بصيص ضوء أرى من خلاله تلك الخيوط المنسوجة في الزاوية العليا المقابلة لباب الغرفة ، ثمة أصوات صراصير ، أصوات متقطعة ، تنخر أذني ، يدب خوف فيَّ ، حركة سريعة لم الحق رؤية ما تحرك .. قد يكون ثعبانا ؟ ، قد يكون فارا ؟ . قد أتصور الحركة . دب الخوف في صدري . ألزم الصمت . خوفي أن اصدر صوتا وتلسعني السياط مثلما طلبت أن اذهب إلى المرافق فتندمت عقب طلبي . ثمة سؤال أخشى أن اسأله لنفسي ، ربما وضعوا جهازا يخزن هذياني . عندما توقفت السيارة واركبوني أمام مرأى الناس كانوا يرتدون زيا عسكريا ، ما أن أدخلوني إلى هنا ، حتى تحرروا من ملابسهم وجميعهم يرتدون بيجامة قصيرة وفانيلا ملونة . عقبها ، حدث ضجيج ، أشبه بالعراك ...
اثنان ، فتحا باب الغرفة ، قيدا يدي وقدمي ، واقتاداني لغرفة فارغة ، معلقا على حائطها منشفة والبدلة العسكرية ، وتوجد منضدة بلاستك وكرسيان احدهما يقف على ثلاثة أرجل جلس شاب معصوب الرأس وطلب مني أن اجلس على الكرسي ذي الأرجل الثلاثة ، فسقطت ، ضحك جميع من دخلوا الغرفة أدرت رأسي باتجاههم لم استطع عدهم ، أكثر من عشرين شابا . طلب الشاب الجالس أمامي الرتبة العسكرية ،التي ما تزال في البدلة المعلقة ، جلبوها له ألصقها على كتفه . سألني :
- ماذا رأيت في الغرفة ؟
برك الجميع على الأرض بدأوا يدونون ما أقوله بتردد وبإضافات قليلة . وسألته عن هذا المكان لكنه لم ينبس بحرف...
سألني ثانية .. قلت في سري " أي سؤال سخيف هذا ... ! . هذا اختبار لي ؟ " كان قد ضربني بيده وسألني .. أيدي تلوح ورؤوس تهتز ، بعضهم يقول نعم وآخر يحذر . احدهم اخرج سكينا .
ممر ضيق ذو سقف واطئ ، ومظلم ، مكبل اليدين والقدمين ، أعادوني إلى الغرفة ذاتها ، فوجئت بأن جدرانها مزينة بلوحات كبيرة ، دققت النظر خشيت الاختبار حفظت تفاصيلها الدقيقة ، الأرض قد رفعوا عنها فراشها ، ارض رطبة ذات رائحة نتنة ، تنبعث من الشقوق الموزعة في الحواشي والجدران المغطاة بلوحات ، تخفي العيوب ، وثمة ضوء احمر خافت معلق في السقف ،الصراصير مستمرة تعزف ألحانها دون توقف ، وفي أعلى الباب لاقطة صوت ، لا افهم ما يريدونه مني..
مضت ساعة ثم دخل شابان يحملان سياطا وعصي وحبل وثاقب ، فكا قيدي ، علقاني بالسقف دخل شاب ثالث يحمل كاميرا واخذ يصور من جهة واحدة ، بدءا بضربي حتى ارتجف جسدي ومن شدة الضرب كدت أموت ، برد شديد التَهَمَ جسدي الموجوع ، دخل اثنان آخران يحملان الكرسي المكسور وأنزلاني ، لم أستطع الوقوف فسقطت على الكرسي وسقط بي أرضا لم أنبس بحرف حتى لا يضربوني ثانية .. سرعان ما يلجأون إلى أوراقهم يدونون فيها معلوماتهم ، لو إني رأيت حروفهم وعرفت لأرحت رأسي المتقد بالأسئلة . بعد ساعة نقلوني إلى سرير في غرفة أخرى ، عالجوا الجروح ومسحوا الدم عن وجهي . وبعد برهة سكون لفت نظري المكان ، تقاطروا ملتفين حولي كل واحد منهم ممسك برزمة أوراق . جلسوا على الأرض جميعا ، ووجهوا لي أسئلة حسبتها سخيفة..
- هل تعرضت للضرب ؟
سرعان ما غالبتني نوبة ضحك ، ألفت لهم حكاية " إن الكابوس قد طال وحاولت الهروب ، لكن قوة خفية مزقتني ، ثمة شريط مصور للكابوس الذي باغتني طيلة الساعات الماضية ، أشباح بلا لون اندفعت من جدران الغرفة بمخالب تشبه السيوف وسياط تسحبها من سيقانها وتضربني . الجدران ملونة بألوان باهتة وتصرخ ثم يمتد الصراخ الذي يشبه القهقهة ، لا اصرخ أبدا ، لكن أصواتا تتعالى من مسامات جلدي . أنا في جهنم ؟ "..
دونوا / ملأوا أوراقا كثيرة . فوجئت بأن شجارا حصل بينهم فهمت أنهم يعرفونني جيدا وكشفوا كذبي ، أنا كاذب محترف وإنهم بطور كتابة مسرحيات كمشروع تخرج لطلاب في كلية الفنون المسرحية كانوا يبحثون عن الجانب النفسي وكسب الأقوال عقب التعذيب ، كتبوا مسرحيات وأنا أتألم .. اعتذروا !!!..
محمد الكريم