تُعتبر الآثار الإسلامية المملوكية -التي تتميَّز بجمال الزخرفة ودقَّة البناء وضخامته- طرازًا فريدًا في العمارة الإسلامية؛ فقد استطاع المماليك أن يُقيموا صروحًا دينيَّة ومدنيَّة بقيت علامات بارزة وضَّاءة سجَّلت أسماؤهم بأحرف من نور في تاريخنا الإسلامي، وجديرٌ بالذكر أنَّ الآثار المملوكيَّة بُنيت في وقتٍ قياسيٍّ على الرغم من قلَّة الإمكانيَّات التي كانت متوافرة في ذلك الوقت، وأبلغ مثال على ذلك مجموعة السلطان قلاوون، التي تُعدُّ أعظم المنشآت المملوكيَّة الباقية، وتُمثِّل نمطًا جديدًا في التصميم التي تقع بشارع المعز لدين الله الفاطمي أشهر شارع سياحي في القاهرة، التي تضمُّ مدرسةً وضريحًا وبيمارستانًا وسبيلًا، وأُلحق بها ثلاثة حمامات، وتُنسب هذه المجموعة إلى السلطان المنصور قلاوون سيف الدين الألفي الصالحي، واستغرق بناء هذه المجموعة أربعة عشر شهرًا فقط.
الموقع
تقع مجموعة قلاوون أو مجمع السلطان المنصور قلاوون بشارع المعز لدين الله (بين القصرين)، على مساحة من الأرض كانت تُشكِّل جزءًا من القصر الفاطمي الغربي، يُقابله ضريح نجم الدين والمدارس الظاهريَّة.
حيث تطلُّ الواجهة الشرقيَّة لتلك المجموعة المعمارية على شارع المعز لدين الله، وتتكوَّن من قسمين: البحري الواقع على يمين الداخل من الباب الرئيسي وهي واجهة المقبرة، التي دُفن بها المنصور قلاوون وتعلوها القبَّة، والقبلي ويضمُّ المدرسة، وبين القبة والمدرسة دهليز طويل يُؤدِّي إلى البيمارستان "المستشفى" الذي بقي منه الإيوان الشرقي والإيوان الغربي ويحتفظ بكامل روعته الأثرية المعمارية.
المنصور قلاوون
تُنسب مجموعة قلاوون إلى السلطان المنصور قلاوون، وهو أبو المعالي سيف الدين السلطان الملك المنصور قلاوون الألفي العلائي الصالحي النجمي (620-689هـ=1223-1290م)، وهو أول ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، والسابع من ملوك الترك وأولادهم بمصر، كان من المماليك البحرية قبجاقي الأصل، اشتراه الأمير علاء الدين آق سنقر بألف دينار، فعُرِفَ قلاوون بالألفي، ولمـَّا تُوُفِّيَ الأمير علاء الدين انتقل إلى خدمة الملك الصالح أيوب الذي أعتقه سنة 647هـ، ثم أهَّلته مواهبه وملكاتُه فبرز على الساحة، ولمع في عهد السلطان الظاهر بيبرس -الذي أولاه ثقته- حيث تزوَّج بركة خان ابن السلطان بيبرس من ابنة قلاوون؛ تأكيدًا على رُوح المحبَّة والصداقة بينهما.
فأخلص الخدمة للظاهر بيبرس، وقام بأمور الدولة في أيَّام العادل بدر الدين سلامش ابن الظاهر بيبرس، فكان يُخطب له وللعادل على منابر مصر، وضربت السكة باسمهما، ثم خَلع العادل وتولَّى السلطنة منفردًا في (رجب 678هـ=نوفمبر 1279م)، وجلس على سرير الملك في قلعة الجبل.
ويُعتبر السلطان قلاوون المنشيء الثاني لدولة المماليك البحرية؛ فقد ظل الحكم في بيته نحو مائة عام، وقد كان قلاوون أعظم شخصية بين المماليك بعد بيبرس، ويعزى إليه فضل صدِّ المغول عن العالم الإسلامي، في الزحف الثاني الذي قام به أبغا وأخوه منكوتمر ابنا هولاكو على الشام فهزمهم قلاوون هزيمة ساحقة في معركة حمص في (14 من رجب 680 هـ=30 من أكتوبر 1281م. وهو من السلاطين العظام الأربعة الذين زينوا القاهرة بمنشآتهم الضخمة، ومبانيهم العظيمة التي ما تزال قائمة حتى اليوم، تشهد بعظيم همتهم وقوى شكيمتهم ورفيع ذوقهم.
