قال تعالى في كتابه العزيز
يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ__ أَيَّاماً مَّعْدُودَت فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم تَعْلَمُونَ__ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدىً لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـت مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْعَلَى سَفَر فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ__
التّفسير

الصوم مدرسة التّقوى
في سياق طرح مجموعة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآيات أحكام واحدة من أهم العبادات، وهي عبادة الصوم، وبلهجة مفعمة بالتأكيد قالت الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ثم تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)
نعم، الصوم ـ كما سيأتي شرح ذلك ـ عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.
لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.
تبتدىء الآية و بأُسلوب خطابي
وتقول: ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): و«لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ»معنى قوله تعالى( كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)
ثمّ تبيّن الآية أن الصوم فريضة كتبت أيضاً على الأُمم السابقة.
2 ـ الصوم في الأُمم السابقة
يظهر من النصوص الموجودة في التوراة والإِنجيل، أن الصوم كان موجوداً بين اليهود والنصارى، وكانت الأُمم الاُخرى تصوم في أحزانها ومآسيها، فقد ورد في «قاموس الكتاب المقدس»: «الصوم بشكل عام وفي جميع الأوقات كان يمتداو في أوقات الأحزان والنوائب بين جميع الطوائف والملل والمذاهب»
ويظهر من التوراة أن موسى(عليه السلام) صام أربعين يوماً، فقد جاء فيها: «أَقَمْتُ فِي الْجَبَلِ أَرْبَعِينَ نَهَاراً وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ آكُلُ خُبُزاً وَلاَ أَشْرَبُ مَاءً»
وكان اليهود يصومون لدى التوبة والتضرع إلى الله: «اليهود كانوا يصومون غالباً حينما تتاح لهم الفرصة للإعراب عن عجزهم وتواضعهم أمام الله، ليعترفوا بذنوبهم عن طريق الصوم والتوبة، وليحصلوا على رضا حضرة القدس الإِلهي»
«الصوم الأعظم مع الكفارة كان على ما يبدو خاصاً بيوم من أيام السنة بين طائفة اليهود، طبعاً كانت هناك أيام اُخرى مؤقتة للصوم بمناسبة ذكرى تخريب أُورشليم وغيرها»
السيد المسيح(عليه السلام) صام أيضاً أربعين يوماً كما يظهر من «الإِنجيل»: «ثم اصعد يسوع إلى البرية من الروح ليجرَّب من إبليس فبعدما صام أربعين نهاراً وأربعين ليلة جاع أخيراً»
ويبدو من نصوص إنجيل «لوقا» أن حواريّي السيد المسيح صاموا أيضا
وجاء في قاموس الكتاب المقدس أيضاً: « ... من هنا كانت حياة الحوارييّن والمؤمنين مملوءة بالابتعاد عن اللذات وبالأتعاب وبالصوم»
بهذا نستطيع أن نجد في نصوص الكتب الدينية القديمة (حتى بعد تحريفها) شواهد على ما جاء في القرآن الكريم (كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ).
ثم تبيّن الآية فلسفة الصوم وما يعود به على الإِنسان من منافع، لتكون هذه العبادة محبوبة ملتصقة بالنفس.
الآية التالية تتجه أيضاً إلى التخفيف من تعب الصوم
وتقول (ايَّاماً مَعْدُودَات) فالفريضة لا تحتل إِلاّ مساحة صغيرة من أيّام السنة.
ثم تقول (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ)، فالمريض والمسافر معفوان من الصوم، وعليهما أن يقضيا صومهما في أيّام اُخرى.
ثم تصدر الآية عفواً عن الطّاعنين في السنّ، وعن المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم، وترفع عنهم فريضة الصوم ليدفعوا بدلها كفارة،
فتقول: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِين).
ثم يقول الآية (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ)( أي من تطوع للإِطعام أكثر من ذلك فهو خيرٌ له.
وأخيراً تبين الآية حقيقة هي: (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ).
استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان في بداية التشريع واجباً تخييرياً، وكان المسلمون مخيرين بين الصوم والفدية، ثم نسخ هذا الحكم بعد أن تعوّد المسلمون على الصوم وأصبح واجباً عينيّاً، ولكن ظاهر الآية يدلّ على تأكيد آخر على فلسفة الصوم، وعلى أن هذه العبادة ـ كسائر العبادات ـ لا تزيد الله عظمة أو يجلا، بل تعود كل فوائدها على النّاس.
الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبير مشابه لذلك، كقوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة: (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُم تَعْلَمُونَ)
وقوله تعالى: (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ)
بهذا تبين أن عبارة (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) موجهة إلى كل الصائمين لا إلى مجموعة خاصة.
آخر آية في بحثنا تتحدث عن زمان الصوم وبعض أحكامه ومعطياته تقول: (شَهْرُ رَمَضَانَ) هو الشهر الذي فرض فيه الصيام.
