أهمية الحشرات والزواحف في التوازن البيئي
تلعب كافة الكائنات الحية دورا هاما جدا في التوازن البيئي على كوكب الأرض، ولعل من أهم تلك الكائنات الحشرات والزواحف والقوارض والتي يجهل الكثير منا دورها الهام والرئيس في التوازن البيئي على كوكب الأرض.
المقال التالي للدكتور ” صلاح جاد الله ” يتناول فيه مفهم التوازن البيئي ودور كثير من الكائنات الحية في هذا التوازن والعواقب الوخيمة التي يتسبب بها غياب بعض الكائنات الحية في النظام البيئي.
يقول الدكتور جاد الله أن التوازن البيئي ناتج عن العلاقات بين المكونات الحية وغير الحية كمنظومة بيئية بما في ذلك العمليات الطبيعية داخل تلك المنظومة”، مشيرًا إلى أن البيئة التي نعيش فيها هي عبارة عن مركب يتميز بعلاقته المتبادلة المعقدة والمتنوعة بين جميع الكائنات الحية من جهة وبينها وبين العوامل البيئية من جهة أخرى.
وبين جاد الله أن العديد من الناس يستغربون الفائدة التي قد تحملها بعض الكائنات الحية السامة من أفاعي أو حشرات، والتي من وجهة نظرهم تحمل أضراراً وتشكل خطرا كبيرًا، مؤكدًا أن لها منافع عديدة فمنها ما يقوم بتطهير الأجواء من التلوث، لأنها تأخذ السموم من الهواء كما تفعل الأشجار التي تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحوّله إلى أوكسجين.
وضربَ مثلاً الأفاعي التي تسبب الخوف والهلع والرعب والتسمم أحيانا للإنسان أو الحيوان “إذ لها جوانب أخرى ذات فائدة عظيمة للبيئة”، لافتًا النظر إلى أن سم الأفاعي يعتبر من الأدوية ذات الفوائد الكبيرة ويستخدم حاليًا في علاج العديد من الأمراض.
وتعتبر الأفاعي – تبعًا لقوله– ذات فائدة في خلق حالة التوازن في الطبيعة لأنها تتغذى على الحشرات والأحياء التي لو بقيت وتكاثرت لأثّرت على حياة الإنسان، منوهًا إلى أنه من بين الحيوانات الضارة التي تقضي عليها الأفاعي هي الفئران.
وبالنسبة للبومة، فالمتعارف عليه في عديد من البلدان العربية أنها نذير شؤم دون مبرر مما يدفعهم لقتله، مشيرًا إلى أن أهميته تكمن في أن بعضه يعيش داخل المدن والقرى، ليصطاد الفئران التي تستغل ظلمة الليل لتعيث الفساد والخراب حيث يكون البوم في انتظارها ليباغتها ويقضي عليها لسكون طيرانه.
وذكر أن سكان إحدى الولايات الأمريكية اعترضوا قبل أعوام على اتخاذ عشرات الآلاف من الخفافيش ملاذا لها تحت أحد الجسور مطالبين بقتلها أو ترحيلها، ولكنهم سحبوا الشكوى بعد أن شرحت لهم البلدية أن هذه الحيوانات تأكل يومياً ما مجموعه عشرون طناً من الحشرات الطائرة خلال الليل، معظمها من البعوض والهوام.
الحشرات تزيد المناعة
وتطرق جاد الله للحديث عن الحشرات والتي تعتبر الهم الأكبر لدى الناس لما تسببه من أمراض عديدة، إلى جانب عدم معرفتهم بأهميتها وما يمكن أن تعطيه من فوائد للبيئة، مبينًا أن الدراسات دلت على أن 99% من الحشرات مفيدة للإنسان، إما بشكل مباشر كالنحل ودودة القز، أو غير مباشر كالحشرات التي تلتهم الحشرات الضارة.
ولفت النظر إلى أن الحشرات المؤذية كالذباب والبعوض يعتبر وجودها ضروريًا مع ملامستها للإنسان لتمنحه المناعة من الأمراض منذ صغره أكثر الأحيان، مشيرًا إلى أن الله خلق الطير للحد من تكاثره بصورة تؤثر سلبًا على البيئة.
