بسم الله الرحمن الرحيم
إنّ أهل البيت عليهم السّلام هم مَجْمع الفضائل، وأولو الشرف الأعلى.. علماً وتُقىً وسيرةً ونَسَباً؛ لذلك جذبوا القلوب إليهم حبّاً وولاءً، وانقادت لهم الأنفس إعجاباً وطواعية، وجرت على الألسنة ألقابُهم إقراراً وإجلالاً لهم.. فلُقِّب الإمام موسىالكاظم عليه السّلام بـ: العابد والصالح، والأمين، وذي النفس الزكيّة، وزين المجتهدين، والوفيّ والزاهر والطيّب والسيّد.. وغيرها من الألقاب الفاخرة، في الوقت الذي لم يكن عليه السّلام حاكماً؛ ممّا يدلّ على مقامه الاجتماعيّ الأسمى، ومحلّه الخاصّ في قلوب الأُمّة.
ولم يكتفِ الإمام الكاظم عليه السّلام أن يكون عابداً ناسكاً، أو عالماً زاهداً.. بل كان يقف في وجه السلطة العبّاسيّة الجائرة يفضحها ويؤكّد عدم شرعيتها، فهو يقول لهارون الرشيد: أنت إمام الأجسام، وأنا إمام القلوب! مبيّناً أن السلطة العبّاسيّة قائمة على القمع والإرهاب واستعمال القوّة، بينما سلطة أهل البيت عليهم السّلام تقوم على الولاء الصادق والمعارف الحقّة وهدى الشريعة وحقائق الإسلام والقرآن الكريم.
جيء بالإمام الكاظم عليه السّلام إلى قصر هارون لا رشيد، فسأله هارون عن قصره وقد أسكره الزهو ونشوة السلطة: ما هذه الدار ؟
فأجابه الإمام عليه السّلام صريحاً: هذه دار الفاسقين.. قال ( تعالى ): « سأصرِفُ عن آياتيَ الذينَ يتكبّرونَ في الأرضِ بغيرِ الحقِّ وإن يَرَوا كلَّ آيةٍ لا يُؤمنوا بها وإن يَرَوا سبيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذوه سبيلاً وإنْ يَرَوا سبيلَ الغيِّ يَتَّخِذوه سبيلاً، ذلك بأنّهم كذّبوا بآياتِنا وكانُوا عنها غافلين »
فانتابَ هارونَ موجةُ غضبٍ واستياء.. وتساءل: فدارُ مَن هي ؟!
ـ هي لشيعتنا فترة، ولغيرِهم فتنة.
ـ فما بالُ صاحب الدار لا يأخذُها ؟!
ـ أُخِذت منه عامرة، ولا يأخذها إلاّ معمورة.
ـ فأين شيعتُك ؟
فقرأ الإمام عليه السّلام: « لَم يكُنِ الذينَ كفروا مِن أهلِ الكتابِ والمشركين مُنْفكِّينَ حتّى تأتيَهُمُ البيّنة
ـ فنحن كفّار ؟!
ـ لا، ولكن كما قال الله:«.. الذينَ بَدَّلُوا نِعمةَ اللهِ كُفْراً وأحَلُّوا قومَهُم دارَ البَوار »
فغضب عند ذلك هارون، وغلظ عليه.