كما جاهد الصليبيين وهاجم حصن المرقب، وهو من أمنع الحصون الصليبية في الشام؛ وذلك في سنة (684هـ / 1285م)، ونجح في الاستيلاء عليه. وكان ملك النوبة هاجم مدينة أسوان ونهبها، فأرسل إليه قلاوون من هزمه وغنم منه مغانم كثيرة. واستمر في جهاده رحمه الله إلى أن توفي بقلعة الجبل بالقاهرة في (السابع والعشرين من ذي القعدة سنة 689هـ=11 من نوفمبر 1290م).
وكان رحمه الله من أجل ملوك المماليك قدرا ومن أكثرهم آثارًا، شجاعًا، كثير الفتوحات، أبطل بعض المظالم، ومن أهمِّ آثاره مجمع قلاوون، ويشمل ضريح ومدرسة والبيمارستان المنصوري في شارع المعز (منطقة بين القصرين). قال ابن إياس: كان قليل الكلام بالعربي، ومدَّة ملكه إحدى عشرة سنة وثلاثة أشهر.
المشرف على البناء
وقد أسند السلطان قلاوون مهمة الإشراف على عمارة مجموعة قلاون للأمير علم الدين سنجر الشجاعي المنصوري (ت 693هـ=1294م)، وزير الديار المصرية، ومشد دواوينها، وكانت له خبرة بالسياسة والعمارة والهندسة، وحشد جميع الصناع ومنعهم من العمل في أي مكان آخر من أجل سرعة الانتهاء من المبنى، قال ابن تغري بردي: "وكان له ميل إلى الدين، وتعظيم الإسلام، وهو الذي كان مشدًّا على عمارة البيمارستان المنصوري ببين القصرين من القاهرة، فتممة في مدة يسيرة، ونهض بهذا العمل العظيم، وفرغ منه في أيام قلائل، وكان يستعمل الصناع والفعول بالبندق؛ حتى لا يفوته من هو بعيد عنه في أعلى سقالة أو غيرها، ويقال: إنَّ بعض الفعول وقع يومًا من أعلى السقالة بجنبه فمات، فما اكترث سنجر له، ولا تغيَّر من مكانه، وأمر بدفنه. ولمـَّا أكمل عمارة الجميع امتدحه معين الدين بن تولو بقصيدة أولها:
أَنْشَأْتَ مَدْرَسَةً وَمَارِسْتَانًا *** لِتَصْحِيحِ الْأَدْيَانِ وَالْأَبْدَانِ.
وقد أرَّخ المبنى بناءً على شريط كتابي بطول الواجهة يشتمل على اسم المنشئ وتاريخ إنشاء المبنى، وبناءً على نصٍّ تأسيسيٍّ منقوش على عتب المدخل الرئيس للمبنى يحمل اسم المنشئ وتاريخ بدء البناء (العام 683هـ=1284م)، وتاريخ الانتهاء من البناء (العام 684هـ=1285م).
الوظائف التي قامت بها المجموعة
المدرسة: تتكوَّن من صحن وإيوانيين، وكانت لدروس الحديث النبوى وعلوم الدين والطب وغيره.
القبة والضريح: وهو خاص بمدفن المنصور قلاوون، والمدفون بها الآن هو المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد وعلاء الدين.
البيمارستان: يوجد خلف المدرسة والضريح، اندثر معظمه، إلَّا أنَّ الاجزاء الباقية منه تستخدم حتى الآن كمستشفى لعلاج الرمد، وكانت له أوقاف كثيرة، وكان به عددٌ كبيرٌ من الأطباء، وكان به قسمٌ للرجال وآخر للنساء، وقسمٌ لفاقدي العقل.
السبيل: كان عبارة عن حوض لشرب الدواب، وكان عميق مبلط، إلَّا أنَّ الناصر محمد بن قلاوون رفض منظر الدواب البشع أمام هذه المنشأة الضخمة، فحوَّله إلى سبيل، وهو يُعدُّ من أقدم الأسبلة بعد سبيل المدارس الظاهرية.
الوصف المعماري
يُعتبر مجمَّع السلطان المنصور قلاوون بدايةً لظهور طراز معماري جديد، وهو ما يُعرف باسم "المجمَّعات المعمارية"، التي تشتمل على أكثر من وحدة معماريَّة مختلفة الأغراض.
