مدينة تلعفر التاريخية / تحقيق مصور خاص

مدينة تلعفر التاريخية... أكبر قضاء في العراق
قلعة صامدة وثورة خالدة وبساتين عامرة وشعب مسالم


البطاقة التعريفية:
تلعـفر مدينة عراقية عريقة موغلة في التأريخ، تعتز بانتمائها الأصيل ومواقف أبنائها الوطنية المعروفة والمشهود لها عبر التأريخ.. تقع إلى شمال غرب مدينة الموصل على بُعد 69 كم، وتبعد عن قضاء سنجار 55 كم، والمعروف عنها أنها مدينة قديمة يرجع تأريخها إلى عهودٍ سحيقة في القِدم.. تطورت المدينة بمرور السنوات ولكنها لم ترتقِ إلى المستوى الذي يليق بها وبمكانتها التي تشكل جانباً مهماً في تأريخ العراق الحديث بما قدمته عبر مسيرتها، والآثار والمواقع التاريخية التي تحتضنها..
حدودها الإدارية: نهر دجلة يفصل بينها وبين مدينة دهوك شمالاً، ومن الشرق مدينة الموصل، وسنجار غرباً، أما جنوباً فتتصل بمدينة الحضر الأثرية وجزء من أراضي الجمهورية العربية السورية..
تلعـفر ـ اليوم ـ إحدى المدن المهمة في العراق وهي الآن مركز قضاء كبير من أقضية محافظة نينوى حيث يضم أكثر من 30 حياً سكنياً، منها انطلقت ثورة العشرين 1920م لتعم شرارتها جميع مدن العراق، كما أنها غنية بالآثار والمواقع التاريخية إلا أنها اشتهرت بقلعتها الأثرية المعروفة (قلعة تلعـفر)..
أما ثورة تلعـفر عام 1920م التي كانت أول ثورة حقيقية في تأريخ العراق المعاصر فقد تبارت الأقلام الشريفة بالكتابة عنها أو الإشارة إليها أثناء كتابتها عن الثورة العراقية الكبرى التي زلزلت الأرض تحت أقدام المحتلين الإنكليز، باعتبار أن ثورة تلعـفر ـ وكما يؤكد المؤرخون والكُتاب ـ واحدة من المقدمات المهمة للثورة الكبرى لأنها جسدت إرادة العراقيين في مناهضة الاحتلال الإنكليزي..

مدينة الأسماء:
يرى أغلب المؤرخين أن (تلعـفر) كلمة مركبة من: ( تل) و (عفر) وهي تعني ( تل التراب)..ويرى البعض أن (تلعـفر) كلمة مركبة من (تلاد عبرا) الآرامية التي تعني (تل التراب) نسبةً للونه، وقال البعض أن أصل الكلمة ( تل عفراء) وتعني ( تل الغزلان) لكثرة الغزلان التي كانت تتردد على ماء عينها في أسفل الوادي الذي تشرف عليه القلعة..ويرى المؤرخ الإنكليزي لايارد (1817-1894م) أن تلاسار وتلسار يمكن تعيين موضعهما بتلعـفر، وتلاسار ذكرت في التوراة مرتين..
وذكر المؤرخون تلعـفر بأسماء عديدة منها: تل عفرة، تل أعفر، تل يعفر، تل يعفور، تل الاعفر، تل عفر، تل عفراء، تل بأعفر، تليعفر، يعفر، تل عثا، تل عشا، تل عبرة، نمت عشتار، قلعة مروان..

تلعـفر عبر العصور:
يُرقى تأريخ تلعـفر إلى عهودٍ سحيقة في القِدم فقد نشأت في العصر الحجري الوسيط أو الحديث من عصور ما قبل التأريخ في مدى ست آلاف سنة قبل الميلاد، وهي إحدى المستوطنات التي استمرت فيها السكنى حتى هذا اليوم، وفي حوالي الألف الثاني قبل الميلاد أصبحت مع سنجار جزءاً من الدولة الميتانية، وكانت مراكز الاستيطان الضيقة تجاورهما فنشطت الزراعة فيها وبنيت الأبراج والقلاع.. وازدادت أهميتها في فترة الألف الأول قبل الميلاد وذلك في عصر الملك الآشوري تكلابلاصر الثالث (741-725 ق.م) وفي هذا العهد نمت وتوسعت المدينة وبُنيت قلعتها الأثرية وعُرفت المدينة باسم (نمت عشتار) وتعني (مزرعة الآلهة عشتار) أو (جنة الآلهة عشتار).. وكان الآشوريون يعنون بتلعـفر عناية كبيرة كونها تمثل موقعاً مهماً على طريقين: عسكري وتجاري يربطان العراق بكلٍ من سوريا وإيران، أي أنها صلة وصل بين الشرق والغرب..
