تخيل لو أننا استبدلنا عصبك السمعي مع عصبك البصري كيف سيبدو لك الوجود؟
نظرياً أنت ستتمكن من سماع الضوء و رؤية الصوت. طبعاً مع التحفظ على (رؤية أو سماع لأنها مجرد توصيفات لعمليات الرصد).

الفوتونات القادمة عن طريق العين إلى الشبكية سيتم تحليلها و ارسالها إلى القسم السمعي في الدماغ فتسمع صوت شروق الشمس. ضجيج النهار ربما يكون مزعج جداً لكنك ربما تستمتع بصوت بريق نجوم الليل.

في حال الصوت ستأتي الموجات الصوتية إلى أذنيك ليتم تحليل اهتزازاتها و تحويلها إلى سيالة عصبية تتجه إلى القسم البصري من الدماغ فترى صوت هطول المطر و تشاهد حفيف الأشجار وتشاهد زقزقة عصافير الصباح.

لكن سيتم اصطيادك من قبل كائنات آخرى تستطيع أن ترى الضوء وتسمع الصوت لأنها ببساطة تمتلك صورة مفصلة أكثر عن البيئة المحيطة بها. في الواقع نحن يصعب علينا فهم أن حواسنا ليست إلا أجهزة رصد للظواهر الفيزيائية المحيطة بنا.

الشم هو رصد للمركبات الكميائية المتواجدة في الهواء لكن ليس ضروري أن يكون القالب الدماغي لحاسة الشم كماهو عليه الآن. عملية الرصد هذه مهمة للتحليل الكيميائي المباشر لكل ما يحيط بنا فإن تواجدنا ضمن مكان يحتوي مركبات كميائية ضارة لنا ينطلق جهاز الإنذار لدينا على شكل رائحة كريهة. وإن رصدنا مركب كيميائي مفيد لنا من حيث الحصول على الطاقة فعندها سنستقبل هذا المركب على شكل رائحة شهية.

نظرياً يمكننا أن نرى الروائح، لكن كمية انتشار المركبات الكميائية في الهواء وأهميتها لدينا لا يضاهي أهمية رصد الفوتونات الضوئية لهذا نحن نرى الضوء ولا نشمه مثلاً.

تخيل فعلاً أننا نرى الصوت. كيف سيبدو العالم الخارجي بالنسبة لنا؟ اختلاف الأمواج الصوتية سيتم تمثيله بألوان مختلفة كما يحدث الأن مع رصد الضوء. رؤية الصوت تعني أننا لنا نستطيع الحصول على صورة بصرية مستقرة ومستدامة لأن انتشار الأمواج الصوتية حولنا ليس مستقر وليس ضمن كميات محددة و منظمة كما هو انتشار الضوء. ضوء الشمس القادم نحونا يأتي بشكل مستدام ومنظم لذلك يمكننا الإعتماد عليه في رسم قوالب دماغية.

من الناحية التطورية البقائية فإننا سنكون عرضة للافتراس من الكائنات القادرة على التحكم بعدم اصادر أمواج صوتية لأننا لن نراها، لكننا بالطبع سوف نسمع الضوء الذي ينعكس عليها.

الرصد الضوئي لكل ماهو حولنا هو رصد إلزامي يمكننا معرفة كل مايجري حولنا لأن الفوتنات القادمة من الشمس ستنعكس على كل شيء. الألوان ليست سوى رصد للأمواج الضوئية المنعكسة عن الأشياء التي حولنا لهذا إن تطورت إحدى الكائنات بشكل يكون الضوء المنعكس عنها غير واضح للآخرين فهذا سيشكل ميزة بقائية تساعد هذا الكائن على الصيد بشكل أفضل وبالتالي تزيد فرصه في التكاثر والبقاء فنجد أن بعض الكائنات تطورت بسبب انتقاء الطبيعة لميزات ساعدتها في تمويه الفوتونات المنعكسة عنها. لكن تخيل لو كان الصوت هو الضوء (أي أن انتشار الأمواج الصوتية هي العامل الأهم في رصد المحيط) عندها لوجدنا أن الطبيعة تنتقي الكائنات التي تصدر أصوات تموه المحيط.

نحن تطورنا لكي نرى الضوء فقط لأنه أكثر محفز فيزيائي حولنا يمكنه أن يقدم لنا معلومات كافية عن محيطنا. هذا يعني أن كائنات آخرى تعيش في بيئة مظلمة لن يكون لديها نفس الأولوية في رصد الضوء كما نرصده نحن. هذه الكائنات ستصرف ميزانتها الطاقية في تحليل محفزات فيزيائية آخرى مثل الصوت إن تواجدت في بيئة يكون الصوت هو المحفز الفيزيائي الأكثر انتشاراً. مثلاً زملائنا من عائلة الثدييات الوطواط أو الدلفين يرصدون الأمواج الصوتية كما نرصد نحن الأمواج الضوئية مما يعني أن الوطواط والدلفين يمكنهما (فرضياً) أن يروا الصوت بالألوان بناء على الترددات الصوتية القادمة إليهم ليس هذا فقط وإنما لديهم مصباح حيث أنهم يطلقون الصوت لكي يتردد ويعود إليهم بمعلومات حول محيطهم. إذا أردنا اسقاط هذه القدرة على قدرة الإنسان على الرؤية فهذا أشبه بأن يكون الإنسان قادر على اطلاق شعاع ضوئي من عينه لكي ينعكس هذا الشعاع على الأشياء التي حوله فيراها.

لكن للأسف اطلاق الضوء يحتاج كميات كبيرة من الطاقة ولايوجد حاجة بقائية لصرف هذه الطاقة إذ أن الضوء متوفر بشكل كاف في البئية التي يعيش بها الإنسان. بينما اصدار أمواج صوتية فهو ليس بنفس صعوبة اصدار أمواج كهرمغناطيسية (ضوء) إذ أن الصوت عبارة عن اهتزازات في المحيط. الوطواط لديه آلية بحيث يصدر أمواج صوتية ضمن تردادات مختلفة لكي يميز الأمواج التي يطلقها هو مقابل الأمواج القادمة من أشياء آخرى في الطبيعة أو من زملائه الوطاويط المتواجدين حوله.

الكون ليس كما نراه نحن لأننا نراه بناء على تثقيل معين مبني على فوائد بقائية لنا فنحلل الضوء عوضاً عن الإشعاعية النووية أو الأمواج الصوتي أو حتى الجاذبية وذلك لأسباب تطورية بحتة. الكون مكان مختلف تماماً عما نظنه.

مثلاً الكون لا يوجد فيه ألوان. أنت من يلون الكون لكي تميز ترددات الأمواج الكهرومغناطيسية (الضوء) القادمة نحوك لكن لو كنا نعيش في كون آخر حيث الإهتزازات الصوتية هي الرائجة أكثر من الأمواج الكهرومغناطيسية (الضوء) لكان الكون مختلف جداً بالنسبة لنا.

الفرق بين الرؤية والسماع والشم وغيرها من الحواس ليس فرق جذري في الطبيعة وإنما فرق بتمثليها ضمن قالبنا الدماغي الذي نرى الكون من خلاله.

أنت من يلوّن الكون
.