الكوكب التاسع.. ما بين الوجود والعدم!
مسار "سيدنا" المائل أعاد إطلاق فرضية وجوده.
الكوكب التاسع.. ما بين الوجود والعدم!
21 - فبراير - 2017
صحيفة الخليج- محمد هاني عطوي
علماء الفلك متأكدون تقريباً أن نظامنا الشمسي يحوي كوكباً تاسعاً أو عملاقاً غازياً يتوارى في أحد الأرجاء من دون أن يلاحظه أحد. عشرات من الفرق العلمية تتعقبه بشكل حثيث، ولكن من سيكون الفائز باكتشافه؟ الواقع أنه منذ اكتشاف الجرم المسمى "سيدنا" عام 2003 أعيد إطلاق الفرضية القائلة، إن مسار هذا الجرم المائل يمكن تفسيره بوجود كوكب تاسع. وفي العام 2014، اكتشفت 10 كويكبات مائلة المسار أيضاً. وفي 2016، أُجريت دراسة عن مسارات هذه الأجرام المكتشفة، وتوصلت إلى نتيجة مضمونها أن ثمة كوكباً تاسعاً "شبحياً" في النظام الشمسي.
إذ عمل "قسنطين باتيجان" و"مايك براون" -الباحثين بمعهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا- على تحليل نتائج عملية الرصد التي أرسلت إليهما من مرصد "سوبارو بهاواي" الواقع على بعد 4 آلاف كم من مكانهما. في بداية الأمر طلب الباحثان من الفرق اليابانية العاملة في الموقع تحويل تلسكوبهما الكبير نحو كوكبة أوريون "الصياد"، حيث يعتقدان في وجود الجرم موضوع بحثهما. واحتاجت كاميرا التلسكوب سوبارو إلى 20 ليلة لمسح المنطقة المطلوبة وللأسف، لم يظهر أي شيء. في نفس الوقت كان سكوت شيبارد من معهد كارنيجي في واشنطن، متوجهاً إلى تشيلي كي يجري أرصاده الخاصة باستخدام التلسكوب "ماجلان". وكان ديفيد جيرد -من جامعة ميشيغان- يتفحص بدوره وبدقة البيانات التي تعكسها مرآة أخرى من مرصد تشيلي، أما أنييس فينجا من مرصد "الريفيرا" الفرنسية، فكانت تحتفظ لنفسها بنافذة من المراقبة باستخدام التلسكوب "GranTeCan" في جزر الكناري.
هكذا نجد أن عملية الرصد والمطاردة للجرم الشبح التاسع بدأت منذ عدة أشهر من قبل 50 فريقاً علمياً في العالم، خصوصاً أن الهدف ليس صغيراً أو مجرد حجرٍ يبلغ حجمه عدة كيلومترات أو كوكبٍ بعيد يقع خارج المجموعة الشمسية. فعلماء الفلك يطاردون جرماً يعتقدون أنه عملاق غازي غير مرئي، ولكنه موجود وتزيد كتلته على كتلة الأرض بعشرة أضعاف، ونصف قطره يزيد على قطرها بثلاث مرات. إنه الكوكب التاسع الذي ربما سيحل محل "بلوتو". والكوكب يشبه نبتون -حسب الباحثين- فهو غازي وبارد لكن يشبهه أكثر في عملية الاستدلال على وجوده، وذلك من خلال ظاهرة شذوذ الجاذبية. ولنتذكر أن هذا الأمر يعود إلى كوكب "أورانوس" الذي لم يكن في مساره وفقاً للتقويم، بل كان يتعرض لتشويش من قبل كوكب آخر غير مرئي، ما سمح حينها بالكشف عن نبتون. تقول أنييس فينجا: "الأمر بالمثل، فنحن نشتبه في وجود P9 بسبب أجرام مثل [سيدنا]، وهي عبارة عن عشرات الأجرام البعيدة الصغيرة، التي لا يمكن الوصول إليها بسبب التأثير الجذبوي لنبتون، فضلاً عن أن مسار هذه الأجرام الغريب هو الذي يجعلنا نؤمن أن هناك كوكباً شبحاً تاسعاً".
ووفقاً لحسابات علماء الفيزياء الفلكية، فإن الكوكب التاسع يدور أبعد من نبتون بكثير، بل أبعد حتى من بلوتو، أو هو عند حافة النظام الشمسي؛ ما يعني أنه بعيد عن الأرض بشكل يجعله أكثر غموضاً بملايين المرات، ولكن دراسة مدار الأجرام المشابهة لسيدنا لا تعطي أي مؤشر على موقعه الحالي، بل تمكن علماء الفلك من تحديد مساره فقط، أي أن P9 يتحرك وفق مسار على هيئة قطع ناقص عملاق، وأقرب نقطة فيه إلى الشمس تساوي 200 مرة قدر المسافة بين الأرض والشمس، بينما أبعد نقطة له عنها فتبلغ على الأقل 500 مرة، أو 1200 ضعف هذه المسافة. والحقيقة أن هذه الخريطة ربما جعلت العديد من الفرق العلمية تعلق أبحاثها الجارية؛ كي تتفرغ لعملية الرصد والمطاردة. يقول كريستوف مورداسيني، المتخصص في الكواكب الخارجية في جامعة برن: "حين صدر مقال براون وبتيجان عن الأجرام الشبيهة بسيدنا، كنا نعمل على اكتشاف كواكب خارجية عملاقة ذات كتلة منخفضة، وكنا نمتلك أدوات مخصصة للكشف عن الكوكب التاسع، ولذلك شرعنا في المغامرة. والحقيقة أن النمذجة التي أجريت للكوكب المفترض، جعلت الباحثين يخلصون إلى نتيجة مضمونها أن متوسط درجة الحرارة عليه تبلغ 226 درجة مئوية تحت الصفر، وأن عملية تبريد العناصر المشعة في نواته جعلته يشع بشكل ضعيف، وهو دليل ذو قيمة". على مدى عقود، وفرت برامج الدراسات الاستقصائية خرائط منهجية للسماء ضمن حيز الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء، فهل يمكن أن يكون P9 مدفوناً في أكوام بيانات أحد التلسكوبات؟ لا شك أن القصة كانت ستكون جميلة جداً لو حدث الأمر مثلما حدث مع نبتون الذي رصده غاليليو دون رؤيته قبل 200 سنة من رصد "لو فيرييه" له. ويؤكد بونوا كاري -من فريق أنييس فينجا- أن ذلك ممكن جداً؛ إذ يمكن لفلكي يرصد نجماً أو مجرة أن يكون شاهد مرور P9 من دون أن يعيره اهتماماً ظناً بأنه مجرد كويكب بسيط. لذا غاص متعقبو P9، في بيانات التلسكوبات التي من الممكن أنها رصدته مثل تلسكوب "وايز" الذي يعمل بالأشعة تحت الحمراء، وسمح لوكالة ناسا اكتشاف الآلاف من النجوم الخافتة.
أعماق السماء
عام 2019 سيشهد تركيب تلسكوب "المسح الإجمالي الكبير" في تشيلي، وهو تلسكوب عملاق قادر على سبر السماء في العمق، ولن يترك أي فرصة للكوكب التاسع ليبقى متخفياً عن العالم. أما إذا لم يتم العثور على أي شيء فمعنى ذلك أنه لا يوجد شيء بالفعل وأن النظام الشمسي لا يضم إلا 8 كواكب