الواجهة الرئيسة
تطل الواجهة الرئيسة لمجمع قلاوون على شارع المعز لدين الله، بالضلع الشمالي الغربي وتمتد بطول 67م وبارتفاع 20م، وهي مبنية من الحجر. وفي واجهة المجموعة يقع المدخل الرئيسي، ويؤدي المدخل إلى "دهليز" ممر ضخم يبلغ عرضه 4 أمتار وطوله 34 مترًا وارتفاعه 10 أمتار، يكتنفه من على الجانبين ست أزواج من الحنايا من جهتيي القبة والمدرسة، وهي حنايا معقودة تفتح من الناحية اليمنى على شبابيك تطل على الضريح، أمَّا الحنايا بالناحية اليسرى فتفتح شبابيكها على المدرسة.
وتشتمل الواجهة على وحدات رأسية تتكون من جدران غائرة معقودة محمولة على أعمدة رخامية وبداخلها شبابيك مزخرفة بأشكال هندسية مفرغة. وتحتوي الواجهة على شريط كتابي محفور في الحجر بخط الثلث يتضمن اسم منشئ البناء وألقابه وتاريخ الإنشاء.
الدهليز الكبير
وسقف هذا الدهليز عبارة عن "كمرات" قوائم خشبية مستعرضة تحصر بداخلها مناطق غائرة مزخرفة بأشكال نجمية والسقف مجلد بالتذهيب والألوان، ويوجد بالدهليز خمسة أبواب، أحدهم يصل منه إلى البيمارستان واثنان على اليمين يؤديان إلى الضريح (واجهة قبة المدفن)، واثنان آخرين على اليسار يُؤدِّيان إلى المدرسة (واجهة إيوان قبلة المدرسة) الذى يبرز عن واجهة القبة بمقدار10م.
الضريح والقبة
يبلغ طول واجهة الضريح بما فيها المئذنة 35,11م وارتفاعها20,25م، أُقيم وسط الضريح أربعة أعمدة ضخمة من الجرانيت لها تيجان مذهَّبة وأربعة أكتاف من الطوب كُسيت بالرخام الدقيق المطعم بالصدف، وتحمل الأعمدة والأكتاف عقودًا زخرف باطنها بزخارف جصية، وتحدِّد الأعمدة والأكتاف وعقودها مسطحًا مثمَّنًا يتوسَّطه قبر المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد (حكم ثلاث مرات في الأعوام 693-694هـ=1294-1295م، و698-708ه=1299-1309م، و709-741هـ=1309-1340م). ويغطي المنطقة المثمَّنة قبَّةٌ ضخمةٌ ذات رقبةٍ مثمَّنة، وتُشبه هذه المنطقة وقبتها إلى حد ما قبة الصخرة في القدس الشريف (بنيت عام 72هـ=692م)، وتحتوي جدران الضريح على أُزر (وزرات) رخامية مطعّمة بالصدف تعد من أرق أعمال الرخام في الآثار الإسلامية في مصر، وللضريح محرابٌ زخرف بالرخام والصدف الدقيق، وهو أكبر وأفخم محراب في آثار مصر.
وواجهة الضريح مقسمة إلى ثمان دخلات معقودة، وتحتوى كل دخلة على ثلاث شبابيك فوق بعضها. تتكون شبابيك الطابق العلوى من مساحة مستطيلة مغشية بمصبعات معدنية من البرونز لإضاءة القبة من الداخل، والشبابيك الوسطى من الجص المعقودة بعقد مدبب والمعشقة بالزجاج الملون، أما شبابيك الطابق العلوى فعلى هيئة قندلية بسيطة من الجص المعشق بالزجاج الملون عبارة عن عقدين حدوة فرس ترتكز على ثلاث أعمدة.
ويقطع الواجهة فوف مستوى الشبابيك شريط من الكتابات التأسيسة بالخط النسخ، ويقول المقريزي إنه كان مذهب وأرضيته حمراء، ويتوج الواجهة صفٌّ من الشرفات المسنَّنة زين وجهها بالزخارف النباتية.
كتلة المدخل
ويتوسط الضريح والمدرسة كتلة ضخمة ترتد إلى الداخل بعض الشيء، عرض هذه الدخلة 5,70م وهى الآن بمستوى الطريق العام، إلا أن الحفائر التى أجريت عام 1903م دلت على وجود سلم بجناحين كان يتقدم المدخل. يكتنف كتلة المدخل زوج من الأعمدة الضخمة الكورنثية والمدخل عبارة عن حنيتين:
الأولى: وهى على هيئة عقد حدوة فرس مكون من صنجات معشقة بالرخام الأبلق، وحليت كوشات العقد بزخارف هندسية متقاطعة وفوقه قندليية مكونة من ثلاث أعمدة تحمل عقدين ثم قمرة كبيرة، وزخرفت هذه المساحة بعناقيد أووراق عنب وزخارف حديدية.
