وجود الماء بشكله السائل على سطح المريخ
على الرغم من أن العلماء كانوا يعلمون منذ زمن بوجود مياه متجمدة في قطبي المريخ، إلّا أن البحوث الجديدة تشير إلى أن هناك مياه سائلة مالحة يمكن أن تكون موجودة على مقربة من سطح الكوكب.
في البحث الجديد الذي تم نشره في مجلة (Nature)لم يستطع العلماء العثور على مياه سائلة بحد ذاتها، ولكن مسبار ناسا المريخي (Curiosity) وجد أثراً لمادة بيركلورات الكالسيوم – وهو نوع من الملح – في التربة المريخية، وهذه المادة لها ذات تأثير الملح على الجليد (الإذابة)، حيث أن مادة بيركلورات الكالسيوم تعمل على خفض درجة الحرارة التي يتجمد عندها الماء مما يسمح بوجود الأخير في شكله السائل حتى على سطح متجمد مثل سطح المريخ الذي تتفاوت درجات الحرارة فيه بين -195F (-125C) في فصل الشتاء و 70F (20C) في فصل الصيف، كما أن مادة بيركلورات الكالسيوم تمتص المياه التي توجد في الغلاف الجوي، وتنزلها نحو سطح الكوكب.
على اعتبار أن جميع أشكال الحياة على الأرض تتطلب وجود المياه لتتمكن من العيش، فإن احتمال وجود مياه سائلة على سطح الكوكب الأحمر يثير احتمالية وجود شكل من أشكال الحياة البدائية هناك، فمؤخراً تم اكتشاف نوع من أنواع الأحياء التي يمكنها أن تعيش في الماء المالح دون الحاجة إلى الأوكسجين على الأرض، وهذه المخلوقات التي تدعى بالـ(Loriciferans)، ولا يتجاوز طولها الملليمتر الواحد وهي تشبه قناديل البحر.
بحسب المؤلف الرئيسي للبحث (خافيير مارتن توريس) من المجلس الإسباني للبحوث في إسبانيا، وجامعة لوليا للتكنولوجيا في السويد، وعضو الفريق العلمي لمسبار (Curiosity)، فإن الماء السائل يعتبر شرطاً أساسياً للحياة، ولكن الظروف المناخية التي تتحكم حالياً بالمنطقة التي تقع بالقرب من سطح المريخ هي بالكاد مواتية للحياة الميكروبية كما نعرفها، إلّا أنه وعلى الرغم من ذلك فإن إمكانية وجود محلول ملحي سائل على سطح المريخ سيكون له آثار واسعة النطاق بالنسبة لقابلية السكن وللعمليات الجيولوجية التي تتعلق بالمياه.
كان مسبار (Curiosity) يحقق في حفرة غيل الواقعة إلى جنوب خط استواء المريخ، وذلك منذ وصوله إلى سطح الكوكب في عام 2012، وقد بينت المسوحات الجغرافية التي أجراها للمنطقة أن فوهة غيل البركانية كانت في يوم ما عبارة عن بحيرة كبيرة، وقد جاء هذا الاكتشاف بعد أن وجد المسبار ودائع رسوبية واضحة، وحصى مدورة تظهر بأنه كان يوجد في مرحلة معينة من الزمن مياه متدفقة محاصرة على عمق نحو متر من سطح الكوكب.
قبل نحو 4.5 بليون سنة، كان المريخ يمتلك ستة أضعاف كميات المياه التي يمتلكها حالياً، كما كان يمتلك أيضاً غلافاً جوياً أكثر كثافة من الذي يمتلكه اليوم، ولكن معظم هذه المياه اختفت في الفضاء بعد أن فقد كوكب المريخ المجال المغناطيسي الذي يحميه من الأشعة الكونية القادمة من الشمس، ونتيحة لعدم وجود ما يحميه فقد الكوكب الأحمر معظم غلافه الجوي الذي تقل سماكته اليوم بحوالي 100 مرة عن سماكة الغلاف الجوي للأرض.
في كانون الأول من العام الماضي اكتشف مسبار (Curiosity) وجود انبعاثات ضئيلة من غاز الميثان، وهو أمر يمكن اعتباره بأنه الدليل الأول على وجود حياة بيولوجية تعيش على سطح المريخ، حيث أن معظم غاز الميثان الذي يتم إنتاجه على كوكب الأرض يكون نتيجة لمخلفات الكائنات الحية، ولهذا فإنه من الممكن جداً أن يكون “تجشؤ” الغاز الذي تم اكتشافه على المريخ ناتجاً عن بكتيريا تعيش هناك.
سيتم تجهيز مسبار (Experts Mars) بمثقاب بصل طوله إلى مترين وبالقدرة على الكشف عن المؤشرات الحيوية للحياة، ولكن هذا المسبار لن يتجه نحو فوهة غيل البركانية، لأن إنزاله سيتم بدقة أقل من (Curiosity)، لذلك يمكن أن تكون فوهة غيل البركانية والجبال التابعة لها منطقة خطيرة بالنسبة له.
يقول الدكتور (مورتن مادسن)، وهو أستاذ مشارك في الدراسة ورئيس مجموعة (Mars Group) في معهد نيلز بور في جامعة كوبنهاغن “أصبح من المعلوم أن مادة بيركلورات الكالسيوم توجد في التربة المرخية، ونحن نعلم أيضاً بأن هذه المادة يمكنها أن تمتص بخار الماء من الجو إذا ما كانت الظروف مواتية، وهذا بالضبط ما تشير إليه قياسات (Curiosity)، حيث تبين بعد مراقبة الطقس أن هذه الشروط تكون متواجدة في الليل وبعد شروق الشمس في فصل الشتاء”.
بناء على قياسات الرطوبة ودرجة الحرارة على ارتفاع 1.6 متر من سطح كوكب المريخ، كان بإمكان العلماء تقدير كمية المياه التي يتم امتصاصها، فتبعاً لـ(مادسن)، عندما يحل الليل يتكثف جزء من بخار الماء الذي يوجد في الغلاف الجوي على سطح الكوكب بشكل صقيع، وهنا يأتي دور بيركلورات الكالسيوم التي تمتص الماء من الصقيع وتشكل محلولاً مالحاً يؤدي إلى خفض درجة التجمد ويحول ما تبقى من الصقيع إلى ماء سائل.