وكان يحمل الخبز في الليالي متخفيّا الى بؤساء المدينة وفقرائها، فلما مات عرفوا ان الذي كان يحمل اليهم الخبز هو الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام).
مولده:
اسمه المبارك (علي) أشهر القابه (السجاد و زين العابدين). أبصرت عيناه النور في المدينة في النصف من شهر جمادى الأولى سنة ثمان وثلاثين من الهجرة النبوية الشريفة، أبوه سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، واُمه الجليلة (شهر بانو).
خصائصه الخُلقية:
لقيه أحد أرحامه في جمع من أصحابه فتهجّم عليه وقال فيه ما لا يُليق وانصرف، فقال الإمام (عليه السلام) لمن حوله: قد سمعتم ما قال، فاني أرغب أن تأتوا معي الساعة لتسمعوا جوابي عليه.
قالوا: نأتي معك، ولو كنا رددنا عليه ما قال حينما قال لكان أفضل.
فقام الإمام (عليه السلام) معهم الى بيت ذلك المتهجم، وفي الطريق راح الإمام يردد الآية الكريمة من سورة آل عمران والتي تصف حال بعض المؤمنين:
[والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ].
فأدرك أصحابه انّه غير ذاهب ليجازيه على ما بدر منه كما هو ظنهم أول الامر. فلما بلغوا دار ذلك الرجل ناداه الإمام وقال: قولوا له علي بن الحسين (عليه السلام) جاء، فظن الرجل ان الإمام جاء ليجازيه على ما كان منه، فخرج متأهباً للعراك، فقال الإمام (عليه السلام): يا اخي ان كنت قلت ما فيَّ فاستغفر الله منه، وان كنت قلت ما ليس فيَّ يغفر الله لك.
فخجل الرجل من لطف الإمام (عليه السلام)، وتقدّم نحوه وقبّل ما بين عينيه وقال: (بل قلتُ ما ليس فيك وأنا أحق به).
كان في المدينة رجل مُهرج يُضحك النّاس بافعاله، وكان نفسه يقول: اني لم أستطع ان اُضحك علي بن الحسين (عليه السلام).
وفي يوم كان الإمام (عليه السلام) ماراً اذا أخذ عبائته من على كتفيه وانصرف ! فلم يعبأ به الإمام (عليه السلام) ثم جاء بها أصحابه فسألهم الإمام (عليه السلام) من كان الرجل؟
قالوا: مُهرج يُضحك النّاس.
قال: قولوا له [إنَّ للهِِ يَوْماً يَخْسَرُ فيهِ الْمُبْطِلُونَ ].
وزار الإمام السجاد (عليه السلام) ـ زيد بن اُسامة ـ وهو يحتضر على سرير الموت.
فجلس عند رأسه وزيد يبكي ان عَلَيّ خمسة عشر ألف دينار، ولم أترك لها وفاءً. فقال الإمام (عليه السلام) لا تبك فهي عليَّ وانت منها بريء، فقضاها عنه كما وعده.
وكان يحمل الخبز في الليالي متخفياً الى بؤساء المدينة وفقرائها ويساعدهم بالمال، فلما مات عرفوا ان الذي كان يحمل اليهم الخبز هو الإمام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام)، وعُلم بعد وفاته انه كان يتكفّل معاش مئة من عوائل المدينة الفقيرة ولا يعلم به أحد.
يقول ابن اخت له: ان اُمي كانت توصيني بان أصحب خالي علي بن الحسين (عليه السلام)،فما جلست إليه قط الاّ قمت من عنده بخير أفدته اما خشيه لله تحدث لله في قلبي لما أرى من خشيته، أو علم أستفدته منه(8).
وكان الإمام الباقر (عليه السلام) يقول: وكان قيامه (يريد أباه السجاد) في صلاته قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل، وكان أعضاؤه ترتعد من خشية الله عزّ وجلّ، ويتبدل لونه وكان يصلّي صلاة مودِّع أن يرى أن لا يصلي بعدها أبدا.
مكانته العظيمة:
قدم هشام بن عبد الملك مكة حاجّاً فلمّا أراد أن يطوف منعه اشتغال النّاس به من استلام الحجر الأسود، فانتحى ناحية حتى يفرغ النّاس من طوافهم. فبينما هو جالس ينتظر اذ أقبل الإمام زين العابدين (عليه السلام) الى المسجد الحرام يطوف به، فلمّا رآه النّاس شقّوا له طريقاً فيهم، فمضى بهدوء حتى قارب الحجر فأخذه، فكبر ذلك على هشام، وكان الى جانبه رجل من أهل الشام فالتفت نحوه وقال: من الرجل الذي قام له النّاس …
فخشي هشام ان يميل إليه أهل الشام وينصرفوا إليه ان هو أباح له باسمه، فقال: لست اعرفه.
وكان الفرزدق الشاعر الحُر المعروف حاضر الموقف فقال: بل أنا أعرفه، وأنشد قصيدة طويلة في مدحه (عليه السلام).
فكانت أبياته من الروعة والبيان بمكانة جعل هشاماً يخور كالحيوان الجريح، وأمر بالفرزدق ليحمل الى السجن.
فلمّا علم الإمام (عليه السلام) بخبره بعث له بصلة فاعاد الفرزدق الدراهم باخلاص وأرسل له اني ما انشدت هذه الاشعار الا لله والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فصدّق الإمام (عليه السلام) اخلاصه وامانته واقسم عليه ليقبل وله أجره في الاخرة وبعث له بالمال ثانية وقال: قولوا له ان من سجيتنا الاحسان ولا نأخذ ما أعطينا... فقبل الفرزدق الصلة مسروراً.
الإمام يوقظ المسلمين:
ما من شك ان أخذ آل علي والحسين (عليهما السلام) سبايا الى الشام،كان له أبلغ الأثر في بلوغ ثورة الحسين (عليه السلام) أهدافها. فلو لم يرووا حوادث الفاجعة (فاجعة كربلاء) على النّاس في هذا السفر، ولم يشهد النّاس حالهم عن قرب، ما بلغ مقتل الإمام هذا المبلغ من الشهرة وذيوع الصيت، وما افتضح بنو اُمية ويزيد هذه الفضحية المنكرة.
فقد دأب آل الحسين (عليه السلام) وأهل بيته على الحديث ـ خلافاً لما يتوهمه أهل عصرهم ويظهره السبي من الخذلان والصغار ـ عن انتصارهم وخذلان عدوهم يزيد واعوانه.
وكان فيمن بقي حيّا بعد الفاجعة وترك أعظم الاثر في ايقاظ النّاس وتوعيتهم إمامنا العظيم (زين العابدين (عليه السلام) وعمته الجليلة زينب الكبرى (عليها السلام).
فلم يكن المرض الذي نزل به أيام مقتل أبيه (عليه السلام) (وآثاره ما زالت في جسده الشريف قطعاً)، والاسى الذي حل به لمقتل أبيه ومقتل اخوته والانصار بالذي يحول دون ان ينجز الإمام مهامه وواجباته، فكان لا يدع فرصة سنحت له إلا استغلها لارائة النّاس حقائق الامور.