الحنية الأخرى: تعلو الحنية السابقة، وهي حنية نصف دائرية يتوسطها ثلاث شبابيك يعلوه قمرية تطل على ممر علوى فوق الدهليز الكبير. وأما العتب فيعلو فتحة المدخل وعليه نص تأسيسي، سجل عليه تاريخ البداية والفراغ من هذه المجموعة، ويغلق على المدخل مصراع حشبى ضخم مكسى بالبرونز يحتوى على زخارف نجمية.
القبة
يتكون مدخل القبة من الداخل من مساحة شبه مربعة يتوسطها أربع دعامات بينهما أربعة أعمدة، تشكل فى مجموعها مثمن يرتكز عليه رقبة القبة، والدعامات الموجودة من الآجر المكسي بالرخام، أما الأعمدة فمن الجرانيت الوردى مستجلبة من مباني سابقة، ويعلوها مخدات خشبية حتى تتوازى فى ارتفاعها مع ارتفاع الدعامات.
وتتكون حوائط الضريح الداخلية من مستويين السفلي منهما مكون من حنايا معقودة مدببة، ويتوسط الضلع الجنوبى الشرقى المحراب وبالضلع الشمالى الغربى فتحة توصل إلى فناء يتقدم الضريح، أما الجدران من الدخل بارتفاع 7 أمتار مغطاة بوزرات رخامية ثم زخارف جصية.
موقع الضريح
يتوسط الضريح أرضية القبة، وهو عبارة عن منامة، ثم تابوت خشبى عليه كتابات بالخط الكوفى النسخي، به ألقاب وأسماء المنصور قلاوون، إلا أن أجزاء منه فقدت، وقد دفن بهذه التربة المنصور قلاوون وابنه الناصر محمد وحفيده علاء الدين.
المقصورة
يحيط بالتابوت مقصورة خشبية تلتف حول كتلة الدفن، حليت بنقوش كتابية ترجع لعصر الناصر محمد بن قلاوون، وهى تعمل على حماية هذا الجزء.
المحراب
طوله 7 أمتار، يتمز بضخامتة وثراء زخارفه، فهو عبارة عن حنية نصف دائرية يكتنفها ثلاث أزواج من الأعمدة، وزخرفت كوشات العقد بفسيفساء من الرخام والصدف، أما حنية المحراب نفسها فمزخرفة بصفوف من المحاريب الصغيرة.
فناء الضريح
نجد على جانبي الباب عمودين، يتقدم الضريح فناء مستطيل به أربعة أعمدة من الجرانيت أقيم عليها عقود حاملة لست قباب ضحلة مقامة على مثلثات كروية، فى حين سقف الجزء الشمالي الغربى من الفناء بقبو مدبب، وترك الجزء الذى أمام المدخل مكشوف.
الزخارف بالقبة
تعددت زخارف هذه القبة الضريحية، حيث نجد زخارف رخامية مزخرف بها، معظم أجزاء القبة، والقاعة التى تتقدمها فى الأرضيات والجدران والدعامات التي تكسوها وزرات رخامية.
سقف القبة
هذه القبة ظهر بها نوعان من الأسقف، حيث ارتفعت هذه الأسقف عن الأرض بحوالى 15مترًا.
النوع الأول: هو عبارة براطيم خشبية تحصر فيما بينها مربوعات وتماسيح (مناطق مستطيلة ومربعة) وازدانت بزخارف هندسية ونباتية ويجري أسفل هذا النوع من أسقف إزار من حنايا ركنية ممتدة إلى أسفل، على هيئة ورقة نباتية ثلاثية، ويغطى هذا النوع المساحات المستطيلة.
النوع الثانى: هي عبارة عن قصع (حقاق) خشبية مثمنة زين باطنها وحوافها والمساحات المحصورة بزخارف نباتية وهندسية، ويجرى أسفل هذا السقف حطات من المقرنصات تنتهى بذيل هابط فى إزار.
