31/05/2017
على الرغم من أن الحزن والمزاجية جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية، إلا أنه غالبًا ما يتم التقليل من شأن هذه المشاعر في العصر الحالي.
ففي ثقافتنا، المشاعر الإنسانية مثل الحزن المؤقت غالبًا ما تُعامَل على أنها اضطرابات. وساهمت الإعلانات بشكلٍ كبير بإظهار الحزن كأنه مرض بحاجة للعلاج في غالب الأوقات لما يتسببه من مزاج وسلوك سيء على حد زعمهم. وهم بذلك تناسوا أو تجاهلوا أنه شعورٌ طبيعي من التجربة البشرية والحياة التي نعيشها بانتظام.
فكونك إنسان يعني أنك ستحزن مثلما تسعد لأي ظرفٍ كان. وهو شعور ٌ طبيعي 100% حتى أن بعض الخبراء أثبتوا أنه ليس فقط شعورٌ طبيعي، إنما مفيد في بعض الأحيان!
ليس الحزن فقط، بل مجموعة المشاعر السلبية مثل الخوف، الغضب، الاشمئزاز، وغيرها مفيدة في الواقع لأنها تُساعدنا على الاعتراف بالضغف أو الخطأ والتغلب على التهديدات أو الحالات الخطيرة.
ونحن لا نتحدث هنا عن الحزن الشديد والدائم الذي يؤدي في نهاية المطاف إلى الاكتئاب، إنما عن الحزن الطبيعي الذي يشعر به الجميع والذي يؤثر سلبًا على المزاج لفترة مؤقتة. فهذا الشعور يُساعدنا على مواجهة التحديات اليومية والمواقف الصعبة كما يرى علماء النفس.
كما أنه بمثابة إشارة اجتماعية تُشير إلى الانسحاب في بعض الأحيان وتوفير غطاء وقائي. فعندما نشعر بالحزن، يميل الناس عادةً إلى تقديم يد العون لشعورهم بالقلق علينا.
وتوثق التجارب العلمية الحديثة فوائد المزاج السيء المعتدل التي غالبًا ما تعمل كإشارات إنذار أوتوماتيكية، وتُروِّج لأسلوب تفكير تفصيلي أكثر انتباهًا. بعبارةٍ أخرى، يُساعد المزاج السيء على أن نكون أكثر وعيًا للمواقف الصعبة والتركيز أكثر عليها.
في المقابل، فإن المزاج الإيجابي “كالشعور بالسعادة”، عادةً ما يكون بمثابة إشارة لشعور آمن ومألوف ما يعني أقل تفصيلية واهتمام في التفكير.
الفوائد النفسية للشعور بـ الحزن !
هناك أدلة متزايدة على أن المزاج السيء كالحزن له فوائد نفسية. ولإثبات ذلك، تلاعب باحثون قائمون على دراسة في هذا السياق بمزاج الناس من خلال عرض أفلام حزينة أو سعيدة، ثم تم قياس التغييرات في الأداء في مهام سلوكية ومعرفية معيّنة. ونتج في النهاية مجموعة من الفوائد عن الشعور بالحزن، أهمها:
تقوية الذاكرة
في أحد الدراسات في هذ السياق، تبيَّن أن المزاج السيء الناتج عن سوء الأحوال الجوية جعل الناس يتذكرون بشكلٍ أفضل حاجياتهم من المتجر. فالمزاج السيء انعكس على الذاكرة عبر الحد من التشعُّبات في التفكير بأمور غير ذات صلة وجعل العقل يُركِّز على أمرٍ واحد فقط، وهي في هذه الحالة الأغراض التي ينوي كل شخص شرائها من المتجر.
دقة في الحكم على الآخرين
كما أن المزاج السيء المعتدل يُقلل من التحيزات في الانطباع عن الناس. فعلى سبيل المثال، اتخذ قضاة حزينون قرارات أقل تحيزًّا وأكثر دقة وموثوقية عن آخرين خلال معالجتهم لمشاكلهم.
كما وُجد أن المزاج السيء يُقلل من الخداع وزيادة التدقيق عند تقييم الأقاويل والإشاعات الحضرية. كما أنه يزيد من قدرة الناس على اكتشاف المقالب والخدع المختلفة.
زيادة الدوافع والمثابرة
وجدت تجارب أخرى أنه عندما طُلب من مجموعتين من الناس، واحدة سعيدة وأخرى حزينة، القيام بحل مسائل عقلية صعبة، فإن المجموعة الحزينة حاولت بشكلٍ أكثر مثابرة على إيجاد الحل، وقضوا وقت أطول من أجل التوصل للإجابات الصحيحة للأسئلة!
التواصل مع الآخرين بشكلٍ أفضل
كان للحزن تأثير مباشر على أسلوب التفكير بجعله أكثر انتباهًا وتفصيلًا لما يجري من الأحداث. هذا الأمر انعكس بشكلٍ إيجابي على تحسين التواصل مع الآخرين.
فقد وجدت دراسات أن الناس في مزاجٍ سيء استخدموا حججًا مقنعة أكثر لإقناع الآخرين، وكانوا أفضل في فهم الجمل الغامضة والتواصل بشكلٍ أفضل عند الحديث.
زيادة الإنصاف
تجارب أخرى وجدت أن الناس في مزاجٍ سيء تعاملوا مع الآخرين بأنانية أقل وأكثر عدلًا.
فصحيحٌ أن الحزن والمزاج السيء يُساعداننا على التفكير والتركيز بشكلٍ أفضل على الوضع الذي نحن فيه، إلا أن ذلك لا يعني ترك النفس للمشاعر السلبية.
فنحن نتحدث عن شعور طبيعي يمر به كل إنسان في كل يومٍ تقريبًا، ونبحث عن طرق للاستفادة من تلك المشاعر مهما كانت سيئة، لكن ذلك لا يعني أننا نُفضّل الحزن على السعادة، إنما نتمنى لكم جميعًا أوقاتًا سعيدة ومزاجية سيئة أقل