وبعد سقوط نينوى وزوال الدولة الآشورية عام 612 ق.م كانت تلعـفر والجزيرة مسرحاً للحروب الطويلة التي جرت بين الحيثيين والرومان، ثم تعاقبت على تلعـفر سيطرة حكام من الكلدانيين والفرس الاخمينيين والساسانيين، ودامت صراعات طويلة بين الرومان والبيزنطينيين والفرس الساسانيين بالسيطرة على المنطقة ومن ضمنها تلعفر.. وفتحت تلعـفر سنة 18 هـ / 639م وكانت تحت السيطرة البيزنطينية إثر حملةٍ عسكرية قادها القائد العربي عياض بن غنم الفهري لفتح منطقة الجزيرة الفراتية ففتحت تلعـفر على يد الوليد بن عتبة الأموي.. وفي العهد الأموي (40- 132 هـ / 660- 749 م) أصبحت تلعـفر موطناً للخوارج ومسرحاً للحروب التي جرت بينهم وبين الأمويين.. وقد قام آخر خلفاء الدولة الأموية مروان بن محمد الثاني بتجديد بناء القلعة فسميت بـ(قلعة مروان)..وفي العهد العباسي (132- 293 هـ / 749- 905 م) توسعت تلعـفر وازداد سكانها وازدهرت الزراعة في منطقتها وعندما انفصل الحمدانيون عن العباسيين أصبحت تلعـفر جزءاً من دولتهم وقد التجأ إليها بعض أمرائهم في حربهم مع العباسيين، ثم تبعت العقيليين ومن بعدهم السلاجقة.. وأصبحت تلعـفر من المدن التجارية المهمة في العصور الوسطى وأشبه بهمزة الوصل بين الدولتين الإسلامية والبيزنطينية.. وبعد سقوط بغداد بيد هولاكو سقطت هي أيضاً مع الموصل على يد القائد سمداغو سنة 660 هـ / 1261 م وأصبحت جزءاً من الدولة الايلخانية (المغولية) فساءت أحوالها وتدهورت زراعتها وتقلص سكانها تدريجياً كما حدث لسائر المدن العراقية..
ووجدت جماعات التركمان فيها وفي بلاد الجزيرة في العصور العباسية الأخيرة كالسلاجقة والاتابكة وغيرهم، ويعتقد البعض أن سكانها كانوا عرباً حتى هجوم التركمان في القرن الثامن الهجري حيث توطنوا فيها وفي الأراضي المجاورة لها، وقد سقطت الدولة الايلخانية على يد الشيخ حسن الجلائري فأصبحت تلعـفر تابعةً للدولة الجلائرية حتى ظهور تيمورلنك الذي اكتسح الشرق بجموعه ودخل مدينة الموصل سنة 796 هـ / 1394 م ولم يُعلم بالضبط مروره من تلعـفر ولكن الطريق الذي سار منه كان حتى فترة متأخرة يُعرف بطريق تيمور (تيمور يولي).. ثم خضعت تلعـفر لحكم الدولتين التركمانيتين على التوالي : قره قوينلي " الخروف الأسود" وآق قوينلي " الخروف الأبيض " (813- 905 هـ / 1410- 1499 م)، وذُكر أن جماعات صغيرة في تلعـفر اليوم ينتمون إلى هولاء التركمان.. ثم أصبحت جزءاً من الدولة الصفوية بدءاً من عام 1504 م ولعدة سنوات..
ثم احتلها العثمانيون سنة 922 هـ / 1516 م وبعد الاحتلال العثماني للمنطقة خضعت تلعـفر شأنها شأن غيرها للسيطرة العثمانية ودخلها السلطان مراد الربع سنة 1048 هـ / 1639 م ومن بقاياه (همت دده) الذي ينتسب إليه أبناء عشيرة الهمات، و(حسن بك) الذي سُميت منطقة (حسنكوي) باسمه، وقد ساءت أحوال تلعـفر كثيراً في العهد العثماني ولم يكن فيها حتى قبل مائتي سنة تقريباً من يسكن خارج القلعة، وكان يحكمها موظف عثماني بعنوان (متسلم) مع بعض أفراد الجندرمة..