وهو (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرقَانِ)، أي معيار معرفة الحق والباطل.

3 ـ امتياز شهر رمضان
هذا الشهر ـ إنما اختير شهراً للصوم ـ لأنه يمتاز عن بقية الشهور. والقرآن الكريم بيّن مزية هذا الشهر في الآية الكريمة بأنه (الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرآن) أي القرآن الذي يفصل الصالح عن الطالح ويضمن سعادة البشرية. وفي الروايات الإِسلامية أن كل الكتب السماوية: «التوراة» و«الإِنجيل» و«الزبور» و«الصحف» و«القرآن» نزلت في هذا الشهر. فهو إذن شهر تربية وتعليم، لأن التربية غير ممكنة دون تعليم صحيح، ومنهج الصوم التربوي يجب أن يكون مرافقاً لوعي عميق منطلق من تعاليم السماء لتطهير الإِنسان من كل أثم.
في آخر جمعة من شهر شعبان، ألقى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خطبة أعدّ فيها المسلمين لاستقبال شهر رمضان المبارك قال فيها: «أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ قَدْ أَقْبَلَ إِلَيْكُمْ شَهْرُ اللهِ بِالْبَرَكَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ، شَهْرٌ هُوَ عِنْدَ اللهِ أَفْضَلُ الشُّهُورِ، وَأَيَّامُهُ أَفْضَلُ الاْيّامِ، وَلَيَالِيهِ أَفْضَلُ اللَّيَالي، وَسَاعَاتُهُ أَفْضَلُ السَّاعَاتِ، هُوَ شَهْرٌ دُعِيتُمْ فِيهِ إِلى ضِيَافَةِ اللهِ، وَجُعِلْتُمْ فِيهِ مِنْ أَهْلِ كَرَامَةِ اللهِ. أَنْفَاسُكُمْ فِيهِ تَسْبيحٌ، وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ، وَعَمَلُكُمْ فِيهِ مَقْبُولٌ، وَدُعَاؤُكُمْ فِيهِ مُسْتَجَابٌ فَاسْأَلُوا اللهَ ربَّكُمْ بِنِيَّات صَادِقَة، وَقُلُوب طَاهِرَة أَنْ يُوَفِّقَكُمْ لِصِيَامِهِ وَتِلاَوَةِ كِتَابِهِ، فَإِنَّ الشَّقِيَّ مَنْ حُرِمَ غُفْرَانَ اللهِ فِي هَذَا الشَّهْرِ الْعَظِيمِ، وَاذْكُرُوا بِجُوعِكُمْ وَعَطَشِكُمْ فِيهِ جُوعَ يَومِ الْقِيَامَةِ وَعَطَشِهِ، وَتَصَدَّقُوا عَلى فُقَرائِكُمْ وَمَسَاكِينِكُمْ، وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ، وَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ، وَاحْفَظُوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَغُضُّوا عَمَّا لاَ يَحِلُّ النَّظَرُ إِلَيْهِ أَبْصَارَكُمْ، وَعَمَّا لاَ يَحلُّ الإِسْتِماعُ إِلَيْهِ أَسْمَاعَكُمْ، وَتَحَنَّنُوا عَلى أَيْتَامِ النَّاسِ يُتَحَنَّنُ عَلى أَيْتَامِكُمْ
4ـ قاعدة «لا حرج»
آيات بحثنا فيها إشارة إلى أن الله يريد بالنّاس اليسر ولا يريد بهم العسر، وهذه الإِشارة تدور طبعاً هنا حول موضوع الصوم وفوائده وحكم المسافر والمريض، لكن أُسلوبها العام يجعلها قاعدة تشمل كل الأحكام الإِسلامية، ويصيّر منها سنداً لقاعدة «لا حرج» المعروفة.
هذه القاعدة تقول: لا تقوم قوانين الإِسلام على المشقة، وإن أدّى حكم إسلامي إلى حرج ومشقة، فإنه يرفع عنه مؤقتاً، ولذلك أجاز الفقهاء التيمّم لمن يشق عليه الوضوء، والصلاة جلوساً لمن يشق عليه الوقوف.
وفي موضع آخر من القرآن الكريم، يقول سبحانه: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدّينِ مِنْ حَرَج)
وعن الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «بُعِثْتُ عَلَى الشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ السَّهْلَةِ».
ثم تؤكد ثانية حكم المسافر والمريض
وتقول: (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ)
تكرار حكم المسافر والمريض في هذه الآية والآية السابقة، قد يكون سبب كراهية بعض المسلمين أن لا يصوموا أيام شهر رمضان حتى ولو كانوا مرضى أو مسافرين. والقرآن بهذا التكرار يفهم المسلمين أن الصوم في حالة السلام والحضر حكم إلهي، والإِفطار في حال السفر والمرض حكم إلهي أيضاً لا تجوز مخالفته.
