سراج أبو السعود

ليس أهم ما أود الحديث عنه هنا هو الإسراف الذي يقضي بأن تُشترى «شنطة بربري» مخططة ببضع خطوط بآلآف الريالات، وكيف أنَّ فقراءً لا يملكون كفافاً يموتون حسرةً على لقمة عيش أو مأوى، وليس حديثي حول «بلوزة لاكوست» ليس فيها أي شيء سوى رسم «تمساح» تشترى بما يزيد على الخمسمائة ريال في حين أنَّ تمساحها لا يُرى حتى بالمجهر، حديثي هنا هو كيف أصبحت تلك البربري واللاكوست والفرساتشي والفريد والكريستيان ديور وغيرها علامات من دونها لا يصبح الرجل رجلاً كاملاً ولا المرأة كذلك.
في زمانٍ كزماننا هذا لا يكفي أن يكون الرجل «تربة مسجد» أو «رادود حسيني حاج» أو «عنده ماجستير هندسة كهربا من البترول» حتى يصبح رجلاً سوياً راشداً، ولا يكفي أن تكون المرأة «ملاية» أو شاعرة أديبة أو ناشطة اجتماعية حتى تبلغ مقاماً محودا، كل ذلك لا يكفى من دون أن يلبس «أبو الشباب» «بلوزة بربري «الكلر» حقها مقلَّم» أو تحمل المرأة ذات الماركة كشنطة تتلألأ من على بعد 22. 5 كيلو، لا شكَّ أنَّ هذه النظرة المادية هي أزلية قديمة، فدائماً ما يقدِّر الأغنياء لا لشيء سوى لما يملكوه وإن كانوا أجهل الجاهلين ويحتقر الفقراء وإن كانوا متأدبين أخيارا،،
ان الغني اذا تكلم بالخـــــــطا=قالوا صدقت ومانطقت مـحـالا

اما الفقير اذا تكلم صـــــادقــا=قـالـوا كذبت وابطلوا ما قـالا

في صباح يومٍ من أيام الاسبوع بامكان أيِّ واحدٍ منا أن يذهب لمجمع كمجمع الراشد أو الظهران ليرى في هذا الوقت الكثير من الأجنبيات «الأوروبيات والأمريكيات» اللاتي يفضلن عادةً التسوق في هذا الوقت، هناك، وما إن تراهن تلاحظ أنَّ واحدةً منهنَّ ليس عليها أي حلَّة من تلك الحلل التي عادةً ما تهوى نسائنا استخدامهن، ومع أنَّ الكثير من هؤلاء يحملن البكالوريوس وربما الماجستير إلاَّ أنَّهن لا يفضلن هذه المظاهر، فكأنما رأووا أنَّ العلم أهم حلةٍ يرتدونها، فتراهن بأشكالهنَّ البسيطة جداً يتسوقن دون أن تشعر إحداهنَّ بأيِّ خجلٍ مما تلبسه، ليس ذلك فقط بل في الغرب المتقدم ربما لا ترى كل هذه الظواهر، لا أنفي أنَّ نساءً منهنَّ يرتدين النفائس ولكن لا تصل هذه الحالة إلى حالة االظاهرة، في بلادنا الخليجية لربما لا تجد إمرأةً - إلاَّ ما ندر - لا تحمل هذه الشنطة ولا تجد شاباً إلاَّ ويرتدي هذه الملابس وإن كان الشباب أقل هوساً ربما من البنات.

ما أعتقده هو أنَّ هذه الحالة تعبِّر ربما عن شعورٍ بالنقص، ذلك النقص الذي يقضي بأن تلجأ الفتيات والأولاد لتعويضه بالأمور المادية ظناً منهم بأنَّ النقص يمكن أن يتجاوزوه بذلك، كل ذلك يعبِّر عن أنَّ أرقى وأجل مستوى يعتقد الكثيرون أنَّه يمثل منتهى الكمال هو الغنى المادي، وأقول: إذا كانت البربري واللاكوست والسيارة الفاخرة هي ما ستجعل من هذا الرجل وهذه المرأة محترمين عند فئةٍ من الناس، فلأن هذه الأقمشة والجلود هي في ظنِّ هؤلاء أفضل منهم، والغريب هنا أو ربما المؤلم هو أنَّ تلك الفتيات اللاتي لا يستطعنَّ اقتناء هذه الشنط يمارسن الكثير من الضغط على أبائهنَّ الغير مقتدرين فيزيدون من ألامهم وحزنهم، ذلك أنَّهم يشعرون دائماً بالتقصير في حق أولادهم، كيف لا والمتوسط العام والحالة السائدة أصبحت تستلزم أن يقتني الجميع هذه النفائس.

لا بد لي ختاماً أن أنوه لأمر أرى من الضرورة تقديمه كنصيحة لأخواني وأخواتي الكرام، إذا كنتم جميعاً تبحثون عن المظاهر الجوفاء فعليكم أن تذهبوا لدكان بربري وتتزودوا منه مثلما كنت في طفولتي أتزود من بقالة سيد مجَّاد بالكثير من «البهلوان» وَ «العلك» وإن كنتم تبحثون عن المضامين فعليكم أن تدركوا أنَّ أرقى مضامين الكمال في الشاب والشابة هو العلم والتخلق بالفضائل، وأما هذه المظاهر فليست تضيف لصاحبها شيئ إلا عند سطحيي العقول. ما أعتقده هو أنَّ لبس ألف ساعة «رولكس» وقيادة أفخر السيارات والمداومة على أرقى المتاجر لن تضيف لشخصٍ أي قدر دون مقوماته من علم وخلق، وأما «بهلوان بقالة سيد مجَّاد» فلن يكون بالتأكيد منقصةً لمتعلم متخلق، لا شك أنَّ حديثا كهذا هو حديثٌ مستهلك ربما ملَّ الناس منه، ولكن ما الحيلة والأيام تمضي وفي كل يومٍ بدعٌ جديدة، لا أنفي أنني كنت في وقتٍ مضى مولعاً بالماركات والمظاهر ولكن لا شك أنَّ الإعتراف بالخطأ فضيلة، حفظ الله سيد مجَّاد والله الموفق.