وبعد احتلال القوات الإنكليزية الغازية المدينة قامت سلطاتها بإنشاء بعض المباني الحكومية لموظفيها في القلعة ومنها بناية دائرة الحاكم السياسي التي أصبحت فيما بعد دائرة القائممقامية وبناية للدرك (الشرطة) وأخرى للمدرسة الابتدائية التي اتخذت في ذلك الوقت داراً للحاكم السياسي كما قاموا بفتح مستوصف واستحدثوا دائرة بريد وبرق وشيدوا صهريجاً شمالي حسنكوي للاستفادة من مياه الأمطار وخزنها فيه لعدم استساغهم ماء تلعـفر المُر..
يُذكر انه عندما قامت ثورة مايس التحررية عام 1941م باركها الاعافرة وأرسلوا وفداً الى بغداد لإبداء شعورهم الوطني للقائمين بها إلا أن الإنكليز قضوا على الثورة واحتلوا البلاد طيلة أعوام الحرب العالمية الثانية وبقي السكان رحمة حقد الإنكليز وأعوانهم طوال العهد الملكي وبقيت الزراعة متأخرة وأُهمل ارواء الأراضي الزراعية..

وفي التاريخ المعاصر قدم أبناء تلعـفر الكثير من الشباب الذين حصدتهم المعارك، ففي الحرب مع إيران (1980-1988م) قدمت المدينة الكثير من الضحايا ولا يكاد يخلو بيت منها إلا وفيه قتيل أو أسير أو مفقود، أما في العدوان على الكويت عام 1991م وما نتج عن ذلك من تخريب وتدمير فلم تخلو تلعـفر ممن كانوا ضحايا تلك السياسات الخاطئة، واستمرت المدينة ككل مدن العراق تتحمل ما تجنيه هذه السياسة حتى أزالت رأسها قوات التحالف التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن شنت هجوماً على العراق بدءاً من يوم 20-3-2003م ودخلت تلك القوات بغداد فعلياً يوم 8-4-2003م وأُعلنَ عن سقوط النظام بعد يوم واحد من هذا التاريخ، ثم توالت المدن واحدة بعد أخرى تقع بيد القوات الأجنبية، وفي يوم 11-4-2003م تعرضت بعض دوائر تلعـفر إلى عمليات السلب والنهب على أيدي بعض ضعاف النفوس فأخذت العشائر تحس بخطر هذه العمليات حتى أخذت بعض هذه العشائر على عاتقها حماية بعض الدوائر، ثم عُقدت ندوة في مسجد الإمام الحكيم في تلعـفر نتج عنها الاقتراح بتشكيل (مجلس شورى محلي) لحماية الممتلكات العامة في المدينة وتنظيم إدارتها، وفعلاً شُكل هذا المجلس من شيوخ العشائر ورجال الدين واستطاع أن يقوم بدور ممتاز وكانت هناك ندوات جماهيرية عقدها المجلس في الجامع الكبير وكان يحضرها المئات من أبناء المدينة على اختلاف انتماءاتهم.. من الجدير بالذكر أن تلعـفر كانت أخر مدينة دخلتها القوات الأجنبية حيث وصلتها هذه القوات يوم 8-5-2003م وهذا يذكرنا بأن تلعـفر كانت أول مدينة عراقية تحررت من نير الاحتلال البريطاني..

وقد وقعت تلعـفر أسوة ببعض المدن الأخرى ضحية للعمليات الإرهابية بدءً من عام 2004م التي استهدفت أبناءها حيث لقي أكثر من 1000 شخص مصرعه، فالبعض قتل بالرصاص وآخرون بالهاونات وجماعة بالاغتيالات وأخرى ذبحاً وألقيت جثت الكثير منهم في الأزقة والشوارع..
