انتهاء عصر السفن العملاقة
فى ديسمبر الماضى، أصبحت سفينة«بنيامين فرانكلين» بطول ربع ميل أكبر سفينة شحن على الإطلاق ترسو فى ميناء أمريكى. وكان من المفترض إنتاج 5 سفن عملاق مماثلة، مما كان سيخلق قوة شحن ساحقة بنهاية مايو.
.. لكن صادف ذلك سوء تقدير هائل من جانب صاحب الأسطول، إذ لا يوجد طلب كاف لمثل هذا النوع من السفن. وقامت سفينة بنجامين فرانكلين بآخر زيارة لها إلى ميناء أمريكى منذ أسابيع قليلة.
وشكل ذلك نهاية شائنة لخطة بالغة الطموح.
لكن لا ينبغى أن يثير ذلك الدهشة، فقطاع الشحن يعانى من أسوأ ركود فى نصف قرن، وتعد سفن الحاويات العملاقة، أيقونة العولمة، أحد الأسباب الرئيسية فى هذا الركود. ففى ظل تباطؤ النمو والتجارة العالميين، تختفى فوائد الإبحار والرسو بسفن كبيرة مع كل جيل.
وأدرك أصحاب السفن أن الأكبر لا يعنى الأفضل.. ولكن متأخرا.
وهذا يعد تغييرا كبيرا.
ففى الفترة ما بين 1955 و1975، تضاعف متوسط حجم سفن الحاويات، ثم تضاعف مجددا كل 20 عاما لاحقة. وكان المنطق وراء بناء سفن العمالقة لا شك فيه، وهو ان العولمة بدت كقوة غير قابلة للردع. وأن من يستطيع استغلال اقتصادات السعة سيجنى أرباحا هائلة.
وبحلول عام 2008، بدأ هذا المنطق فى التداعي. ورغم انهيار أحجام التجارة العالمية بعد الازمة المالية العالمية – وما لذلك من تأثير كارثى على قطاع الشحن – واصل ملاك السفن طلب وتشغيل سفن أكبر، وكان لذلك تأثيرا مدمرا.
وشهد العام الحالى، إرساء وتعطيل 18% من سفن نقل الحاويات فى العالم.
وفى الربع الماضى وحده، ارتفعت سعة الشحن العالمية بنسبة 7%، فى حين نما الطلب بنسبة 1%. ونتيجة لذلك، انخفض سعر شحن الحاوية بمقدار النصف تقريبا.
وتزداد الأمور سوءا بالنسبة للسفن الكبيرة. وأظهرت دراسة العام الماضى من جانب منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية أن اقتصادات السعة من السفن العملاقة اليوم تحقق وفورات فى التكلفة أقل 4 أو 5 مرات من الفترات السابقة لوفورات الحجم.
وحوالى 60% من توفير التكاليف حاليا يأتى من تكنولوجيا المحركات.. بمعنى آخر، سيقدم بناء قوارب أصغر بمحركات أفضل وفورات أكبر من تكبير الحجم.
وعلاوة على ذلك، توجد مخاطر.
فحاملات الحاويات اليوم تصل تكلفتها إلى 200 مليون دولار وتحمل آلاف الحاويات، مما يرفع قيمتها وقيمة ما تحمله إلى مليار دولار، وهى بمثابة خطورة عائمة لا تستطيع الرسو إلا فى عدد قليل من الموانئ حول العالم، وبالتالى تكون هذه السفن أهدافا رئيسية للهجمات الإلكترونية والإرهاب، وتعانى من ندرة الموظفين المؤهلين لتشغيلها، وتخضع لأقساط تأمين مرتفعة.
ومع ذلك، تكون التكاليف الأكبر التى ترتبط بهذه العماليق العائمة على البر وفى الموانئ التى تكافح للتعامل معها. ومن بين التحديثات المكلفة التى يجب ان تدخلها الموانئ للتعامل وتخدم سفينة مثل «بنيامين فرانكلين» بكفاءة هى استخدام رافعات جديدة، وكبارى أطول، وتجريف له مخاطر بيئية، بجانب تعديل كامل لساحة الحاويات.
وحتى فى حال تحمل دافعو الضرائب فاتورة هذه التحديثات، فسيتم تحميل التكلفة على مشغلى السفن فى صورة رسوم رسو أعلى.
وتسببت السفن الكبيرة خلال السنوات الأخيرة، فى ازدحام بالمياه والبر، فى حين ناضلت الموانيء لتفريغ آلاف الحاويات. وتكون تكلفة العمل لوقت إضافى وتاخير الشحنات عالية.
والأسوا من ذلك، أن السفن الأكبر تقلل عدد زيارات السفن للميناء، ما يجعل مشغلى الموانئ يتشككون فى جدوى التجديدات المكلفة.
ومع ذلك، الاتجاهات طويلة الأجل هى ما يجب ان تقلق أصحاب القوارب العملاقة، نظرا لأن منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية تؤكد أن التجارة العالمية سوف تواصل التوسع فى العقوج القليلة المقبلة، ولمن بوتيرة أبطأ بكثير مما كانت عليه فى لعصر الذهبى للعولمة، وهذا يرجع بقدر كبير إلى ان الاقتصادات الناشئة مثل الصين، تامل فى الاعتماد أكثر على الاستهلاك المحلى، وأقل على النمو الذى تقوده الصادرات.
واستنادا على ذلك، قد تعتقد أن أصحاب السفن ربما يبدأون فى الابتعاد عن السفن الكبيرة، ولكنهم يفعلون العكس تماما خوفا من التأخر فى المنافسة واملا فى إخراج مشغلى السفن الأصغر من القطاع.
وسترتفع السعة العالمية بمقدار 4.5% العام الحالى، و5.6% العام المقبل، بسبب السفن العملاقة على الأغلب مثل «بنيامين فرانكلين».
وقد تقدم الاندماجات والاستحواذات، التى يسعى وراءها بعض ملاك السفن، فرصة لاستمرار هذه السفن الكبيرة.
لكن حتى أكبر مشغلى السفن سيتعين عليهم أن يستوعبوا ان عصر السفن العملاقة بدأ فى الانتهاء.