وفي آخر الآية إشارة اُخرى إلى فلسفة تشريع الصوم،
تقول: (يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).فالصوم ـ وإن كان على الظاهر نوعاً من التضييق والتحديد ـ مؤدّاه راحة الإِنسان ونفعه على الصعيدين المادي والمعنوي،
ولعل هذه العبارة إشارة إلى أن الأوامر الإِلهية ليست كأوامر الحاكم الظالم، ففي الصوم رخص حيثما كان فيه مشقة على الصائم، لذلك رفع تكليف الصوم ـ على أهميته ـ عن المريض والمسافر والضعيف.
ثم تقول الآية: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) أي يلزم على كل إنسان سليم أن يصوم شهراً، فذلك ضروري لتربية جسمه ونفسه. لذلك وجب على المريض والمسافر أن يقضي ما فاته من شهر رمضان ليكمل العدّة، وحتى الحائض ـ التي أُعفيت من قضاء الصلاة ـ غير معفوّة عن قضاء الصوم.
والعبارة الأخيرة من الآية تقول: (وَلِتُكَبِّروُا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)لتكبروه على ما وفّر لكم من سبل الهداية، ولتشكروه على ما أنعم عليكم.
الشكر في الآية مسبوق بكلمة «لَعَلَّ»، لكن التكبير مؤكد بشكل قاطع غير مسبوق بترجّ. وقد يعود الاختلاف في التعبير إلى أن عبادة (الصوم) هي على كل حال تكبير لله وتعظيم له سبحانه، أما الشكر ـ وهو إنفاق النعم في مواضعها والإِستفادة من الآثار العملية للصوم ـ فله شروط أهمها الإِخلاص التام، وفهم حقيقة الصوم، والإطلاع على أبعاده وأعماقه.

* * *

بحوث

1- الآثار التّربوية والإِجتماعية والصحّيّة للصوم
للصوم أبعاد متعددة وآثار غزيرة مادية ومعنوية في وجود الإِنسان، وأهمها البعد الأخلاقي، التّربوي.
من فوائد الصوم الهامة
«تلطيف» روح الإِنسان،
و«تقوية» إرادته،
و«تعديل» غرائزه.
على الصائم أن يكف عن الطعام والشراب على الرغم من جوعه وعطشه، وهكذا عليه أن يكف عن ممارسة العمل الجنسي، ليثبت عملياً أنه ليس بالحيوان الأسير بين المعلف والمضجع، وأنه يستطيع أن يسيطر على نفسه الجامحة وعلى أهوائه وشهواته.
الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من فلسفة هذه العبادة.
مثل الإنسان الذي يعيش إلى جوار أنواع الأطعمة والأشربة، لا يكاد يحس بجوع أو عطش حتى يمدّ يده إلى ما لذّ وطاب كمثل شجرة تعيش إلى جوار نهر وفير المياه، ما إن ينقطع عنها الماء يوماً حتى تذبل وتصفرّ.
أما الأشجار التي تنبت بين الصخور وفي الصحاري المقفرة، وتتعرض منذ أوائل إنباتها إلى الرياح العاتية، وحرارة الشمس المحرقة حيناً، وبرودة الجوّ القارصة حيناً آخر، وتواجه دائماً أنواع التحديات، فإنها أشجار قوية صلبة مقاومة.
والصوم له مثل هذا الأثر في نفس الإِنسان، فبهذه القيود المؤقتة يمنحه القدرة وقوة الإِرادة وعزيمة الكفاح، كما يبعث في نفسه النور والصفاء بعد أن يسيطر على غرائزه الجامحة.
بعبارة موجزة: الصوم يرفع الإنسان من عالم البهيمية إلى عالم الملائكة وعبارة (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) تشير إلى هذه الحقائق.
وهكذا الحديث المعروف: «الصَّوْمُ جَنَّةٌ مِنَ النَّارِ» يشير إلى هذه الحقائق.
وعن علي(عليه السلام) عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه سئل عن طريق مجابهة الشيطان، قال: «الصَّوْمُ يُسَوِّدُ وَجْهَهُ، وَالصَّدَقَةُ تُكْسِرُ ظَهْرَهُ، وَالحُبُّ فِي اللهِ وَالْمُواظبَةُ عَلَى الْعَمَلِ الصّالِحِ يَقْطَعُ دابِرَهُ، وَالإِسْتغْفَارُ يَقْطَعُ وَتِينَهُ»
وفي نهج البلاغة عرض لفلسفة العبادات، وفيه يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام):«وَالصِّيَامَ ابْتِلاَءً لإِخْلاَصِ الْخَلْقِ»
وروي عن النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إِنَّ لِلْجَنَّةِ بَاباً يُدَّعَى الرَّيَّانْ، لاَ يَدْخُلُ فِيهَا إِلاَّ الصَّائُمُونَ».