تضم تلعـفر أكثر من 30 حياً سكنياً في 3 قطاعات أكبرها القطاع 3 ومن أشهر الأحياء السكنية: حي القلعة وحي المعلمين وحي القادسية وحي سعد وحي السلام المعروف بـ(حي البواري) وحي الوحدة المعروف بـ(قنبر درة) وحي المثنى المعروف بـ(حسنكوي) وحي النصر المعروف بـ(السراي)، وتتوزع هذه الأحياء على 30 كم2 هو مساحة مركز المدينة، وتتبع المدينة 63 قرية ونواحي العياضية و ربيعة وزمار ، وهناك 84 مؤسسة تربوية ومعهد إسلامي ويضم المركز مستشفى و10 مراكز صحية ومركز للشباب ودار سينما ومركز انترنت انشأ مؤخراً ومكتباً للبريد وبدالة.. أما المساحة الكلية لتلعـفر فتبلغ مليون و600 ألف دونم.. فيما تقدر مساحة مركز المدينة ومساحة مركز النواحي التابعة لها (العياضية وزمار وربيعة) بـ 4453 كم2.. ومن الملاحظ أن تلعـفر اليوم تخلو من الفنادق والحمامات الشعبية التي تنتشر بكثرة في مدينة الموصل على الرغم من أن المصادر التاريخية تذكر انه كان في تلعـفر حمّام وُصف بأنه لطيف سنة 1325هـ / 1907م ويُعتقد أن موقع هذا الحمّام كان في محلة حسنكوي على بُعد أمتار قليلة من عين ماء تلعـفر، وما تزال آثاره موجودة حتى اليوم..
ومن الجدير بالذكر انه كانت لمدينة تلعـفر أهمية كبيرة تعود إلى مواردها الزراعية الوفيرة بسبب خصوبة الأراضي المحيطة بها وخصوصاً الأراضي السهلية التي تعرف باسم (الجزيرة) والتي تحتوي على ملايين الدونمات وكلها تزرع بالحنطة والشعير، ونشوئها فوق رابية واتخاذها كحصن منيع تجاه غارات الأعداء ووقوعها على طريق القوافل العام الذي يربط العراق بالشام إضافةً الى وفرة مياه عين مائها.. وتقع تلعفر على ارتفاع 370 م عن مستوى سطح البحر، أما الموقع الفلكي والذي من خلاله تحدد شخصية الإقليم الاقتصادية والسياسية والمناخية فتحظى تلعفر بموقع جغرافي جيد في هذا الاتجاه فهي تقع على خط الطول (10-20-30-42 شرقاً) ودائرة العرض (10-22-36 شمالاً) لذا فلتلعفر أهمية من النواحي الاقتصادية والاستراتيجية لأنها تربط العراق بالهلال الخصيب من جهة وبتركيا من جهة أخرى ..

قلعة تلعـفر:
تشتهر تلعـفر بقلعتها الأثرية التي بنيت في العهد الآشوري حيث كانت تلعـفر مركز عبادة الإله (عشتار) وكانت بساتين المدينة وقفاً لمعبد هذه الآلهة.. وجدد الرومان بناية هذه القلعة وحكموا أسوارها.. كما جدد الخليفة مروان بن محمد الثاني آخر خلفاء الأمويين والذي كان والياً على منطقة الجزيرة بناء القلعة وسميت بـ(قلعة مروان) حتى ظنَّ البعض أن القلعة بنيت في العصر الأموي، وكان مروان قد تولى الولاية على هذه المنطقة سنة 102هـ / 720م..
ويذكر الباحثون أن آثار السور الآشوري المبني من اللِبن الآشوري ماثلة للعيان أسفل أحد الأبراج القريبة من مركز الشرطة الحالي.. وفي هذه القلعة حاصر السلطان بدر الدين لؤلؤ الأمير أبن المشطوب وهو آخر من جدد بناء القلعة وقد رمزت الكتابة التي كانت موجودة أعلى باب القلعة إلى اسمه (الملك الرحيم) وكان ذلك عام 616م وكان بدر الدين قد لقب نفسه بالملك الرحيم..
تعرضت القلعة للهدم مرتين:
- الأولى: سنة 1257هـ / 1841م على يد والي بغداد إثر ثورة قام بها أهالي المدينة ضده.. وكان محمد باشا اينجه بيرقدار قد احتل القلعة في هذه السنة وأمر بهدمها وجعلها قاعاً صفصفاً وفعلاً تمَّ هدم جميع الأسوار والقِلاع التي تحيط بالقلعة ولكن مع ذلك لم يحدث ضرراً بالغاً بالقلعة لحصانتها ومتانتها..
