يوم واحد يفصلنا عن شهر رمضان الكريم، الذي ينتظره البعض لروحانياته الجميلة وطقوس عباداته، البعض الآخر ينتظره من أجل العزومات ولمة العيلة، بينما يراه آخرون صفقة فنية رابحة لما به من مسلسلات تلفزيونية كثيرة وبرامج فنية متنوعة وممتعة. ولكن يظل الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو حقيقة النجاح المدوي الذي تحققه برامج رمضانية بعينها رغم سخافتها وتفاهتها !
على رأسها برامج المقالب بالطبع التي ورغم كَم السِباب ووصلات الضرب التي تنهال سنويًا على أصحابها إلاّ أنّهم يُصرون كل عام على تقديمها؛ بسبب نجاحها في تحقيق نسبة مشاهدة عالية جالبةً إعلانات مهولة لصناعها ما يدفعهم لاستثمار النجاح وتكرار التجربة مرة أخرى في العام التالي، واثقين تمامًا من النجاح وغير عابئين بوصلات التهزيق المُستقلبية.
من البرامج التي نعلم أنّها ستحقق أعلى نسب المشاهدات هذا العام، لكننا لا ننصح أبدًا بمتابعتها :
رامز تحت الأرض
رامز جلال الفنان المثير للجدل والامتعاض مؤخرًا من جهة بسبب قسوة المقالب التي يُعرّض لها ضيوفه، ومن أخرى بسبب الشائعات التي تخرج كل عام، فتشير لأنّ الضيوف كانوا يعلمون مُسبقًا ما سيتعرضون له، وأنّهم يشتركون جميعًا معًا في الكذب على الجمهور.
وقد انفضح الموضوع أكثر هذا العام حين قام الإعلامي طوني خليفة بالكشف عن حقيقة التلاعب الذي يدور في برنامج رامز الجديد للإيقاع بضيوفه، جاء ذلك قبل رمضان بفترة كافية ليتخذ النجوم حذرهم، وهو ما تسبب في اعتذار الكثير من النجوم عن الموافقة على الاشتراك بالبرنامج، ما جعل صُنّاعه يلجأون لخطة بديلة لمعاودة اصطياد ضحاياهم.
علمًا بأنّ الخطة الأولى كانت كالتالي: تم الاتفاق مع الإعلامي نيشان الذي استغل ثقة النجوم فيه فأوهمهم أنّه سيستضيفهم بأحد البرامج التي يقدمها على أن يتم تصوير البرومو بالصحراء، وهناك في الصحراء يجد الضيوف أنفسهم وسط رمال متحركة تغوص فيها السيارة التي يركبونها ما يجعلهم يصابون بالرعب فيضطرون للقفز منها لتبدأ الرمال تسحبهم هم أيضًا، وعلى مسافة منهم يظهر كائنًا ضخمًا جدًا يخرج من بين الرمال ليهاجمهم، قبل أن يتضح بالنهاية أنّ هذا الكائن بداخله يقبع رامز جلال.
وقد حرص فريق إنتاج البرنامج هذا العام على أن يكون ضحاياه ليسوا فقط نجومًا عرب بل نجوم أيضًا ذي شهرة عالمية، من النجوم الذين شربوا مقلب رامز جلال: “الشاب خالد، محمود حميدة، ياسمين عبدالعزيز، يوسف الشريف، منة شلبي، خالد النبوي، لاعب الكرة رمضان صبحي، سما المصري، مايا دياب، الراقصة آلا كوشنير، فيفي عبده، ونجم الدراما الهندية شاروخان”.
وقد قيل أنّ شاروخان جاء أجره وحده عن تلك الحلقة 450 ألف دولار، أي ما يعادل 8 ملايين و 100 ألف جنيهًا مصريًا، وهو ما يدفعنا للتساؤل عن ميزانية البرنامج ككل، خاصةً أنّه سيتم عرضه تزامنًا مع إعلانات “الشحاتة” التي ستنهال علينا طلبًا للتبرعات في شهر رمضان ما يضعنا وسط حالة من التناقض البوهيمي التي تبرز المعنى وتوضحه!
هاني هز الجبل
للسنة الثالثة على التوالي يقوم النجم هاني رمزي بتقديم برنامج مقالب يقع ضحيته زملاءه من الفنانين، في سيناريو أقل ما يُقال عنه أنّ صُنّاعَهُ أشخاصٌ متهورون ومجانين، وحس دعابتهم متطرف للغاية!