فبينما كان أهل الكوفة يضجون بالبكاء والنحيب خجلاً من كلمات العقيلة زينب (عليها السلام) النارية وخطب اختها وفاطمة الصغرى بحقّهم أشار إليهم الإمام (عليه السلام) ليسكتوا فسكت النّاس، فقام فحمد الله وأثنى عليه وصلى عليه النبي (صلى الله عليه وآله) وقال:
أيها النّاس... أنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، أنا ابن من نُهب ماله وسُبي عياله، أنا ابن من قُتلَ مظلوماً عند شط الفرات، بلا دم أراق، ولا حق أضاع.
أيها الناس… بالله عليكم أما كتبتم الى أبي تدعونه ليجيء الكوفة فلما جاءكم قتلتموه؟
أيها النّاس: كيف بكم اذ رأيتم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم القيامة يقول لكم قتلتم أهل بيتي ولم ترقبوا حرمتي فلستم من أمتي؟
فاضطرب أهل الكوفه لسماعهم كلمات الإمام (عليه السلام) وهاجوا وماجوا، يبكون ويتلاومون ان هلكتم وأنتم لا تعلمون.
وهكذا نبّه الإمام (عليه السلام) الضمائر الغافية من رقدتها، وصوّر عظمة الفاجعة وأفهم أهل الكوفة ضخامة فعلهم.
وحُملت حرم الإمام الحسين (عليه السلام) الى قصر ابن زياد وما أن رأى ابن زياد الإمام حتى قال: من هذا؟
قالوا: علي بن الحسين.
قال: أو لم يقتل الله عليّا؟
فقال الإمام (عليه السلام): كان لي أخ اسمه عليّ قتله النّاس.
قال ابن زياد: بل قتله الله.
قال الإمام (عليه السلام): اللهُ يَتَوَفَّى الاَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِها.
فقال ابن زياد: أما زالت فيك جرأة ترد بها عليَّ؟ وأمر بقتله مغروراً، فاعترضت طريقه زينب الكبرى (عليها السلام) وهي تقول: ما أبقيت لنا من أحد فان عزمت على قتله فاقتلني معه.
فقال لها الإمام (عليه السلام): لا تقولي له شيئاً. أنا أكلمه.
ثم التفت الى ابن زياد وقال: يا ابن زياد ! أبالموت تهددني وتخوفني؟
ألم تعلم ان الموت لنا عادة، وكرامتنا من الله الشهادة؟
________________________________________
مسار الشيعه للشيخ المفيد ص 34 سنة الطبع 1315 هـ. ق.
الاصول من الكافي ج 1 ص 467 طبعة الاخوندي.
سورة آل عمران، آية 134.
الاشراد للشيخ المفيد ص 240 طبعة الاخوندي.
أمالي الشيخ الصدوق ص 133 الطبعة القديمة.
الاشراد للشيخ المفيد ص 243 ـ طبعة آخوندي.
تذكرة الخواص لابن الجوزي ص 184 ـ طبعة فرهاد ميزرا.
الارشاد للشيخ المفيد ص 238 ـ طبعة آخوندي.
الخصال للشيخ الصدوق ص 517. مطبعة غفّارى.
عن امالي السيد المرتضى ج 1 ص 69 مطبوع سنه 1387. اذا اردت القصيدة فهي في آخر الكتاب فراجع.
الاحتجاج ; الطبرسى ص 166 طبعه النجف عام 1350 هـ. ق.
سورة الزمر، الآية 42.
اللهوف ; لابن طاووس ص 144 طبعة عام 1317 هـ. ق.
في بلاد الشام:
وجيء ببعض السبايا الى يزيد بن معاوية بالشام فادخلوهم عليه وهم مقيدون بحبل واحد، فالتفت الإمام بجرأة وإباء الى يزيد وقال:
» ما ظَنُّكَ بِرَسُولِ اللهِ لَوْرَآنا مُوَثَّقِينَ فِي الحِبال « .
اثارت عبارته القاطعة على اختصارها شجون الحاضرين وجعلتهم يبكون.
روى البعض: كنت في الشام حين جيء بسبايا آل محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان في سوق الشام مسجد تحفظ فيه الاسرى، فتقدم شيخ من أهل البلاد منهم وقال: الحمد لله الذي أهلككم وأطفأ الفتنة ـ واكثر من الكلام البذيء. فلما فرغ من كلامه قال له الإمام زين العابدين (عليه السلام).
سمعت مقالتك واَبنتَ لي عن العداء والضغن الذي في قلبك فاسمع مني كما سمعت منك.
قال: قل.
قال (عليه السلام): فهل قرأت القرآن؟
قال: قد قرأت.
قال (عليه السلام): فهل قرأت [ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْه أجْراً اِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى].
قال: قرأتها.
قال (عليه السلام) فنحن القُربى يا شيخ.
ثم قال (عليه السلام): فهل قرأت (آتِ ذَا القُرْبى حَقَّهُ).
قال الشيخ بلى قرأتها.
قال (عليه السلام): فنحن ذووالقربى، الذين أمر الله نبيه بايتائهم حقهم.
فقال الرجل: أأنتم هم؟
قال الإمام (عليه السلام): بلى. فهل قرأت آية الخمس (وَاعْلَمُوا أنَّ ما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيء فَاَنَّ للهِِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى).
قال: بلي قرأتها.
قال (عليه السلام): فنحن هم. فهل قرأت آية التطهير (إِنَّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرَّجْسَ أهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّركُمْ تَطْهيراً).
فرفع الشيخ يديه نحو السماء وقال: رباه تبتُ اليك... قالها ثلاثاً، الهي تبت اليك من عِداء آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأبرأ اليك من قتلتهم، قد قرأت القرآن من قبل فما علمت ذلك.
الإمام (عليه السلام) في مسجد الشام:
أمر يزيد يوماً أحد الخطباء ليرقى المنبر ويسبَّ علياً. وابنه الحسين (عليهما السلام) وينال منهما، فرقى الرجل المنبر، وأطلق لسانه فيهما يسبهما شر سباب وينعتهما باقبح النعوت ويثني على يزيد ومعاوية.
وكان الإمام (عليه السلام) حاضراً فصاح: الويل لك أيها الرجل اشتريت رضى المخلوق بسخط الخالق، فتبوّأ مقعدك من النّار.
ثم التفت الى يزيد وقال: دعني أرتقي هذه الاعواد فأقول ما يرضي الله ويُنال به الأجر والثواب.
فامتنع يزيد باديء الامر، وأصرّ عليه النّاس ليقبل فقال: انّه ان ارتقاه فلن ينزل منه الاّ بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان.
فقالوا له: وما ذا بوسعه ان يقول؟
قال: انّه من أهل بيت زقوا العلم زقّا وارتضعوه ارتضاعاً.
فأصر النّاس على يزيد أكثر فقبل، وارتقى الإمام (عليه السلام) المنبر فحمد الله واثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال:
الحمدُ لله القديم الباقي، الأول الذي لا أول قبله، والاخر الذي لا آخر بعده، الباقي بعد فناء كل شيء.
أيها النّاس... ان الله أعطانا العلم والحلم والصبر والسخاء والفصاحة والشجاعة والمحبة في قلوب المؤمنين...
منا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وصدّيق هذه الأمة أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ومنّا جعفر الطّيّار، ومنا حمزة سيّد الشهداء، ومنّا الحسن والحسين ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنا مهديُها
... أنا ابن مكة ومنى.