يقول المرحوم الصدوق في «معاني الأخبار» معلقاً على هذا الحديث: إنما سمي هذا الباب بالريّان لأن مشقة الصائم إنما تكون في الأغلب من العطش، وعند ما يدخل الصائمون من هذا الباب يرتوون حتى لا يظمأوا بعده أبداً
2- الأثر الأجتماعي للصوم
الأثر الإِجتماعي للصوم لا يخفى على أحد. فالصوم درس المساواة بين أفراد المجتمع. الموسرون يحسّون بما يعانيه الفقراء المعسرون، وعن طريق الاقتصاد في استهلاك المواد الغذائية يستطيعون أن يهبوا لمساعدتهم.
قد يمكن تحسيس الأغنياء بما يعانيه الفقراء عن طريق الكلام والخطابة، لكن المسألة حين تتخذ طابعاً حسّيّاً عينيّاً لها التأثير الأقوى والأبلغ، الصوم يمنح هذه المسألة الهامة الإجتماعية لوناً حسياً،
لذلك يقول الإمام الصادق(عليه السلام) في جواب عن سؤال بشأن علّة الصوم: «إِنَّما فَرَضَ اللهُ الصِّيَامَ لِيَسْتَويَ بِهِ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ، وَذَلِكَ إِنَّ الْغَنِيَّ لَمْ يَكُنْ لِيَجِدَ مَسَّ الْجُوعِ فَيَرْحَمَ الْفَقِيرَ، وَإِنَّ الغَنِيَّ كُلَّمَا أَرَادَ شَيْئاً قَدَرَ عَلَيْهِ فَأَرَادَ اللهُ تَعَالى أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ خَلْقِهِ، وَأَنْ يُذِيقَ الْغَنِيَّ مَسَّ الْجُوعِ وَالاْلَمِ، لِيَرُقَّ عَلَى الضَّعِيفِ وَيَرْحَمَ الْجَائِعَ»
ترى، لو أن الدول الغنية في العالم صامت عدّة أيّام في السنة وذاقت مرارة الجوع، فهل يبقى في العالم كل هذه الشعوب الجائعة؟!
3- الآثار الصحية للصوم
أهمية «الإِمساك» في علاج أنواع الأمراض ثابتة في الطبّ القديم والحديث. البحوث الطبّية لا تخلو عادة من الحديث عن هذه المسألة، لأن العامل في كثير من الأمراض الإِسراف في تناول الأطعمة المختلفة. المواد الغذائية الزائدة تتراكم في الجسم على شكل مواد دهنية، وتدخل هي والمواد السكرية في الدم، وهذه المواد الزائدة وسط صالح لتكاثر أنواع الميكروبات والأمراض،
وفي هذه الحالة يكون الإِمساك أفضل طريق لمكافحة هذه الأمراض،
وللقضاء على هذه المزابل المتراكمة في الجسم.
الصوم يحرق الفضلات والقمامات المتراكمة في الجسم، وهو في الواقع عملية تطهير شاملة للبدن،
إضافة إلى أنه استراحة مناسبة لجهاز الهضم وتنظيف له، وهذه الاستراحة ضرورية لهذا الجهاز الحساس للغاية، والمنهمك في العمل طوال أيام السنة.
بديهي أن الصائم ينبغي أن لا يكثر من الطعام عند «الإِفْطار» و«السُّحُور» حسب تعاليم الإِسلام، كي تتحقق الآثار الصحية لهذه العبادة، وإلاّ فقد تكون النتيجة معكوسة.
وأكتشف علمياً أن الصوم يعالج الأمراض العديد من أمراض العصر يوضح ذلك لنا العالم الروسي «الكسي سوفورين» يقول في كتاب له:
الصوم سبيل ناجح في علاج أمراض فقر الدم، وضعف الأمعاء، والإِلتهابات البسيطة والمزمنة، والدمامل الداخلية والخارجية، والسل، والاسكليروز، والروماتيزم، والنقرس والإِستسقاء، وعرق النساء، والخراز (تناثر الجلد)، وأمراض العين، ومرض السكر، وأمراض الكلية، والكبد والأمراض الاُخرى.
العلاج عن طريق الإِمساك لا يقتصر على الأمراض المذكورة، بل يشمل الأمراض المرتبطة باُصول جسم الإِنسان وخلاياه مثل السرطان والسفليس، والسل والطاعون أيضاً»
عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «صُومُوا تَصُحُّوا»
وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضاً: «الْمِعْدَةُ بَيْتُ كُلِّ دَاء وَالْحَمِيَّةُ رَأْسُ كُلِّ دَوَاء»
منقول