجيليكانات المستعملة والتي كان قد غسلها جيداً كي يعيد ملئها، و بالصدفة سقط احد الجليكانات المغسولة على الارض، نظر أليه قليلاً ثم تركه في مكانه و دخل بالبقية الى مكان العمل ، توقّعت بأنه لابد أن يعود ويأخذ ذاك الجيليكان من الارض.
نظرت تحت الطاولة التي كنت أعمل عليها فوجدت جيليكاناً قديماً يشبهه، شديد القذارة ملقى تحت الطاولة، فقمت بابدال الجيليكان النظيف بالجيليكان الوسخ و اخفيت النظيف تحت الطاولة، و استمريت بعملي كأني لم أفعل شيئاً... وبعد دقائق عاد ليأخذ الجيليكان.... فاصابته الدهشة... وأخذ يصرخ... وااااااااو!!
نظر يميناً و يساراً عسى ان يرى احد قريباً من هناك فلم يجد سواي، ولكني لم أكترث له و صرت كالملاك البرئ، فلم يشكَّ فيَّ... بدأ يدور حول الجيليكان وهو يتمتم بكلام غير مفهوم، حرّكه بقدمه عسى أن يتحرّك أو تظهر عليه علامات دخول العفريت فيه... فلم يتحرّك ، دار حوله دورةً أخرى ثم تركه ودخل القاعة... و بلمح البصر قمت بابدال الجليكانين ثانية وعدت الى عملي... خرج ثانية و يا ليته لم يخرج... فما أن رأى الجيليكان أصبح نظيفاً ثانية... أصابه الهلع و انتابته موجة من الرعشة و الحركات اللاأراية... وقفز قفزةً عالية في الهواء و سقط مغمىً عليه.
لا أدري... هل أضحك أم أحزن عليه... مسكين