أبا ابن زمزم والصفا.
أنا ابن من حمل الحجر (الأسود) بأطراف الردا.
أنا ابن خير من حرم وطاف وحجّ وسعى.
أنا ابن من اُسري به ليلاً من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى.
أنا ابن من أوحى الله له ما أوحى.
أنا ابن الحسين المقتول بكربلا.
أنا ابن محمد المصطفى.
أنا ابن فاطمة الزهراء.
أنا ابن خديجة الكبرى.
أنا ابن المضرج بالدما.
وكان الإمام (عليه السلام) يتكلم والنّاس ينظرون اليه، وهو يظهر في كل جملة عظمة البيت الذي ينتسب إليه، وعمق شهادة أبيه الحسين (عليه السلام). واغرورقت العيون بالدموع واحتبست أصوات البكاء والنحيب في الحناجر، ثم سمعت أصوات بكاء محتبس من كل ناحية، فذعر يزيد ذعراً شديداً، وأمر المؤذن ليرفع صوته بالاذان فيهدأ النّاس ويقطع كلام الإمام.
فقال المؤذن: الله اكبر.
قال الإمام (عليه السلام): من على ظهر المنبر: الله اكبر وأعلى وأجل وأرفع مما أخافُ وأحذر.
فقال المؤذن: أشهد أن لا اله إلاّ الله.
فقال الإمام (عليه السلام): أجل أشهد بكل شهادة أن لا إله إلاّ هو.
فقال المؤذن: أشهد أن محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
(وكانت الرؤوس مطأطأة الى الأرض تنصت بتأمل الى صوت المؤذن وجواب الإمام، فلما ذكر اسم محمّد (صلى الله عليه وآله) صعّد الناس بأنظارهم نحو الإمام (عليه السلام) وفي أعينهم حجاب الدموع كأنّهم يرون فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
فرفع الإمام العمامة من رأسه وصاح: عليك بمحمّد هذا اِلاّ ما تريثت... (فسكت المؤذن، وأنصت النّاس... وتحيّر يزيد، وتغيّر لونه، فحتى الاذان لم يسكت الإمام).
والتفت الإمام (عليه السلام) الى يزيد وقال:
... يا يزيد ! أهذا جدي أم جدك؟ فان قلت جدك، كذبك النّاس، وان قلت جدّي فلم قتلت أبي ونهبت ماله وسبيت حرمه؟ !
… يا يزيد… ألا زلت تصدق أن محمّداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتقف الى القبلة تصلي؟... الويل لك... سيكون جدِّي وأبي خصيميك يوم القيامة.
فأمر يزيد المؤذن ليقيم، هذا والنّاس منزعجون، وغادر بعض المسجد ولم يحضر الجماعة.
ويحدثنا التاريخ نفسه ـ والتاريخ خير محدِّث ـ عن مدى التأثير الذي تركته أقوال الإمام وخطاباته في سفره هذا، فقد أرجع يزيد الإمام السجاد (عليه السلام) ومعه جميع أهل البيت معززين مكرمين الى المدينة، وكان قد أضمر ليقتلنّه. ولم يمض وقت طويل حتّى ارتفعت رايات الثورة ضد النظام الاموي في العراق والحجاز، وثار الآلاف من النّاس يطالبون بالثأر لدماء سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، ولا نزاع في ان سبي حرم الحسين (عليه السلام) وأهل بيته الكرام، وخطاباتهم واحاديثهم مع النّاس، وبالأخص خطب الإمام السجاد (عليه السلام) الرنانة في الفرص المواتية خير متمم ومبلغ الأهداف المرجوة من ثورة سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
________________________________________
تذكرة الخواص، ص 149، طبعة فرهاد ميرزا.
سورة الشورى، الآية 23.
سورة الإسراء، الآية 26.
سورة الأنفال، الآية 40.
سورة الأحزاب، الآية 33.
الاحتجاج للطبرسي ص 167، طبعة النجف عام 1350 هـ. ق.
الكامل للشيخ البهائي ج 2 ص 300.
نفس المهموم للمحدّث القمي ص 284. المطبعة الإسلامية.
اشارة الى قصة وضع الحجر الأسود بيد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في العام الخامس والثلاثين بعد عام الفيل.
إشارة الى قصه المعراج.
الكامل للبهائي ج 2 ص 300.
الكامل للبهائي ج 2 ص 300 ـ 302 باختصار.
الإمام العليل:
يطلق كثير من العامة على الإمام الرابع اسم (علي العليل)، وقد يظنون ان ذلك العظيم قضى عمره مريضاً متشكياً، ولذا كان البعض يتخيل الإمام (عليه السلام) باهت اللون خائر النفس.
لكن الواقع خلاف ذلك وانه (عليه السلام) قضى عمره صحيحاً سليم الجسم،لم يزره المرض الا مدّة قصيرة بكربلاء أيام مصرع أبيه، وكان له وقاء من الموت، وقاه الله به ومنعه من أن تصل اليه أيدي أعوان يزيد فلا تنقطع بموته سلسلة الإمامة ويتعرض مستقبل الإسلام للخطر.
وفيما يلي بعض الروايات الوارده في مرضه:
روى الشيخ المفيد في الإرشاد: أقبل الشمر في جماعة من الجند الى الخيام، وفيها علي بن الحسين (عليه السلام) وهو مريض طريح الفراش.
وكتب مؤلف تذكرة الخواص يقول: ولم يقتلوا علي بن الحسين (عليه السلام) لانّه كان مريضاً.
وجاء في الطبقات: ان الشمر جاء علي بن الحسين (عليه السلام) بعد شهادة أبيه الحسين (عليه السلام) وكان مريضاً، فقال لمن حوله اقتلوه، فقال رجل من حوله، سبحان الله أنقتل الفتى وهو مريض ولم يسهم بقتال؟ !.
فأقبل ـ عمر بن سعد ـ وقال لا تمسوا النساء وهذا المريض.
وكتب البعض ان مرضه أو بقاياه لم يزل به حتى قدم الكوفة.
ثم لم يرى الإمام بعدها مريضاً أبداً بل دلت القرائن التي في أيدينا انّه (عليه السلام) كان يتمتع بصحة تامة شأنه شأن سائر الأئمة لم يصب في حياته إلا في بعض الأوقات، وكان يؤدي واجبات الإمامة بصورة رتيبة.
الإمام السجّاد (عليه السلام) وولاة عصره:
ولي الحكم في عهد إمامة السّجّاد (عليه السلام) العديد من ولاة الجور والحكام الظلمة منهم يزيد بن معاويه، وعبد الله بن الزبير، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك، وقد حكم كل منهم المسلمين ردحاً من الزمن، ونذكر فيما يلي جوانب من جرائهم للتعرف على أحوال ذلك الزمان.
