مناظرة الامام الصادق عليه السلام مع ابي حنيفة النعمان
*************************************
وفي رواية ان الصادق عليه السلام قال لابي حنيفة لما دخل عليه: من انت ؟
قال أبو حنيفة:
... قال عليه السلام: مفتي اهل العراق ؟ قال: نعم.
قال: بما تفتيهم ؟ قال: بكتاب الله.
قال: عليه السلام: وانك لعالم بكتاب الله، ناسخه ومنسوخه، ومحكمة و متشابهه ؟
قال: نعم.
قال: فاخبرني عن قول الله عزوجل: (وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي واياما آمنين) (1) سبا - 17 .
اي موضع هو ؟
قال أبو حنيفة: هو ما بين المكة والمدينة، فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه.
وقال: نشدتكم بالله هل تسيرون بين مكة والمدينة ولا تأمنون على دمائكم من القتل، وعلى اموالكم من السرق ؟ فقالوا: اللهم نعم. فقال أبو عبد الله: ويحك يا أبا حنيفة ! ان الله لا يقول الا حقا اخبرني عن قول الله عزوجل: (ومن دخله كان آمنا) (2) آل عمران - 97
اي موضع هو ؟
قال: ذلك بيت الله الحرام.
فالتفت أبو عبد الله إلى جلسائه وقال: نشدتكم بالله هل تعلمون: ان عبد الله بن الزبير وسعيد بن جبير دخلاه فلم يأمنا القتل ؟ قالوا: اللهم نعم. فقال أبو عبد الله عليه السلام: ويحك يا أبا حنيفة ! ان الله لا يقول الا حقا.
فقال أبو حنيفة: ليس لى علم بكتاب الله، انما انا صاحب قياس.
قال أبو عبد الله: فانظر في قياسك ان كنت مقيسا ايما اعظم عند الله القتل أو الزنا ؟
قال: بل القتل.
قال: فكيف رضى في القتل بشاهدين، ولم يرض في الزنا الا باربعة ؟
ثم قال له: الصلاة افضل ام الصيام ؟
قال: بل الصلاة افضل.
قال عليه السلام: فيجب على قياس قولك على الحايض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد اوجب الله تعالى عليها قضاء الصوم دون الصلاة.
قال له: البول اقذر ام المني ؟
قال البول اقذر.
قال عليه السلام: يجب على قياسك ان يجب الغسل من البول دون المنى، وقد وجب الله تعالى الغسل من المني دون البول.
قال: انما انا صاحب رأي.
قال عليه السلام: فما ترى في رجل كان له عبد فتزوج وزوج عبده في ليلة واحدة، فدخلا بامرأتيها في ليلة واحدة ثم سافرا وجعلا امرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم، فقتل المرأتين وبقي الغلامان ايهما في رأيك المالك وايهما المملوك وايهما الوارث وايهما الموروث ؟
قال: انما انا صاحب حدود.
قال: فما ترى في رجل اعمى فقأ عين صحيح واقطع قطع يد رجل، كيف يقام عليهما الحد.
قال: انما انا رجل عالم بمباعث الانبياء.
قال: فاخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون: (لعله يتذكر أو يخشى) (1)طه 44.
ولعل منك شك ؟
قال: نعم.
قال: وكذلك من الله شك إذ قال: (لعله) ؟
قال أبو حنيفة: لا علم لى.
قال عليه السلام: تزعم انك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه، وتزعم انك صاحب قياس واول من قاس ابليس لعنه الله ولم يبن دين الاسلام على القياس، وتزعم انك صاحب رأي وكان الرأي من رسول الله صلى الله عليه وآله صوابا، ومن دونه خطأ، لان الله تعالى قال: (فاحكم بينهم بما أراك الله) (2) المائدة 57 .
ولم يقل ذلك لغيره، وتزعم انك صاحب حدود، ومن انزلت عليه اولى بعلمها منك، وتزعم انك عالم بمباعث الانبياء، ولخاتم الانبياء اعلم بمباعثهم منك، لو لا ان يقال: دخل على ابن رسول الله فلم يسأله عن شيئ ما سألتك عن شيئ، فقس ان كنت مقيسا. قال أبو حنيفة: لا اتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس. قال: كلا ان حب الرياسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك تمام الخبر.
الأحتجاج : للشيخ الطبرسي :ج2 ص 115 و116 و117