فبرنامج هذا العام تدور أحداثه في لبنان، وتفاصيل المقلب كالتالي: يتم إقناع الضيف بأنّه سيقوم بزيارة دار أيتام موجودة أعلى جبل “القرنة السوداء” بلبنان، وهو أعلى جبل هناك، وخلال الطريق للدار يُفاجأ الضيف بالسيارة التي يركبها تصطدم بسيارة أخرى في الطريق المقابل، لتسقط سيارته من على ارتفاع شاهق فتعلق بين صخرتين.
حينها يتم إيهام الضيف بأنّ السائق أصيب بأزمة قلبية، ومن ثَم يتم إحضار ونش لرفع السيارة، إلاّ أنّه وبعد فعل ذلك يُفاجأ الضيف بانقطاع الحبل وسقوط السيارة مرة أخرى من على ارتفاع، وإن كان في الحقيقة هناك حبل آخر يمنع السيارة من السقوط الفعلي.
من النجوم الذين وقعوا ضحايا هذا المقلب : “ماجد المصري، أحمد شيبة، إيمان العاصي، سعد الصغير، دينا، مها أحمد، حسن الرداد، وأحمد آدم”.
السكة شمال
بجانب برامج المقالب التي يقدمها كبار النجوم، تظهر برامج أخرى تتلمس خطاها، وتحاول أن تنال من “السبوبة” جانب، لكنها على الأغلب تأتي دمها ثقيل وفقيرة الإنتاج.
هذا العام نشهد برنامج جديد في هذه السكة بعنوان “السكة شمال” وهو فكرة الدكتور هيثم الفيل، وأحداثه كالتالي: يتم إجراء مكالمة تليفونية مع الضيف وإيهامه بأنّه سيتم عمل مقابلة معه، ولكن فور ذهابه يفاجأ بأشخاصٍ غريبي الأطوار يحاولون إقناعه بالاشتراك معهم في بعض أعمال النصب مقابل مبالغ طائلة، وهو ما ينتج عنه أحيانًا انفعال الضيوف وأحيانًا أخرى مواقف كوميدية، جدير بالذكر أنّ ضيوف البرنامج هم مجموعة من أهل التمثيل والغناء وعالم الرياضة مثل: الممثل أحمد عزمي، لاعب الكرة هشام حنفي، والمطرب أحمد العطار.
عقوق الوالدين
"
أنا بحب البرامج اللي حواراتها بتكون سخنة"
سما المصري
برنامج آخر نعلم أنّه سيكون مثيرًا للجدل، ورغم اختلاف الغالبية معه شكلًا ومضمونًا إلاّ أنّه سيحقق –للأسف- نسبة مشاهدة عالية إن لم يكن استمتاعًا به، فللسخرية منه والتحفيل عليه على مواقع السوشيال ميديا، هذا البرنامج هو ما ستقدمه الراقصة سما المصري والذي يأتي بعنون:
“عقوق الوالدين”، وهو برنامج “اجتماعي – ديني” سيتم من خلاله مناقشة بعض المشاكل الأسرية على أن يقوم بالتعليق عليها بعض الدعاة الأزهريين الذين تصفهم سما المصري بــ”دعاة بجد”.
من المؤسف جدًا أن يكون هذا هو حال الإعلام المصري، وأن تكون تلك البرامج هي التي يقصدها المنتجون للربح، والغريب أنّنا في كل عام نظن أنّ صُنّاع تلك البرامج وصلوا السقف الأعلى للسماجه، والسفه ليتضح بعدها أنّ هناك ما هو أكثر.
ووسط التصاعد الدرامي والمرعب لهذه البرامج لا نملك سوى التساؤل: لماذا تنجح تلك البرامج رغم كل ما بها من انحطاط فكري وأخلاقي وإنساني، في حين تفشل برامج أخرى أكثر قيمة فنيًا وإنسانيًا؟ و إذا كان من يقومون بتقديم تلك البرامج أشخاص غير أسوياء، فلماذا تتم متابعها رغم الغضب منها واحتقارها؟
إجابتان فقط يمكن لعقلي تصورهما إمّا أنّ الجمهور يشاهد تلك البرامج بنوع من التشفي والحقد ليشمتوا بالنجوم الذين يكسبون الملايين في دقائق معدودة؟ أو أنّ الموازين الطبيعية كلها اُختلت وصار الوطن العربي كله يحتاج للذهاب لطبيب نفسي.