في العام الثاني والستين من الهجرة وبعد مقتل سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام)، خرج جمع من أهل المدينة الى الشام فدخلوها وشاهدوا يزيد عن قرب يشرب الخمر ويلهو مع الكلاب ويقضي ليله في اللهو واللعب والفجور، فعادو وحدّثوا النّاس بالخبر وكان مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) قد أحزن أهالي المدينة فرفعوا لواء الثورة، فبعث يزيد جيشاً بقيادة شخص ساقط ومنحط يدعى ـ مسلم بن عقبة ـ لقمع الخارجين عليه فاغار الجيش على المدينة ثلاثة أيام ونهبوا الدور وأباحوا الدماء وقتلوا عشرة الآلاف رجل، ولم يتورعوا عن ارتكاب أقبح الجرائم وأشنعها
وبعد موت يزيد في العام الرابع والستين من الهجرة، استوى على مقعد الحكم بعده ابنه معاوية، لكنّه بعد مدة قصيرة ـ أربعين يوماً أو ثلاثة أشهر ـ عاد فارتقى المنبر وأعلن استقالته وتنازله عن الحكم\.
وكان عبد الله بن الزبير طامعاً في الخلافة منذ أمد غير قصير، فأعلن الثورة بموته، وبايعه عليها أهل الحجاز واليمن والعراق وخراسان، وتصدّى لمخالفته مروان بن الحكم الذي كان قد احتال للاستيلاء على الحكم، فتمكن بشتى الحيَلْ من إخضاع الشام ومصر لسلطانه وادخالهما تحت نفوذه، ولم يلبث حتى مات، فخلفه من بعده ابنه عبد الملك.
تولى عبد الملك بن مروان الحكم في العام الخامس والستين من الهجرة، وبعد تثبيت أقدامه حاصر عبد الله بن الزبير في مكّة في العام الثالث والسبعين الهجري فاعتقله ثم أمر به فقتل.
كان عبد الملك رجلاً قاسي القلب بخيلاً ظالماً، قال يوماً ـ لسعيد بن المسيب ـ صرتُ لا اُحب الخير ولا أبغض القبيح فقال له سعيد: فقد مات قلبك اذن.
قال في خطبة خطبها بعد مقتل عبد الله بن الزبير: ما دعاني أحد الى التقوى اِلا ضربت عنقه.
من عظيم جناياته انّه أسند الى ـ الحجّاج بن يوسف ـ ولاية البصرة والكوفة، والحجاج من أبطش رجال بني امية وأعظمهم سفكاً للدماء كان يعشق القتل والظلم فكان يعذّب النّاس وينكّل بهم ويقتلهم خصوصاً شيعة علي (عليه السلام) وقد قتل في فترة ولايته ما يقرب من مئة وعشرين ألف رجل.
كان عبد الملك شديد المراقبة للإمام (عليه السلام) وجهد ليظفر منه ما يتمسك به ذريعة للنّيل منه.
تزوج الإمام السجّاد (عليه السلام) جارية له كان قد اعتقها نفسه فعلم عبد الملك الخبر فكتب له كتابا يعرّض به فقال:
» بلغني تزويجك مولاتك وقد علمت انّه كان كان في اكفائك من قريش من تمجّد به في الصهر وتستنجيه في الولد فلا لنفسك نظرت ولا على ولدك أبقيت والسلام « .
فكتب اليه الإمام جواباً على ما جاء في كتابه:
» أما بعد فقد بلغني كتابك تعنفي بتزويجي مولاتي وتزعم انّه كان في نساء قريش من أتمجّد به في الصهر واستنجبه في الولد وانّه ليس فوق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرتقى في مجد ولا مستزاد في كرم انّما كانت ملك يميني خرجت حتى أراد الله عزّ وجلّ مني بأمر التمس به ثوابه ثم ارتجعتها على سنة، ومن كان زكيّا في دين الله فليس يخل به شيء من أمره وقد رفع الله بالإسلام الخسيسة وتمم به النقيصة « .
أراد عبد الملك تحقير الإمام (عليه السلام) وإدخال الرعب في قلوب النّاس والحيلولة دون أي نشاط فبعث وراءه من يأتي به بعنف، فجيء به ثم أعاده الى المدينة
وبعد موت عبد الملك في العام السادس والثمانين الهجري خلفه ابنه ـ الوليد ـ وكان رجلاً ظالماً جبّاراً، كتب جلال الدين السيوطي عنه يقول: ـ كان الوليد جباراً ظالماً ـ
قال في أول خطبة خطبها في النّاس: » ايّما أحد تطاول قتلناه ومن يسكت قتله سكوته « .
كان الوليد كغيره من الولاة الظلمة يخشى الإمام (عليه السلام) و ذيوع صيته في النّاس وينزعج لعظم مقامه وعلوّ منزلته، وكان يحذر ان يلتف النّاس حوله ويهدّوا سلطانه، فلم يطق تحمل وجوده في جماعة المسلمين فكاد له حتى دس له السم وقضى مسموماً.
وبالتأمل في أوضاع الفترة التي قضاها الإمام السجّاد (عليه السلام) إماماً حيث الأزمات الاجتماعية، و التيارات المتضاربه، وولاة الجور الظلمة، والمراقبة الشديدة له، وفقدان الموالين المخلصين المضحين يتضح لنا انّه ما كان له سبيل سوى الصراع السلبي وتربية الموالين والتلامذة المخلصين ونشر مسائل العلم والأخلاق.
رآه أحدهم في طريق مكة حاجاً فقال له: تركت سبيل الجهاد وعورته وأخذت طريف الحج؟
فقال (عليه السلام): لو وجدنا اتباعاً مضحين لكان الجهاد خيراً منه.
يروي ابو عمر النهدي عن الإمام السجّاد انّه كان يقول: ليس لنا في مكة والمدينة عشرون رجلاً.
الإمام (عليه السلام) وتربية المسلمين:
من جملة نشاطاته (عليه السلام) بعد واقعة كربلاء، وعودته الى المدينة، نشر الأحاديث والعلوم الإسلامية بواسطة عدة من المسلمين وتربيتهم.
فقد ذكر الشيخ الطوسي في رجاله اثنين وسبعين رجلاً من أصحاب الإمام (عليه السلام) أو ممن يروي عنه بأسمائهم، نورد فيما يلي أسماء ثلاثة منهم:
1 ـ سعيد بن المسيّب: قال عنه الإمام (عليه السلام) نفسه، سعيد بن المسيّب ـ أعلم النّاس بما تقدمه من الاثار، وأفهمهم في زمانه).
2 ـ ابو حمزة الثمالي: قال فيه الإمام الثامن ـ علي بن موسى الرضا ـ (عليه السلام)، أبو حمزة سلمان زمانه.
3 ـ سعيد بن جبير: كان كثير العلم حتى قيل عنه:
« ليس على وجه الأرض من هو مستغن عن علم ابن جبير ».
إعتقله رجال الحجاج يوماً، وجاءوا به عنده، فقال الحجاج: انت شقي بن كسير لا سعيد بن جبير.
فقال سعيد: ان اُمي
اعلم حينما سمتني سعيداً.
فقال الحجاج: فما ترى في أبي بكر وعمر في الجنة هما أم في النّار؟ (يريد أن يقول سعيد شيئاً يقتله به).
فقال سعيد: اذا دخلت الجنة ورأيت أهلها فسوف أعلم من هم أهلها، وان وردت النّار ورايت اهلها فسوف اعرفهم.
فقال الحجاج: ما ترى في الخلفاء؟
قال سعيد: لستُ موكلا بهم.
الحجاج: فأيهم تحبه اكثر من غيره.
سعيد: من كان أرضاهم لله.
الحجاج: فأيهم أرضاهم لله.