- الثانية: سنة 1339هـ / 1920م حيث هدمت أسوارها ونقض بابها الرئيسي على يد المحتلين الإنكليز.. وكان هدف المحتلين من رفع باب القلعة الرئيسي هو تمهيد الطريق لصعود سياراتهم على القلعة ووضعوا هذا الباب الأثري على الوادي الذي يجري فيه ماء العين لاستعماله كجسر صغير تعبر منه المارة وقد شوهدت الأخشاب الباقية من هذا الباب والناس يعبرون عليها حتى عام 1955م..
تقع القلعة في منتصف المدينة على عين ماء تلعـفر التي تتصل بالقلعة عن طريق الباب السري بنفق يصل بينهما وكان قد أهمل أمر هذا النفق فتراكمت فيه الأوساخ والأنقاض التي سقطت من جوانبه إلى أن رحمته السلطات الإنكليزية عام 1920م بعد احتلالهم للمدينة فنطحت النفق وبنيت غرفة على منبع العين ووضعت فيها مضخة تدفع الماء إلى القلعة.. وما تزال آثار هذه الغرفة موجودة..
القلعة التي تبلغ مساحتها 28 ألف متر محاطة بأسوار رئيسية وثانوية الرئيسي منها عرضه 3,30 متر وارتفاعه زهاء 6 أمتار.. وهذه الأسوار مشيدة من جص خالص وأحجار بصورة متقنة كل الإتقان وفي أركان السور الرئيسي ترتفع أربعة أبراج تسمى (أبراج الزوايا) وبين هذه الأبراج الكبيرة أبراج ثانوية.. وتضم هذه الأبراج قلاع كبيرة تسع كل واحدة منها 300 محارب على أقل تقدير وكل واحدة منها ثلاثة طوابق وفيها جيوب وثقوب لرؤية العدو والسيطرة عليه..
وفي هذه القلعة التي ترتفع عن سطح الأرض 25 متراً فتحات ومزاغل للرمي وثقوب لصب المياه الحارة والنفوط وشرفات، وبين كل شرفة وأخرى فراغ قياسه 40,25 سم ويستخدم للرمي.. وللقلعة أبواب أربعة هي باب الماء (الباب السري ـ الشرقي) وباب سنجار (الباب الرئيسي ـ الجنوبي) وباب نصيبين (الباب الغربي) وباب الموصل (الباب الشمالي)..
وقد قال أحد الباحثين عن هذه القلعة: لعل القارئ يستغرب من الإمعان في التحدث عن هذه القلعة ولكنه لو تيسرت له زيارة تلعـفر وشاهد الموقع بأم عينيه لزال استغرابه..
والأعافرة يجمعون على أن مجد الأجداد قد انصهر جميعه في القلعة، هذا النصب التاريخي الذي روته الدماء والقصائد وأغنيات الفرسان، كان الميزة الوجدانية الوحيدة التي تذكر الأجيال الجديدة بقيمة أن يكون الوطن وثيقة ودماء وإنهم اليوم ينحنون أمام هذه الوثيقة.. هذه القلعة تنقل إلى الأجيال بالتوارث أو بسليقة الأقدار دروساً لا يمكن أن تنسى، دروساً تعلم العز وتعلم منطق القوة والحكمة، تعلمهم جميعاً أن القلعة لم تصب في هيكل من الجص الأبيض أو تزخرف بالحلان أو المرمر السنجابي من أجل أن تكون برج مراقبة لطرد لصوص الأسوار الآشورية وإنما القلعة موطن أنساب وحرمات ولهذه الأنساب والحرمات تواريخ مشتركة في أنهر بابل وأودية آشور..
ولكن مع هذه الأهمية التاريخية للقلعة فقد كانت كسائر المعالم الأثرية في المدينة مهملة أشد الإهمال..

مجتمع تلعـفر:
المرأة في تلعـفر لا تستغني عن ربطة الرأس وهي لا ترتاد الأسواق ولا تدخلها والحرشة تعد من محرمات المدينة وهذا عُرف يعترف به الجميع ويلتزمون بتنفيذه، لهذا فالمرأة إذا خرجت من بيتها تمشي من غير محاذير رجالية..