وأوضح أن الإنسان في صراع دائم مع أنواع معينة من الحشرات التي تضايقه وتنقل إليه الأمراض الفتاكة، وتهاجم محاصيله وحيواناته الداجنة والمستأنسة، إضافةً إلى مهاجمتها لمساكنه وأكل غذائه وتدمير ممتلكاته، مستدركًا: “على الرغم من ذلك فإن الحشرات تقدم فوائد عظيمة للإنسان، فهي تلقّح الكثير من الزهور، بما في ذلك المحاصيل، وتمدّه بالعسل والمنتجات الأخرى، وتكون غذاءً للأسماك والطيور ولكثير من الحيوانات الأخرى”، وأردف: “وفي الحقيقة، فإنّ الحياة ربما تكون منعدمة لو اختفت منها كل الحشرات”.
وبين أن تصنيف الحشرات غالبًا يتم على أساس نفعها وضررها، مشيرًا إلى أن هذا التقسيم هامشيّ لأن الحشرات تمثل جزءًا من شبكة الحياة التي تشتمل على البشر وعلى كل الأحياء الأخرى، وقال: “تتغذى الحشرات بنباتات وحيوانات، ولكنها بدورها تكون غذاءً لنباتات وحيوانات أخرى، بالتالي تساعد على إبقاء التّوازن البيئي الدقيق بين الكائنات الحيّة من نبات وحيوان على كوكب الأرض”.
وتمدّ الحشرات – وفقًا لقوله – الإنسان بكثير من المنتجات الثمينة مثل العسل وشمع العسل اللذين ينتجهما نحل العسل، وصمغ اللك المصفى الذي يُصنع من مادة تفرزها حشرات اللك، والحرير الطبيعي الذي ينتجه دود الحرير، إضافةً إلى مساعدتها في تنظيف البيئة، لأنها تتغذى بفضلات الحيوانات وبالحيوانات الميتة وبقايا النباتات الميتة، كما تساعد الحشرات – التي تعيش داخل التربة – في تخصيبها بموادها الإخراجية وبأجسامها الميّتة.
حتى الفئران مفيدة
وأكد جاد الله أن القضاء على الفئران أيضا قد يؤدى إلى خلل في التوازن البيئي مما يؤدى إلى ظهور الثعابين وخروجها من جحورها على مشارف المدن، وتبدأ في مهاجمة الحيوانات، وقد تدخل إلى المنازل، مشيرًا إلى أن عمليات التجريف أعطت الفرصة لزيادة عدد الفئران بسبب اختفاء القطط البرية المتضررة من تجريف الغابات.
وبين أن الفئران حيوانات برية تصنف ضمن الآفات وقد انتشرت في العالم، مرجعًا السبب وراء زيادة أعدادها إلى انقراض الأعداء الطبيعية لها والتي كانت تتغذى عليها مثل الحدأة والبومة والثعابين، إضافةً إلى اختلاف سلوك القطط والاستئناس أو التحالف الذي تم بينها وبين الفئران والتعايش السلمي فيما بينهما، مع توافر الظروف المعيشية للفئران من وجود مخلفات مبان وقاذورات وقمامة والجراجات المغلقة والمهجورة وانتشار العشوائيات.
ولفت النظر إلى أن الفئران ليست هي المسئول الوحيد عن مرض الطاعون ولكن يشترك معها في ذلك السحالي والعِرَس والقطط، مبينًا أن هذا الأمر يعود لاعتبار هذه الحيوانات المستعمرة الكبيرة التي تتركز بها حشرات البراغيث التي تمتص دماء الحيوانات المصابة بمرض الطاعون وتنقلها إلى غيرها من الحيوانات وغيرها من الكائنات الحية وقد تنقلها للإنسان أيضاً.