سعيد: الله العالم بالخفايا والأسرار يعلم ذلك.
الحجاج: لم لا تضحك؟
سعيد: كيف يضحك من خلق من تراب وقد تحرقه النّار.
الحجاج: فلماذا نضحك نحن؟
سعيد: قلوب النّاس ليست سواء.
فأمر الحجاج ليؤتى بالمجوهرات وتوضع إمام سعيد.
فقال سعيد: ان إدخرت هذه لتنجوبها من عذاب القيامة فلا بأس عليك وإلا فاعلم انّها تذهل كل مرضعة عما أرضعت، فلا خير في ادخار الثروة الاّ ما كان زكيّا خالصاً.
فأمر الحجاج ليؤتى بالآت اللهو والطرب فبكى سعيد.
قال الحجاج: كيف تريد ان تقُتَل؟
قال سعيد: كما تحب، والله ما قتلتني قتلة إلا قتلكَ الله مثلها يوم القيامة.
قال الحجاج: أترغب أن أعفو عنك.
قال سعيد: ان كان هناك عفو فهو من عند الله ولن اطلب صفحاً منك أبداً.
فأمر الحجاج ليمد بساط القتل فقال سعيد، (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ للَّذي فَطَرَ السَّمواتِ وَالاَرْضَ حَنيفاً وَما أنا مِنَ الْمُشْرِكينَ.
فقال الحجاج: حوّلوا وجهه عن القبلة.
قال سعيد: فَاَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ.
فقال الحجاج: اجعلوا وجهه الى الأرض.
قال سعيد: مِنْها خَلَقْناكُمُ وَفيها نُعِيدكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً اُخْرى.
فقال الحجاج: افصلوا رأسه.
قال سعيد: أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وَاَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. (صلى الله عليه وآله وسلم).
ثم دعا فقال: اللهم لا تسلّطهُ على أحد من بعدي.
ولم تمض سوى لحظات قليلة حتى كان دم سعيد بن جبير الطاهر يجري بأمر من الحجّاج.
كان سعيد بن جبير من صحابة الإمام (عليه السلام) وشيعته، وكان الإمام (عليه السلام) يجله كثيراً، ولم يكن له ذنب يؤاخذ عليه الاّ قربُه منه.
________________________________________
الارشاد للشيخ المفيد ص 226.
تذكرة الخواص ص 183 مطبعة فرهاد ميرزا.
الطبقات ج 5 ص 157 طبعة ليدن.
اللهوف لابن طاووس ص 128 طبع سنه 1317 هـ. ق.
الكافي ج 7 ص 56.
الكامل لابن الاثير ج 4 ص 103.
البدآية والنهآية لابن كثير ج 8 ص 221 الطبعة الاولى.
الكامل لابن الاثير ج 4 ص 130.
تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 212 طبعة عام 1383 هـ. ق.
الكامل لابن الاثير ج 4 ص 348 وما بعدها.
الكامل لابن الاثير ج 4 ص 521 ـ 522.
الكامل لابن الاثير ج 4 ص 587.
الكافي ج 5 ص 344.
تذكرة الخواص ص 183.
تاريخ الخلفاء ص 224.
تاريخ الطبري ج 8 ص 1178.
المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 311.
الاحتجاج للطبري ص 171 طبعة النجف سنة الطبع 1350 هـ. ق.
شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 4 ص 104 طبعة 20 جلد.
رجال الشيخ الطوسي ص 81 وما بعدها.
رجال الكشي ص 119 طبعة جامعة مشهد.
رجال الكشي ص 119 طبعة جامعة مشهد.
المناقب لابن شهر آشوب ج 3 ص 311.
يُيرد تحقيره.
رجال الكشي ص 119.
سورة الأنعام، الآية 79.
سورة البقرة، الآية 115.
سورة طه، الآية 55.
روضات الجنّات ـ الطبعة الثانية (قديمه) ـ ص 310 باختصار.
رجال الكشي ص 119.
الصحيفة السجّادية:
لا يخفى ان القصد الى الدعاء والاستعانة بالله ودعوته عند التعرض للمشكلات والصعوبات دافع فطري، فلذا نجد المرء إذا قصرت يده عن بلوغ الاسباب، واغلقت في وجهه جميع السبل، يمديد العون بلا إرادة وشعور الى قدرة الله العظيمة ورحمته الواسعة ليدعوه ويطلب منه، فيحصل له من ذلك اطمئنان وسكينة عند ما تعصف المشاكل به، ويقل اضطرابه ويموت قلقه ويقدم على معالجة الأمور بنفس مطمئنة راسخة.
يعلم علماء النفس واصحاب الرياضات الروحية ان الدعاء خير علاج للروح العليلة ومنعش للنفوس التي استولى عليها الملل فهو يسكن الأوجاع الباطنة ويقلل من ضغط المصائب.
وقد استثمر الإسلام هذا الإحساس الفطري لما فيه هداية البشر وتعليمهم وتربيتهم، فعلَّم الأئمة (عليهم السلام) بالأدعية المختلفة والتوسلات والمناجاة التي خلفّوها لاتباعهم وشيعتهم كثيراً من المعارف والعقائد الحقّة، ونبهوهم الى معالجة كثير من الأمراض والعُقد النفسية.
كتب أحد العلماء بهذا الصدد يقول:
إن من أعظم ذخائر الإسلام العلمية والتربوية الأدعية التي خلّفها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته أئمة الهدى (عليهم السلام)، فمسائل التوحيد والإلهيات، والنبوة والإمامة ونظام الحكومة والرئاسة والأخلاق والحقوق المدنية، والأحكام والآداب المختلفة جميعها وردت في أدعيتهم حتى أنّه ليمكن القول بان اورادهم وحدها تشكل مدرسة عظمية الأثر. في نمو الفكر ورقيّ المسلمين روحياً واجتماعياً، فما لم يتعرف المسلمون على معالم هذه المدرسة لن يتمكنوا من معرفة شخصيتهم الإسلامية بصورة دقيقة.
وتبدوا الصحيفة السجادية من بين الأدعية المأثورة عن أئمتنا (عليهم السلام) ساطعة كالشمس.
واطّلع عليها عالم كبير من علماء أهل السنة (صاحب تفيسر الجواهر) كان قد بعثت له الحوزة العلمية في ـ قم المقدسة ـ بنسخة من هذا الكتاب فكتب عنها ما يلي:
» تسلمت كتابكم بيد التبجيل فوجدته فريداً من نوعه يشتمل على علوم ومعارف وحكم لا توجد في غيره، وانّه لمن سوء الحظ لم نعثر على هذا الأثر القيم الخالد الباقي من ميراث النبوة وأهل البيت (عليهم السلام) الى الان. وأني كلما طالعته وامعنت النظر فيه وجدته فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق وانّه لكتاب كريم حقا، أجركم الله على هديتكم أفضل الأجر وأيّدكم ووفقكم «.
وللاحاطة بهذا الكتاب الجليل نذكر فيما يلي فهرس الأدعية الواردة فيه ثم نعرض بعضاً من هذه الأدعية.
1 ـ التحميد لله عزّ وجلّ.
2 ـ الصلاة على محمّد وآله (عليهم السلام).
3 ـ الصلاة على حملة العرش.