ولعل ما يشار إليه في هذا الموضع الحلي الشعبية التي هي إضافات توضع على الأماكن البارزة من الجسم أو الملابس بغض النظر عن الهدف من الاستعمال، فكل شئ يبرز شخصية ما أو يثير الانتباه يسمى حلية أو الزينة.. والحلية ليست مفرد تجميلي فقط وإنما هي تعبير عن أشياء كثيرة كالمكانة الاجتماعية أو الانتماء العُرفي أو العشائري، كما وقد تستخدم لأجل الحماية من قوى الشر كما هو سائد في بعض المعتقدات الدينية القديمة.. والحلية يمكن أن تكون مصنوعة من مواد مختلفة غير أن الحلية الحقيقية هي تلك المصنوعة من المعادن النفيسة أو الثمينة، والمعروف عن الحلي أنها تتسم بتعدد الألوان والأشكال فقد تكون معدنية كالبرونز والنحاس والذهب والفضة والأحجار الكريمة والزجاج أو قد تكون عبارة عن ورود صناعية أو خيوط نسيجية أو ريش طيور أو حتى حبوب بعض الثمار والمسكوكات.. وتختلف الحلي من الرجال إلى النساء بلا شك، ومن الحلي النسائية في تلعـفر: الأسوار الفضية أو البرونزية والتي توضع على اليد كما يمكن أن تكون الأسوار من اللؤلؤ أو الذهب والخاتم أيضاً فالنساء يلبسن الخاتم بالإضافة إلى حلقة الزواج التي تكون عادةً من الذهب الخالص.. ومن الحلي: الخلخال المصنوع من الفضة أو الذهب ويكون له شناشيل كالأجراس تعطي صوتاً ناعماً ويوضع في أسفل الساق، والزماط المصنوع من الذهب عادةً وتضعها المرأة على صدرها والخماخم (الحلق) التي توضع في الأذنين وتصنع من الذهب أو الفضة أو غيرهما.. وأنواع أخرى من الزينة تسمى في تلعـفر بـ(المنجوغ) وتستعمل البعض منها لابعاد الشر والعين والسحر وجلب إخلاص ومحبة الآخرين حسب المعتقدات السائدة في المنطقة.. والعباءة (قطعة قماش سوداء تخاط بموجب قياسات معينة تلتف بها المرأة وتغطي بها جسمها وما ترتديه من الملابس، وكانت العباءة وما زالت رمزاً للمرأة المحجبة المحافظة) حلية نسوية أيضاً علاوةً على كونها من أهم الأزياء الشعبية للمرأة التلعـفرية..
أما الحلي الشعبية الرجالية فأبرزها: الأزرار المعدنية التي يتم خياطتها على الملابس العليا للرجال كالقميص مثلاً والتي تشكل طقماً كاملاً مع الحزام الجلدي الذي يكون مزخرفاً بأشكال متعددة ومتنوعة والذي يصنع من مواد مختلفة كالقماش أو الجلد أو غيرهما.. وحتى من الحلي ما توضع على الأحذية كنقوش من قماش أو من المعادن الصلبة، ومن الحلي النقوش المزخرفة على شكل خيوط وتراكيب هندسية والتي توضع على عباءة الرجال التي تكون عادةً سوداء أو قهوائي اللون.. ومن الطريف أن المرأة في تلعـفر تغسل شعرها بمادة رملية سريعة الذوبان بالماء تسمى (الخاوة) وتجلب من بعض أطراف المدينة..

النشاط الاقتصادي في تلعـفر:
مناخ تلعـفر بارد شتاءاً وحار صيفاً ومعتدل في فصلي الربيع والخريف وتتأثر المدينة بالرياح الغربية القادمة من البحر المتوسط وهي رياح رطبة باردة نسبياً شتاءاً أما في الصيف فالجفاف هو السائد (قد تصل درجات الحرارة في الصيف إلى 45 درجة) وطبيعة الأرض سهلة منبسطة في القسم الجنوبي ومتموجة في القسم الشمالي يتخللها بعض التلال، وبسبب خصوبة التربة وملائمة المناخ وتوافر الأمطار الشتوية والربيعية (معدلات سقوط الأمطار تتراوح بين 150-250 ملم في القسم العلوي من تلعفر ولا تزيد على 150 ملم في القسم الجنوبي أما في منطقة الجزيرة فتتراوح كمية الأمطار الساقطة بين 300-400 ملم سنوياً) فقد تغلب على مجتمع تلعـفر منذ القديم صفة المجتمع الزراعي وتطبع بأفكار القرية الزراعية.. ومعظم أراضي تلعـفر صالحة للزراعة لذا فقد احترف أهلها الزراعة والمدينة تزرع شتى أنواع المحاصيل لا سيما الحبوب كالحنطة والشعير التي تعتمد على الأمطار (زراعة ديمية)، إضافةً إلى زراعة القطن والرقي والبطيخ في أجزائها الغربية إلا أنها تشتهر بالتين والرمان والزيتون، ففيها حسب إحصائية مديرية زراعة محافظة نينوى أواخر التسعينات: 100 ألف شجرة تين و70 ألف شجرة رمان تعتمد على مياه عين ماء تلعـفر.. يذكر أنه في عام 1933م نصب على عين ماء تلعفر مضخة من قِبل البلدية لسقي الحدائق الموجودة في القلعة وفي عام 1946م تم توزيع الماء عبر هذه المضخة لقسم من المواطنين الذين كانوا يعتمدون كلياً على عين الماء حتى عام 1965م حيث شهدت تلعفر ولاول مرة الماء العذب من خلال مشروع حكومي، واليوم هناك 16 ألف مشترك للماء ولكنها ما تزال تعاني من عجز..
