بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
يروي أن دباغاً وزبالاً قصدا السوق يوماً ، وكلاهما معتادان على القذارة والرائحة الكريهة ، واتفق أن مر الدباغ بمكان لبيع العطور في سوق العطارين ، فبلغت رائحة العطر مشامة ، فصاح صيحة سقط بعدها على الأرض مغمياً عليه ، سارع العطارون لمساعدته وراحوا يرشون عليه العطر وماء الورد ، غير أن حاله ازدادت سوءاً ، وبينما هم على هذه الحال ، يحيطون به من كل ناحية ، وصل زميله الزبال في الوقت المناسب ، ورأى ما جرى لزميله ، فأدرك على الفور ما يشكو منه ، فذهب وأتى بقليل من النحاسة وضعها تحت أنف الدباغ ، فعاد إليه وعيه وثاب إلى رشده .
فتحلقوا حوله ، يسألون هذا الطبيب الحادق ، عن الدواء العجيب الذي أعاد المغشي عليه إلى وعيه ! فقال : أنا لست ( أفلاطون ) ولا ( أرسطوا ) وكل ما في الأمر هو أن شغلنا في القذارة والنجاسة ، مما لنا لرائحة العطر وماء الورد ؟!
تفيد هذه القصة أن كلا يأنس بعالمه ، فليكن أنسك بالعالم الأعلى ، وأن تكون من أهل الجنة ، فإذا ذكر الموت استبشرت بالموطن الدائم ، وليكن إحساسك عند ذكر الموت كمن يلقى مواطناً له وهو في سفر ، فيروح يدور حوله ، ويسأله عن أخبار الوطن ، وكل أنسه هو أن يسأل عن الوطن .
يا من تريد أن يكون وطنك وموقفك ومرقدك الابدي الجنة ، وأن تكون بعد هذا العالم إلى جوار الله ، يا من أنت فوق تراب دار الغربة هذه ، تقرأ في الليل دعاء أبي حمزة ، قل صادقاً : (( ارحم في هذه الدنيا غربتي )) . إلهي ، أنا في هذه الدنيا غريب ، فارحمني . ولتكن محطتك الأخيرة التي لا تفارقها (( مقعد صدق )) ، أي الجنة .