وأشار إلى أن الخطأ الشائع الآن محاولات الأهالي وبعض الجهات الرقابية الخاصة بالمكافحة وحماية البيئة قتل الفئران اعتقادًا منهم في القضاء على مرض الطاعون، “ولكن في حقيقة الأمر كل ما يحدث هو أن البراغيث الحاملة للمرض والتي كانت تحيا على جسم هذه الفئران بمجرد موتها تهجرها إلى كائن آخر لأن هذه الحشرات لا تحيا على الأجسام الميتة وإنما تعيش على الأجسام الحية الحارة” على حد قوله.
أخطاء بشرية قاتلة
و لفت جاد الله إلى أن هناك العديد من الأخطاء التي يرتكبها البشر بحق الطبيعة، من تدمير غابات إلى إبادة مخلوقات، غير أن دورهم في اختلال التوازن البيئي الدقيق وصل إلى مرحلة نقلوا خلالها طابعهم التدميري إلى مخلوقات أخرى، مبينًا أن هذا الخلل حصل عندما حملوا المخلوقات إلى مواضع غير تلك التي اعتادت عليها.
وفي هذا السياق ذكر تجربة نقل ضفدع الخيزران – الذي يقطن في الأصل وسط وجنوب أمريكا اللاتينية – إلى استراليا، لقتل أنواع من الخنافس والجعران التي كانت تدمر محصول قصب السكر في المناطق الشمالية.
غير أن تلك الضفادع التي تبيض بسرعة هائلة (بين ثمانية إلى 30 ألف بيضة في كل مرة) لم تُظهر اهتماماً بالخنافس الاسترالية، ومضت لتقتات على جميع أنواع الحشرات الأخرى، لتسبب دماراً بيئياً واسعاً في بيئة ليس فيها ما يهددها من أعداء طبيعيين.
وأوضح أن ما زاد المأزق صعوبة هو أن ضفادع الخيزران تملك في جسمها مستويات عالية من السموم ليس لها نظير في عالم الحيوان، ما يتسبب بوفاة كل المخلوقات التي تحاول أكلها بنوبات قلبية، ويأتي على رأس قائمة المفترسين غير المحظوظين التمساح الاسترالي، حيث تؤكد جامعة سيدني أن أعداده تراجعت بنسبة 77% ببعض المناطق.
من جهة أخرى، تبرز تجربة البشر مع النمس الهندي الصغير- والتي تعتبر تجربة مغايرة تمامًا – حيث يتضح أن بعض المخلوقات متفانية أكثر من اللازم في أداء عملها، فقد جرى جلب هذا المخلوق عام 1883 إلى هاواي وبعض الجزر المحيطة فيها عام 1883 للاستفادة من «شراسته وضراوته» في القضاء على الفئران التي تضر بحقول القصب.
لكن الكارثة ظهرت عندما اتضح أن النمس – وهو مخلوق نهاري – لا يمكن له التصدي للفئران التي لا تخرج إلا في الليل، الأمر الذي جعله يقضي جل وقته في افتراس كائنات أخرى، وفي مقدمتها الزواحف والطيور التي تبني أعشاشها على الأرض.
ويحمل العلماء النمس الهندي حالياً مسؤولية إفناء سبعة أنواع من الزواحف في جزر الهند الغريبة، إلى جانب نوع من السحالي وآخر من الأفاعي وأنواع من الطيور في جامايكا.
وقال: “يقودنا هذا إلى التجربة المأساوية الثالثة، وهي جلب الدوري الإنجليزي إلى الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أنه جرى إدخال هذا الطائر إلى العالم الجديد عام 1850 بهدف حماية الأشجار من الديدان، غير أن شهية هذه الطائرة المفتوحة جعلته يوزع أهدافه بين كافة المحاصيل الزراعية.
ولفت إلى تجربة رابعة متعلقة أيضاً باستراليا، وهي نقل الثعلب الإنجليزي أحمر الذيل إلى استراليا، وذلك لقتل الأرانب الرمادية المنتشر بشدة وحماية المزروعات منها، لكن «الطمع» غلب الثعلب الإنجليزي، فاندفع يقتات على أنواع أخرى من الثدييات صغيرة الحجم، إذ يعتقد أن استراليا شهدت خلال السنوات الماضية انقراض عشرات الأنواع بسبب شهيته.