لو أعطيت رجلًا جائعًا سمكة تطعمه لمدة يوم. لكن لو علمته كيف يصيد فإنّك تطعمه طوال حياته، وإذا علّمت طالبًا يعاني من صعوبة تعلم معلومة فإنّك تساعده للحظة. لكن لو علّمت هذا الطالب كيف يتعلم فإنّك تساعده طوال حياته.
دونالد ديشيلر
مُنتصر شاب عادي في المرحلة الثانوية، يراه والداه على قدر لا بأس به من الذكاء، لكنهم يستغربون من سوء علاماته الدراسية، بينما يناديه معلموه “بالمتخلف”!
شعر مُنتصر بالسوء والإحباط، هل هو حقًا متخلف أم أنّه ذكي كما يخبره والده؟
مُنتصر ليس بمتخلف أو ذو إعاقة عقلية أو جسدية واضحة، إنّه يعاني من صعوبات في التعلم، أيّ لديه صعوبة في فهم وإدراك لما يدرسه وبعض القصور في الذاكرة طويلة وقصيرة المدى، لكن هل هذا يعني أنّه غبي أو متخلّف كما يلقبه معلموه؟
لا، فصعوبات التعلم ليست بمرض عقلي، والذين يعانون منها لديهم مستوى ذكاء متوسط أو فوق متوسط، لكن يميلون إلى فرط الحركة ونقص الانتباه، كما أنّ صعوبات اللغة لديهم أيضًا، فلا يستطيعون التعبير عن أفكارهم أو صياغتها، ومشاكل في السلوك الاجتماعي نظرًا لما يتعرضون له من ضغط عدم اللحاق بأقرانهم، واضطرابات في السلوك الانفعالي على أسوأ تقدير.
فهذا مُنتصر يصعب عليه فهم التورية أو النكتة الملقاة من قبل أصدقائه عندما يتلفظون بألفاظ مثل “طحن” و “خلصانة” و “والعة”، مما قد يؤدي به إلى الانعزال.
وهنا يجب التفرقة بين بطيء التعلم وذو صعوبات التعلم، إذ أنّ بطيئي التعلم لديهم مستوى ذكاء أقل وهو سبب مشكلات التحصيل لديهم، أمّا ذوي صعوبات التعلم فهم في مستوى عادي أو متوسط من الذكاء لكن لديهم مشاكل في الانتباه والإدراك.
ولأنّ المصائب لا تأتي فرادى، قد يعاني الشخص العديد من صعوبات التعلم في وقت واحد، كأن يكون لديه صعوبة في اللغة الأجنبية ومشاكل في الحساب وصعوبة في الانتباه.
هل استيقظ مُنتصر ذات ليلة ووجد نفسه يعاني من صعوبات التعلم أم أنّه يعاني منها منذ الصغر؟
يبدو أنّ مُنتصر كان يعاني من هذه الصعوبات منذ الصغر، لكنّها لم تُتَابع جيدًا من قبل الوالدين أو المعلمين، ولم تستخدم استراتيجيات تدريس مناسبة للأطفال ذوي صعوبات التعلم، لكن الصعوبات لا تنتهي إنّ تمت متابعاتها في الطفولة فقط، بل تجب الرعاية والاهتمام والصبر عليها حتى يُتَمكّن من التغلب عليها.
هل تضرب صاعقة صعوبات التعلم البالغين أيضًا؟
أجل، فهي تتباين من مرحلة لأخرى، وتظهر بصورة مختلفة في كل فئة عمرية، وتحديدها يختلف من 6 سنوات إلى 21 سنة، وينبغي الإشارة أنّ صعوبات التعلم لدى طلاب الجامعات تعد خطيرة، فتخيّل معي طالب في كلية التربية لديه صعوبات تعلم في أحد المواد التي تؤهله لكونه معلم، بالطبع ستؤثر على طلابه وطريقة تدريسه.
أو قد تصاحب صعوبات التعلم الفروق الثقافية، أو عدم تلقي تعليم كافٍ أو غير ملائم.
إنّ من حق ذوي صعوبات التعلم أن يكون لهم احترامهم، وألّا يعاملوا كأنّهم على الهامش أو أنّهم متخلفين، فلو كانوا متخلفين لكانت مدارس ذوي الاحتياجات الخاصة أحقّ بهم.
تمثل هذه الصعوبات عقبات في حياة المراهقين والبالغين على حد سواء، وقد تكون أحد أسباب تسرب المتعلم من التعليم وكرهه للتعليم برمته، في حين أنّ لمشكلته علاج وأنّه ليس بكائن فضائي وإنّما له حقوقه كالطالب العادي تمامًا، وله الحق في الاستماع إلى مشكلاته وعلاجها.
أخيرًا، إن كنت من ذوي صعوبات التعلم فلا تبتئس، فآينشتاين أيضًا كانت لديه صعوبات تعلم، فقد كان يُعاني من بعض الصعوبات في تأخر تطور الكلام، حيث كانت أول كلمة نطقها في الرابعة من عُمره، و قد شخصّه بعض الأطباء حاليًا بمتلازمة أسبرجر، وصعوبة الحساب ورأوا أنّ صعوبة الحساب قد تكون السبب في رؤيته للأرقام بشكل مختلف، فمن يدري قد تكون الصعوبات أحد السبل للتفوق