المئذنة
وفي الطرف الشرقي من واجهة الضريح تقع المئذنة، التي تعتبر أضخم المئذنة بنيت في مصر، وتتكون من ثلاثة طوابق، الأول والثاني مربعان، والثالث أسطواني. ويتوج المئذنة قمة تتخللها عصي قناديل، وتخرج من هذه القمة القائم ذى الانتفاخات، يتوسط أعلاه هلال، وهى لا تتناسب مع طراز المئذنة حيث أنها ليست من عصر الإنشاء، فهي ترجع إلى أعمال التجديد التي قام بها الناصر محمد بن قلاوون بعد زلزال عام 702هـ، حيث أعيد بناؤها عام 703 هـ / 1303م. ويزخرف المئذنة في الطابقين الأول والثاني عقود على هيئة حدود الفرس، أما الطابق الثالث فمزخرف بعقود ذات زخارف بارزة.
وتحمل المئذنة نقشًا كتابيًّا مؤرَّخًا يُشير إلى أعمال التجديد، وتذكر بعض المصادر التاريخية أن هناك تشابهًا كبيرًا بين هذه الزخارف وزخارف العمارة الأندلسية كما نراها في منئذنة الجيرالدا (بنيت عام 578هـ=1184م) في الأندلس.
المدرسة
تُعدُّ مدرسة قلاوون تحفةً معماريةً وفنيةً شغلت بال المهتمِّين بالآثار الإسلامية في مصر والعالم، وقد أُقيمت على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، تبرز واجهة المدرسة عن الضريح بمقدار عشر أمتار، طول واجهتها 23م، وهى مقسَّمة إلى خمسة حنايا رأسية بكلِّ حنية ثلاث شبابيك فوق بعضها، كما يستمرُّ شريط طراز الكتابة المستعرضة، وقد أنشأ السلطان الناصر محمد على هذة الواجهة سبيلًا له قبة صغيرة مغلَّفة ببلاطات من القاشاني، وللوصول إلى المدرسة يجب المرور فى دهليز الكبير، ثم يسارًا من الممر الذى يفتح على دخلة صغيرة لها سقف خشبي وعلى واجهتها عقد.
تشتمل المدرسة على صحن أوسط مكشوف يُحيط به أربعة إيوانات: إيوانان كبيران هما إيوان القبلة (الإيوان الجنوبي الشرقي) والإيوان المقابل له، وإيوانان صغيران في الجانبين، ولم يبقَ من المدرسة غير إيوان القبلة الذي يتميَّز بواجهة فريدة لا مثيل لها في مصر تطلُّ على الصحن بواسطة ثلاثة عقود، أكبرها أوسطها، واستخدمت التكسيات الرخامية في زخرفته في أجزاء كبيرة من المدرسة، منها الأرضيات كالدركاه والدهليز والدرقاعة والجدران مثل إيوان القبلة والأبواب المقابلة له وقواعد الأعمدة السفلية والمحراب واللوحة التأسيسية، كما توجد زخارف جصِّيَّة متنوعة مثمَّنة التنفيذ.
ويمكن وصف المدرسة بأنَّها تتكوَّن من صحن أوسط تحيط بها أربعة إيوانات أكبرها إيوان القبلة، والصحن مكشوف مستطيل في شكله، تتوسَّطه فوَّارة، وتفتح الإيوانات الأربعة بكامل اتِّساعها على الصحن، وتحيط بجدران الصحن ست من الخلاوى وذلك من الجهة الشمالية الشرقية. وقد فرشت الأرضيات بالأحجار أمَّا السقوف فهي أنصاف أقبية برميليَّة، والإيوان الجنوبي الشرقي المعروف بـ "القبلة" مساحته مستطيلة وأرضيته مفروشة بالحجر، ويغطى بسقف خشبي معرق ويتصدَّر الجدار الجنوبي الشرقي المحراب، وهو عبارة عن "رحنية" نصف دائرية طاقيَّته مزخرفة بالنباتات، يُحيط بها شريط كتابي يعلوه شباك مزخرف ويغلق على الإيوان حجاب خشبي له مصراعان خشبيان وتتشابه في التصميم الإيوانات الأخرى.
وكان يُعطى في المدرسة دروس في الفقه على المذاهب الأربعة، ودروس في الطب كان الجانب العملي منها يجري داخل البيمارستان.
البيمارستان
كان البيمارستان من أسباب بناء هذا المجمع القلاووني، إذ يذكر أنه أثناء وجود السلطان قلاوون في الشام وهو أمير، مرض مرضًا شديدًا فعالجه الأطباء بأدوية أحضرت من بيمارستان نور الدين محمود في دمشق فشفي، وزار قلاوون البيمارستان فأعجب به ونذر إن أتاه الله الملك أن يبني واحدًا مثله.