4 ـ طلب الرحمة لمصدقي الرسل.
5 ـ دعاؤه لنفسه وخاصته.
6 ـ دعاؤه عند الصباح والمساء.
7 ـ دعاؤه في المهمّات.
8 ـ دعاؤه في الاستعاذة.
9 ـ دعاؤه في الاشتياق.
10 ـ دعاؤه في اللجوء الى الله تعالى.
11 ـ دعاؤه بخواتم الخير.
12 ـ دعاؤه في الاعتراف.
13 ـ دعاؤه في طلب الحوائج.
14 ـ دعاؤه في الظلامات.
15 ـ دعاؤه عند المرض.
16 ـ دعاؤه في الاستقالة.
17 ـ دعاؤه على الشيطان والاستعاذة منه ومن عداوته وكيده.
18 ـ دعاؤه في المحذورات.
19 ـ دعاؤه في الاستسقاء.
20 ـ دعاؤه في مكارم الأخلاق.
21 ـ دعاؤه إذا أحزنه أمر.
22 ـ دعاؤه عند الشدّة.
23 ـ دعاؤه بالعافية.
24 ـ دعاؤه لأبويه.
25 ـ دعاؤه لولده.
26 ـ دعاؤه لجيرانه.
27 ـ دعاؤه لاهل الثغور.
28 ـ دعاؤه في التفزّع.
29 ـ دعاؤه إذا قتّر عليه.
30 ـ دعاؤه في المعونة على قضاء الدين.
31 ـ دعاؤه بالتوبة.
32 ـ دعاؤه في صلاة الليل.
33 ـ دعاؤه في الاستخارة.
34 ـ دعاؤه إذا ابتلي ورأى مبتلى بفضيحة بذنب.
35 ـ دعاؤه في الرضا بالقضاء.
36 ـ دعاؤه عند سماع الرعد.
37 ـ دعاؤه في الشكر.
38 ـ دعاؤه في الاعتذار.
39 ـ دعاؤه في طلب العفو.
40 ـ دعاؤه عند ذكر الموت.
41 ـ دعاؤه في طلب الستر والوقاية.
42 ـ دعاؤه عند ختمه القرآن.
43 ـ دعاؤه اذا نظر الى الهلال.
44 ـ دعاؤه لدخول شهر رمضان.
45 ـ دعاؤه لوداع شهر رمضان.
46 ـ دعاؤه للعيدين والجمعة.
47 ـ دعاؤه لعرفة.
48 ـ دعاؤه للأضحى والجمعة.
49 ـ دعاؤه في دفع كيد الأعداء.
50 ـ دعاؤه في الرهبة.
51 ـ دعاؤه في التضرع والاستكانة.
52 ـ دعاؤه في الإلحاح.
53 ـ دعاؤه في التذلل.
54 ـ دعاؤه في استكشاف الهموم.
وقد كتب للصحيفة السجّادية شروح كثيرة باللغتين العربية والفارسية، أوصلها العلامة الشيخ آقا بزرگ الطهارني في كتابه العظيم الذريعة. الى ما يقرب من سبعين شرحاً طبع منها شرح (السيد علي خان الكبير) ومختصره (تلخيص الرياض) وهما الان في متناول اليد، كما ترجمها قدامى علماء الشيعة الى اللغات المختلفة وبترجمات متعددة الا ان أيا منها لم يطبع الى الان.
وترجمها بعض المعاصرين في الاعوام الاخيرة الى اللغة الفارسية نذكر بعض من طبع منها:
1 ـ ترجمة المرحوم الشيخ أبي الحسن الشعراني.
2 ـ ترجمة المرحوم الشيخ مهدي الهي القمشه اى.
3 ـ ترجمة فيض الإسلام.
4 ـ ترجمة جواد فاضل.
5 ـ ترجمة صدر البلاغي.
________________________________________
يراجع ما جاء في خاتمة الصحيفة السجادية طبعة آخوندي.
الذريعة ج 13 ص 345 وما بعدها.
من علماء القرن الحادي عشر الهجري.
ونحن نستعرض هنا بعض أدعية الصحيفة السجادية:
يقول الإمام (عليه السلام) في الدعاء الثامن » اللهمّ انّي اعوذ بك من هيجان الحرص، وسورة الغضب، وغلبة الحسد، وضعف الصّبر، وقلّة القناعة، وشكاسة الخُلُقِ، واِلحاحِ الشّهوة، وملكة الحميّة، ومتابعة الهَوى، ومُخالَفَة الهُدى، وسِنَةِ الغَفلة، وتعاطِي الكُلفة، وايثارِ الباطل على الحق، والاصرار والاِزراء بالمُقلّين، وسُوء الولاية لِمَن تحتَ أيدينا، وتَرْكِ الشُكر لِمن اصطنع العارِفة عندنا، أو أن نعضُدَ ظالِماً، أو نَخْذُل ملهُوفاً، أو نَروم ما ليس لنا بحق، أو نقولَ في العلمِ بغير علم. ونعوذُ بِكَ اَن ننطوي على غِشّ اَحد وَاَن نُعجِبَ باعمالِنا ونَمُدَّ في آمالنا. ونَعوذُ بِكَ من سوء السريرة، واحتقار الصغيرة، وأن يستحوذَ علينا الشيطانُ أو ينكبنا الزّمان أو يتهضَّمَنا السُلطان، ونعوذُ بك من تناول الإسراف ومن فقدان الكفاف، ونعوذ بك من شماتة الأعداء، ومن الفقر الى الاكفاء، ومن معيشة في شدّة، وميتة على غيرُ عدّة، ونعوذُ بك من الحسرة العظمى، والمصيبة الكبرى، وأشقى الشّقاء، وسُوء ألمآب، وحرمان الثواب، وحُلول العقاب، اللهمّ صلّ على محمّد وآله وأعِذني من كُلّ ذلك برحمتك وجميع المؤمنينَ والمؤمنات برحمتك يا أرحم الرّاحمين « .
ويقول في الدّعاء العشرين وهو المعروف بدعاء مكارم الأخلاق « اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وبلّغ بايماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين، وانْتَهِ بنيّتي الى أحسنِ النيّات،وبعملي الى أحسن الأعمال.
اللهمّ وفّر بلطفك نيّتي، وصحّحّ بما عِندَك يقيني، واستصلح بقُدْرَتكَ ما فسد منّي.
اللهمّ صلّ على محمّد وآله، وأكفني ما يشغلني الاهتمام به، وأستعملني بما تسألني غداً عنه، وأستفرغ أيّامي فيما خلقتني له، وأغنني وأوسع عليَّ رزقك ولا تفتنّي بالنّظر، وأعزّني، ولا تَبتَلني بالكبر، وعبدني لك، ولا تُفِسدْ عبادتي بالعُجب، وأجر للنّاس على يدي الخير ولا تَمْحَقه بالمنّ، وهب لي معالي الاخلاق، وأعصمني من الفخر.
اللهمّ صلّ على محمّد وآله، ولا ترفعني في النّاس درجة الا حططتني عند نفسي مِثَلها، ولا تُحْدِث لي عزّاً ظاهراً الا أحدثت لي ذِلَّةً باطنة عند نفسي مثلها.
اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد و متّعني بِهُدى صالح لا أستبدلُ به وطريقةِ حق لا أزيغُ عنها، ونيّة رُشد لا أشُك فيها، وعمّرني ما كان عُمري بذلةً في طاعتك، فاذا كان عمري مَرتَعاً للشيطان فاقبضني اليك قبل أن يَسبِقَ مقتكَ اليّ أو يستحكِمَ غضبُكَ عليَّ.
اللهمّ لا تَدع خصلَةً تُعابُ منّي إلاّ أصلحتها، ولا عائبة اؤنب بها الا احسنتَها، ولا أكُرُومةً فيَّ ناقِصةً الا اتممتَها.
اللهمّ صلّ على محمّد وأبدلني من بغضة أهل الشنآن المحبّة، ومن حسد أهل البغي المودّة، ومن ظنّة أهل الصلاح الثّقة، ومن عداوة الادنين الولاية، ومن عقوق ذوي الأرحام المَبَرَّة، ومن خِذلان الاقربين النُصْرة، ومن حُبّ المدارين تصحيح المِقَة، ومن رَدِّ المُلابسين كرم العشرة، ومن مرارة خوف الظالمين حلاوة الامنة.
اللهمّ صلّ على محمّد وآله واجعل لي يداً على من ظلمني، ولساناً على من خاصمني، وظفراً بمن عاندني، وهب لي مكراً على من كايدني، وقدرة على من اضطهدني، وتكذيباً لمن قَصَبَني، وسلامة على من توّعدني، ووفّقني لطاعة من سدَّدَني، ومتابعة من أرشدني.
اللهمّ صلّ على محمّد وآله وسدِّدني لان أعارض من غشّني بالنُصح، وأجزي مَنْ هجرني بالبرّ، وأثيِب من حرمني بالبذل، وأُكافيء من قطعني بالصلة، وأخالف من اغتابني الى حُسن الذّكر، وأن أشكر الحسنة وأُغْضني عن السيئة.
اللهمّ صلىّ على محمّد وآله وحَلّني بحلية الصالحين، وألبسني زينة المتّقين في بسط العدل وكظم الغيظ، واطفاء النائرة، وضمّ أهل الفرقة، واصلاح ذات البين، وافشاء العارفة، وستر العائبة، ولين العريكة، وخفض الجناح، وحُسن السيرة، وسكون الرّيح، وطيب المخالَفَة، والسبق الى الفضيلة، وايثار التفضّل، وترك التعيير، والافضال على غير المُستحق، والقول بالحقّ واِن عَزَّ، واستِقلالِ الخير واِن كَثُرَ من قولي وفعلي، واستِكثار الشرّ وان قَلَّ من قولي وفعلي، وأكمل ذلك لي بدوام الطّاعة ولُزُوم الجماعة ورفض أهل البدع ومستعمل الرأي المخترع.
رسالة الحقوق:
ومن آثاره (عليه السلام) العظيمة رسالة الحقوق التي دأب علماء الشيعة على نقلها في كتبهم القديمة، وقد نقلت بكاملها في كتاب » تحف العقول « ، » الخصال « والامالي.
ننقل في ما يلي القسم الأعظم منها:
حق الله: فأمّا حقّ الله الأكبر فانّك تعبده ولا تشرك به شيئاً، فإذا فعلت ذلك بالإخلاص جعل لك على نفسه ان يكفيك أمر الدّنيا والآخرة، ويحفظ لك ما تحبّ منهما.
حق النفس: حقّ نفسك عليك ان تستعملها بطاعة الله عزّ وجلّ.
وحقّ اللسان: اكرامه عن الخنا وتعويده الخير وترك الفضول التي لا فائدة لها والبرّ بالنّاس وحسن القول فيهم.
وحقّ السمع تنزيهه عن سماع الغيبة وسماع ما لا يحلّ سماعه.
وحقّ البصر: ان تغضّه عمّا لا يحلّ لك وتعتبر بالنّظر به.
وحقّ يدك: ان لا تبسطها الى مالا يحلّ لك.
وحقّ رجليك ان لا تمشي بهما الى ما لا يحلّ لك فبهما تقف على الصراط فانظر أن لا تزل بك فتردى في النّار.
وحقّ بطنك: ان لا تجعله وعاءاً للحرام ولا تزيد على الشبع.
وحقّ فرجك:ان تحصنه عن الزّنا وتحفظه من ان ينظر إليه.
وحقّ الصلاة: ان تعلم انّه ا وفادة الى الله عزّ وجلّ وانك فيها قائم بين يدي الله فاذا علمت ذلك قمت مقام العبد الذّليل الحقير الراغب الراهب الراجي الخائف المستكين المتضرّع المعظّم لمن كان بين يديه بالسكون والوقار وتقبل عليها بقلبك وتقيمها بحدودها وحقوقها.
وحق الصوم: أن تعلم انّه حجاب ضربه الله عزّ وجلّ على لسانك وسمعك وبصرك وبطنك وفرجك ليسترك به من النّار فإن تركت الصوم خرقت ستر الله عليك.
وحقّ الصدقة: ان تعلم انّها ذخرك عند ربّك ووديعتك التي لا تحتاج الى الإشهاد عليها وكنت بما تستودعه سرّاً أوثق منك بما تستودعه علانيّة وتعلم أنّها تدفع البلايِا والإسقام عنك في الدنيا، وتدفع عنك النّار في الاخرة.
وحقّ الحجّ: ان تعلم انّه وفادة الى ربّك وقرار اليه من ذنوبك وفيه قبول توبتك وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.
وحقّ الهدي: أن تريد به الله عزّ وجلّ ولا تريد به خلقه وتريد به الا التعرّض لرحمة الله ونجاة روحك يوم تلقاه.
وحقّ سائسك بالعلم (المعلم): التعظيم له والتوقير لمجلسه وحسن الاستماع اليه والاقبال عليه وأن لا ترفع عليه صوتك ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يجيب ولا تحدِّث في مجلسه أحداً ولا تغتاب عنده شيء أحداً وأن تدفع عنه اذا ذكر عندك بسوء وأن تستر عيوبه وتظهر مناقبه ولا تجالس له عدوّاً ولا تعادي له وليّاً فاذا فعلت ذلك شهدت لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ إسمه لا للنّاس.
وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم (الطلاّب): فأن تعلم أنّ الله عزّ وجلّ انّما جعلك قيّماً لهم فيما آتاك من العلم وفتح لك من خزائنه الحكمة فان أحسنت في تعليم النّاس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم زادك الله من فضله وإن أنت منعت النّاس علمك أو خرقت بهم عند طلبهم العلم منك كان حقّاً على الله عزّ وجلّ أن يسلبك العلم وبهاءه ويسقط من القلوب محلّك.
واما حقّ الزّوجة: فان تعلم ان الله عزّ وجلّ جعلها لك سكناً وأُنساً فتعلم ان ذلك نعمة من الله عليك فتكرمها وترفق بها وان كان حقّك عليها أوجب فانّ لها عليك أن ترحمها لانّها أسيرك وتطعمها وتكسوها وإذا جهلت عفوت عنها.
واما حقّ أمّك: أن تعلم انّها حملت حيث لا يحتمل أحد أحداً وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحداً، ووقّتك بجيمع جوارحها ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك،وتعرى وتكسوك، وتُضحي وتظل، وتهجر النّوم لأجلك ووقتك الحرَّ والبرد لتكون لها وانّك لا تطيق شكرها الاّ بعون الله وتوفيقه.
