هل الشر موجود في نفس كل إنسان؟
هل نحن أخيار أم أشرار؟ وهل يمكن استئصال العنف من النفس البشرية ؟ العلماء يبحثون عن أصول العنف في وعي الإنسان وعقله. آليات معقدة قد تحول الإنسان إلى آداة للقتل!
يشار إلى منفذين العمليات الارهابية دائما باعتبارهم أناس مرضى، وباعتبارهم نوع غريب من البشر لا صلة له بالناس الطبيعين.
قد يكون في داخل كلّ واحد منا وحش كامن ينتظر اللحظة المناسبة لينطلق في ارتكاب أفعال وحشية. وسيكون السؤال هنا: هل توجد بذور العنف في داخل كل فرد ؟
يواخيم باور
"غرائز عدوانية"
الطبيب النفسي (يواخيم باور) ينتمي لجيل وضع نظريات وطروحات (سيغموند فرويد) عن" غريزة العدوان" موضع سؤال وبحث. باور الذي نشر كتابا بعنوان" حاجز الألم، عن أصل العنف اليومي الذي يجتاح العالم" و أشار" السؤال الدائم عن كون العنف غريزة بدائية موجودة في كل إنسان يثير دائما اهتمام خبراء علم الأعصاب البيولوجي".
العلماء أجروا تجارب في محاولة لاكتشاف إن كان نظام المكافآت في العقل البشري يستجيب حين يقدم الناس على أعمال عنف دون أن يكونوا قد تعرضوا إلى استفزاز مسبق، فكانت النتائج: بالنسبة للإنسان العادي الطبيعي، لا يعرض العقل حوافز أو مكافآت على العنف إذا شارك المرء طوعا في أعمال عنف. "المنظومة ذات العلاقة في الدماغ لا تستجيب للعنف العشوائي" كما يقول باور
مضيفا" لكن هذه المنظومة تستجيب باتجاه مُجازاة الفاعل حين يبدي الإنسان تعاطفا مع ضحية ما أو يقدّر انجازا نفذه آخرون".
حافز الشر
اذا كان العنف ناتجا عن رغبة البعض بانتزاع إعجاب وتقدير الآخرين، فإنّ هذا الأمر رغم تناقضه الظاهر يبدو ثابتا من الناحية العلمية. فرغبتنا في أن يعرفنا الآخرون، وما يرافق ذلك من نشوة كيماوية تتفاعل في خلال المخ قد لا تدفعنا دائما لإقامة علاقات ايجابية متفاعلة مع الآخرين، بل قد تدفعنا إلى عكس هذا الاتجاه ( فتكون النتيجة قتل الآخرين وقطع الاتصال معهم).
الإقصاء- البذرة الحقيقية للعنف
"الناس مستعدون للانغماس في العنف لكسب الشهرة، كي يعرفهم العالم، فهذا يمنحهم نوعا من الانتماء" كما يقول الخبر النفسي. وهذا يفسر إقدام الشباب على الانتماء الى المنظمات الإرهابية ، فالأمر في النهاية يمنحهم شعورا أنهم باتوا في أيد أمينة، وتصل هذه الإشارة إلى منظومة الحوافز في الدماغ فتبعث إشارة رضا للوعي الإنساني.
هذه الآلية كما يرى باور، تقود مئات الناس إلى مغادرة أوروبا طوعا "للجهاد" في سوريا والعراق. "بوسعك أن تصفهم باحتقار بأنهم الفاشلون في الحياة، لكن لا ينبغي للمجتمع أن ينتج فاشلين، لاسيما أن هؤلاء الفاشلين سينضمون إلى مجاميع متطرفة كي ينالوا شعور الرضا عن نفسهم ويحققوا الاحترام المفقود لتلك النفس"، كما يشير الخبير باور.
ألم الإقصاء
حقيقة أن من يتوسلون بالعنف في طور من حياتهم هم في الغالب من الفاشلين في حياتهم، ليست اكتشافا جديدا. فهؤلاء ربما هجرتهم عائلاتهم، أو فشلوا في مدارسهم، أو أنّ غالبية مجتمعاتهم تنبذهم. الأوصاف التي يتداولها الإعلام وتفسيراته لها تصدق على مرتكبي العنف عموما، ولكن لا احد يتكلم عن عما يفعله الإقصاء والتهميش في عقل الإنسان. علم النفس البيولوجي بحث هذه الظاهرة بشكل مفصل.
"يحفز الإقصاء والإذلال نفس مناطق الدماغ التي تتحفز حين يتعرض الإنسان لمشاعر الألم، من خلال ما يعرف بمنظومة نسيج الألم"، كما يقول باور مضيفا" وطبقا لما يراه الدماغ، فإن الألم ليس محض هجوم بدني، بل هو تعبير عن العزلة الاجتماعية والإذلال". وتُظهر أبحاث الدماغ أنّ الألم هو أهم دوافع العنف، وهو أمر يتحدد غالبا بالتكيف التطوري طالما أننا نتمتع بالقدرة على التحول الى العدوانية لحماية أنفسنا من الخطر.
التطور بدوره يبرر حقيقة أنّ الدماغ يقرن التهميش والإقصاء بالألم، وذلك في ظل حقيقة أن إسلافنا عاشوا في تجمعات اجتماعية متشاركة. عزل الإنسان عن الجماعة وتهميشه كان يعادل فرض عقوبة الموت عليه. " لأن الألم هو اكبر حافز للعدوانية، بوسعك أن تفهم لماذا يقدم الناس او مجاميع محددة من السكان على تبني أساليب العنف إذا مورس التهميش بحقهم. كما يشير باور.