وقد اختار قلاوون لبناء البيمارستان قاعة ست الملك ابنة العزيز بالله الفاطمي، التي آلت بعد ذلك إلى مؤنسة خاتون ابنة الملك العادل الأيوبي، وكانت القاعة تقع في نهاية المجمع وتشتمل على أربعة إيوانات، ووصفها المقريزي قائلًا: "كانت ذات إيوانات أربعة، بكلِّ إيوان سلسبيل وتدور قاعتها فسقية يصل إليها الماء من الشاذوران".
والمدقِّق فيما تبقى من الفناء القديم يلمس بعين باحثة عن الروعة، مدى الدقَّة التي بُنيت بها الجدران، فالقسم الشرقي به فسقيَّة رخامية تنساب إليها المياه من سلسبيل صغير، كما توجد به نوافذ يُحيطها إفريز به كتابات كوفيَّة، كذلك توجد بقايا من الإيوان الغربي وبه سلسبيل، محلَّاة حافَّته برسوم لحيوانات تنحدر فوقها المياه إلى فسقيَّة ثم مجراة من الرخام تتلاقى مع المجراة المقابلة لها.
وقد زوَّد المنصور قلاوون البيمارستان بالأطباء في جميع التخصُّصات والممرضين والأثاث والأدوات والأدوية اللازمة، ولم يبقَ من البيمارستان اليوم غير أجزاء قليلة منها جزء من الإيوان الشرقي يحتوي على بقايا فسقية رخامية، وشاذروان كان مزخرفًا بالرخام الدقيق، ويُشبه إلى حدٍّ كبير ذلك الموجود في قصر العزيزة في باليرمو في صقلية (اكتمل بناؤه بين العامين 561 و570هـ=1166 و1175م).
وكان السلطان قلاوون قد أمر ببناء البيمارستان ليُؤدِّي وظيفته في علاج كافَّة الأمراض، إلَّا أنَّه عام 1856م تخصَّص في علاج أصحاب الأمراض العقليَّة فقط، ولو أنَّ البيمارستان معناه في اللغة العربية دار المرضى، إلَّا أنَّ المصريين يخصُّون به المجانين والمستشفيات التي يُعالجون بها حتى الآن، مع اختصاره إلى لفظ "المارستان"، وعلى الرغم من أنَّه من أهمِّ الآثار الإسلامية فإنَّه ما زال يستقبل المرضى إلى الآن بعد أن تخصَّص منذ عام 1915م في علاج أمراض العيون (مرضى الرمد) فقط، وقد جعل المنصور قلاوون للبيمارستان جملة أوقاف على رواتب خيريَّة.
وما زال المستشفى أو البيمارستان المنصوري يستقبل مرضاه حتى الآن، حيث انتقلت تبعيَّته على مرِّ الزمن من وزارة الأوقاف إلى وزارة الصحة، إلَّا أنَّ المبنى يتبع هيئة الآثار المصرية؛ نظرًا لقيمته الأثرية والتاريخية.
ترميمات المجموعة القلاوونية
وقد أولت وزارة الثقافة المصرية اهتمامًا كبيرًا بمجموعة قلاوون، خاصة بعد ظهور مشكلة تراكم الأملاح بالأثر، وقد ساهمت لجنة حفظ الآثار العربية في حماية مجموعة قلاوون وترميمها بالإضافة إلى مساهمات المعهد الألماني، وتم إجراء كافة أعمال الترميمات للمدرسة والمستشفى والقبة على نفس النسق الأثري القديم.
_______________
المصادر والمراجع:
- المقرريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1418هـ.
- ابن تغري بردي: المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي، حققه ووضع حواشيه: دكتور محمد محمد أمين، تقديم: دكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت.
- الزركلي: الأعلام، الناشر: دار العلم للملايين، الطبعة: الخامسة عشر، مايو، 2002م.
- نادية حسين: مجموعة قلاوون .. لؤلؤة شارع المعز في القاهرة الإسلامية، جريدة الشرق الأوسط، العدد (9693)، الأحـد، 4 جمـادى الأولـى 1426هـ / 12 يونيو 2005م.
- مجموعة قلاوون، موقع civilization lovers.
- مجموعة قلاوون، موقع discover Islamic art.
قصة الإسلام