ولان تلعـفر من المناطق الديمية لهذا تتفاوت جودة مواسمها في ضوء الكميات المطرية التي تجود بها السماء..
وفي تلعفر عدة أسواق تجارية ولكن أشهرها تلك الممتدة من منطقة رأس الجادة إلى دورة القلعة والتي تحتوي ضمناً عدة أسواق وهي غير متخصصة يجد فيها المرء كل ما يحتاجه البيت ويبلغ طولها 350م، أما أسواق الكماليات والأقمشة فتنتشر بشكل واسع في منطقة حسنكوي..
أما المحاصيل الحيوانية في تلعـفر فهي الأغنام بالدرجة الأولى ومعظم أهالي المنطقة كانوا يعتمدون على تربية الأغنام لحد سنة 1349هـ / 1930م، تلي الأغنام البقر والجمال والبغال والحمير كما أن تلعـفر اشتهرت بتربية أحسن أنواع الخيول الأصيلة.. واليوم يكاد يختصر الأمر بالأغنام والأبقار وربما لا تجد أثراً للخيول والبغال والجمال.
أما المحاصيل المعدنية فقد ذكر البعض وجود عيون معدن الكبريت في تلعـفر.. وآخرون ذكروا الفسفور والمغنيسيوم وغيرهما.. كما ذكر الخبير الجيولوجي الإنكليزي الدكتور مكفادن الذي اُرسل من قِبل وزارة الاقتصاد والمواصلات العراقية عام 1934م للتحري عن الماء العذب في تلعـفر إن هذه المنطقة غنية بالنفط.. وفي عام 1920م كتب القائد العام للقوات البريطانية في العراق هولدين :أن تلعـفر مكان يغري بوارداته..

وأخيراً:
يرى المختصون في التخطيط الإقليمي والحضري أن لتلعفر إقليم ونفوذ حضري واسع استناداً إلى مقياس العالم الجغرافي سميلز وهذا ما دعا بعضهم إلى القول أن المطالبة باعتبار تلعفر محافظة ليس كلاماً من نسج الخيال أو تعصب وانما هناك جملة أمور علمية وحقائق تاريخية وجغرافية تدعم مطالبتهم، فمن حيث الوظائف الأساسية: تلعفر مركز للعمل ونقطة جمع وتسويق منتجات المناطق المحيطة بها كما أن قانون وليم رايلي (حجم التعامل التجاري) ونظريات كرستانر واوكست لاش وايزارد وفلبرك كلها إلى جانب المطالبين بجعلها محافظة هذا اقتصادياً، أما اجتماعياً فإنها ـ تلعفر ـ مركز لتقديم الخدمات الصحية والتعليمية والحضارية إضافةً إلى كونها عقدة للمواصلات والمرور وتجمع السكان بالرغم من إهمالها من قِبل الحكومات المتعاقبة السابقة، كما أن الكثافة السكانية التي تتمتع بها المدينة (فهي أكبر كثافة سكانية لقضاء في العراق) وموقعها وصفاتها الطبيعية ومساحتها ومؤهلاتها العسكرية.. لهذا وغيره يسعى الكثير من أبناء تلعفر إلى أن تتمتع بالاستقلالية الإدارية المحلية وذلك بتحويلها من قضاء إلى محافظة..