واما حقّ أبيك: فأن تعلم انّه أصلك وانك لولاه لم تكن، فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم ان اباك أصل النّعمة عليك فيه فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة الا بالله.
واما حقّ ولدك: فأن تعلم انّه منك ومضاف إليك في عاجل الدّنيا بخيره وشرّه وانّك مسؤول عمّا وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عزّ وجلّ والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنّه مثاب على الإحسان إليه معاقب على الإساءة إليه.
واما حقّ أخيك: فان تعلم انّه يدك وعزّك وقوّتك فلا تتخذه سلاحاً على معصية الله ولا عدَّة للظلم لخلق الله، ولا تدع نصرته على عدوّة والنّصحية له، فان أطاع الله والاّ فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلاّ بالله.
وأما حقّ ذي المعروف عليك: فأن تشكره وتذكر معروفه وتكسبه المقالة الحسنة وتخلص له الدّعاء فيما بينك وبين الله عزّ وجلّ، فاذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرّاً وعلانيّة، ثمّ إن قدرت على مكافأته يوماً كافيته.
وحقّ إمامك في صلاتك: فان تعلم أنّه تقّلد السفارة فيما بينك وبين ربك عزّ وجلّ وتكلّم عنك ولم تتكلم عنه، ودعا لك ولم تدع له، وكفاك هول المقام بين يدي الله عزّ وجلّ، فان كان نقص كان به دونك وان كان تماماً كنت شريكه، ولم يكن له عليك فضل فوقى نفسك بنفسه وصلاتك بصلاته فتشكر له على قدر ذلك.
واما حقّ جليسك: فأن تلين له جانبك وتنصفه في مجاراة اللفظ ولا تقوم من مجلسك الا باذنه، ومن يجلس إليك يجوز له القيام عنك بغير إذنك وتنسى زلاّته وتحفظ خيراته ولا تُسمعه إلا خيراً.
واما حقّ جارك: فاحفظه غائباً واكرمه شاهداً، ونصرته اذا كان مظلوماً ولا تتّبع له عورة فان علمت عليه سؤاً سترته عليه، فان علمت انّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلّمه عند شديدة وتقبّل عثرته وتغفر ذنبه وتعاشره معاشرة كريمة.
واما حق الصاحب (الصديق): فان تصحبه بالتفضّل والإنصاف وتكرمه كما يكرمك، ولا تدعه يسبق الى مكرمة وان سبق كافيته وتودّه كما يودّك وتزجره عمّايَهمّ به من معصيته وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذاباً.
واما حقّ الشريك: فان غاب كفيته: وان حضر رعيته، ولا تحكم دون حكمه، ولا تعمل برأيك دون مناظرته، تحفظ عليه ماله، ولا تخونه فيما عزّ أو هان من أمره فانّ يد الله عزّ وجلّ على الشريكين ما لم يتخاونا.
واما حقّ مالك: فأن لاتأخذه إلا من حلّه ولا تنفقه الا في وجهه، ولا تؤثر على نفسك من لا يحمدك، فاعمل فيه بطاعة ربّك، ولا تبخل به فتبؤ بالحسرة والنّدامة مع السعة.
واما حقّ غريمك الذي يطالبك: فان كنت موسرا أعطيته، وان كنت معسرا أرضيته، بحسن القول ورددته عن نفسك رّداً لطيفاً.
وحقّ الخليط: ان لا تغرّه ولا تغشّه ولا تخدعه وتتّقي الله في أمره.
وحقّ الخصم (المدّعي عليك): فان كان ما يدّعي عليك حقّاً كنت شاهده على نفسك ولم تظلمه وأوفيته حقّه، وان كان ما يدّعي باطلاً رفقت به، ولم تأت في أمره غير الرّفق، ولم تسخط ربّك في أمره.
وحقّ خصمك الذي تدّعي عليه: ان كنت محقّاً في دعواك اجملت مقاولته، ولم تجحد حقه وان كنت مبطلاً في دعواك اتّقيت الله وتبت اليه وتركت الّدعوى.
وحقّ المستشير: ان علمت له رأياً حسناً أشرت عليه وان لم تعلم أرشدته الى من يعلم.
وحقّ المشير عليك: ان لا تتّهمه فيما لا يوافقك من رأيه وان وافقك حمدت الله عزّ وجلّ.
وحقّ المستنصح: ان تؤدّي اليه النّصيحة وليكن مذهبك الرحمة له والرفق به.
وحقّ النّاصح: ان تلين له جناحك وتصغي اليه بسمعك فان أتى بالصواب حمدت الله عزّ وجلّ وان لم يوفّق رحمته ولم تتّهمه.
وحقّ الكبير: توقيره لسنّه وإجلاله لتقدّمه في الإسلام قبلك وترك مقابلته عند الخصام ولا تسبقه الى طريق ولا تتقدّمه ولا تستجهله، وإن جهل عليك احتملته وأكرمته لحق الإسلام وحرمته.
وحقّ الصغير: رحمته وتعليمه والعفو عنه والستر عليه والرّفق به والمعونة له.
وحقّ السائل: اعطاؤه على قدر حاجته.
وحقّ المسؤول: إن اعطى فاقبل منه بالشّكر والمعرفة بفضله، وان منع فاقبل عذره
وحقّ من سرّك لله: ان تحمد الله أولاً ثمّ تشكره.
وحقّ من سائك: أن تعفو عنه وان علمت أنّ العفو يضرّه انتصرت قال الله وعزّ وجلّ: (وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأَولئكَ مَا عَلَيْهِم مِن سَبِيل).
وحقّ أهل ملّتك: اضمار السّلامة لهم والرّحمة بهم والرّفق بمسيئهم وتألّفهم واستصلاحهم وشكر محسنهم وكفّ اللأذى عنهم وتحبّ ما تحب لنفسك وتكره لهم ما تكره لنفسك وان يكون شيوخهم بمنزلة أبيك وشبابهم بمنزلة اخوتك وعجائزهم بمنزلة أمّك وصغارهم بمنزلة أولادك.
وحقّ الذمّة: ان تقبل منه ما قبل الله منهم ولا تظلمهم ما وفو الله عزّ وجلّ بعهده.
* * *
قضى الإمام العظيم زين العابدين (عليه السلام) في الخامس والعشرين في الشهر محرم سنة خمس وتسعين للهجرة على المشهور عن عمر يناهز السابعة والخمسين مسموماً بأمر من الظالم الاموي ـ الوليد بن عبد الملك ـ على يد هشام بن عبدالملك بعد عُمر مليء بالعذاب والصراع والتحمل، وقبره اليوم الواقع في مقبرة البقيع الى جوار قبر الإمام الثاني الحسن المجتبى مزار للشيعة في العالم.
________________________________________
تحف العقول ص 255،تأليف ابن شعبة، من علماء القرن الرّابع الهجري ; ومن لا يحضره الفقيه، ج 2، ص 618 ; والخصال، ص 564 ; والامالي، ص 221 ; وهذه الكتب الثّلاثة من مؤلّفات الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381.
سورة الشّورى، الآية 41.
مناقب شهر أشوب ج 3 ص 311.