منذ زمن ليس بالقصير والروح تتمنى أن تخضع الضمائر وأصحابها الى فحص دقيق من لدن جهاز محدد بعينه يعمل على تشخيص قيمة تلك الضمائر وصلاحية أصحابها لسلالة البشر الأسوياء ـ
ثقافياً وحياتياً ـ وذلك عبر المرور تحت مجسات وقراءات (الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية) هذا الجهاز المعروف لدى الجميع بقدرته الفائقة على فرز الحابل من النابل وتحرير شهادة دامغة تجيز او تمنع تلك القطعان الضمائرية وذويها ومن ثم تأمين القنوات اللازمة ـ بعد تعقيمها ـ ليتم تدفقها بعدئذ من ـ الصادر عنه ـ الى ـ المستفيد منه ـ ، ذلك ان جهازاً مثل هذا يخلو تماماً من أمراض العصر العراقي مثل: ـ الطوأفة ـ و ـ الردكلة ـ و ـ المحصصة ـ و ـ الفدرلة ـ و ـ الجرب الوجداني.... الخ.. ولأن الامر هكذا فقد تم استئصال هذا الجهاز وإستبداله بجهاز عاثرالحظ يدعى (هيئة النزاهة) ذات المهام المتخصصة بوضع الإصبع فقط على مفاسد مالية وإدارية من دون معالجة تذكر، أما المفسدة ـ الثقافية ـ فليست من إهتمام ومهام هيئة كهذه، لا سيما وان الثقافة العراقية عموماً لم تكن في حسبان البرلمانيين والحكوميين والمتحزبين واشباههم، والأتعس من ذلك لم تكن الثقافة العراقية من أولويات المثقف العراقي!!
ف ـ تيتي...تيتي ـ مثلما (كان) الحال فيما مضى اصبح ـ الان الثقافي ـ أشد ضآلة من ذي قبل، حدث هذا ـ بفضل المثقف أولاً ـ الاستجدائي مرة، والمترفع زوراً مرة ـ عندما لم يكن مشمولاً بالدعوة الى ثريد حكومي، والمعتزل مرة بدعوى ـ التمرد على ثقافة القطيع ـ والمجعجع انتصاراً للشرف المعرفي الذي لا يستقيم إلا بإراقة الدماء على جوانبه المهددة بالاذى مرة اخرى.. وهكذا.. فما من أحد من أهل الثقافة بمنأى عن تهمة التورط في قتل الثقافة الوطنية سواء أكان هذا المثقف (يتبختر) في الداخل العراقي أو ذلك الذي (يترنح) في بلدان الغير، حتى النجباء من هؤلاء وأولئك لم تشفع لهم هذه (النجابة) من تحمل مسؤولية تنظيف البيت الثقافي العراقي الا بارتكاب الفعل المرئي والمؤثر في إنقاذ الميدان من دبيب الإنحطاط وعناكب البهتان المعششة في أذهان الجميع بلا إستثناء، اذن البلدان من (إختراع) أهلها، فلم يعد الوطن ذلك المقدس الصنمي الجاهز الذي ننحر له الأضحية ونفتديه بالنفائس والأثمان الباهظة بحجة الإيمان المطلق في غالب الأحيان والأعمى في مجمله، بل الأوطان من نتاج سكانها (المثقفين على وجه الحصر) الذين لم يستحوا بعد أو يتعضوا من الإشارات المبثوثة من فكرة إجرائية تسعى الى إختراع عراق مثقف بلا متفقهين بالحداثة والبنيوية وميكانزمات النص المفتوح وجماليات النشاز السمفوني وسدنة كسر الجدار الرابع بريختياً وتكنوقراط السرد ( الميتازعروري..! ) وهلم اجتراراً بلا طائل ولا فكاك...لقد فشل المثقف العراقي بنجاح يحسده عليه السياسي والارهابي وسماسرة الدم من ذوي القربى الذين أشد كفراً من الغرباء، لذلك أدعو الى إعتماد ممكنات (الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية) مجدداً لفرز ـ الرفيع الثقافي ـ عن ـ الرقيع ـ وإستبدال (هيئة النزاهة) بـ مديرية مكافحة العراق الراهن ـ وما يحمله هذا (العراق) من مساوئ أسهمنا نحن جميعاً في جعله ذلك ـ الراهن والمرتهن والرهين ـ بفعل قدرتنا على (استصدار طبعة) متسخة بنا (منه) وبالتالي لكي أنفلت من مزالق الإستفهامات الموجعة التي استوقفتني سائلة: (كيف تقيًم أداء الثقافة العراقية - أفراداً ومنظمات وإتحادات ومؤسسات .. إلخ ..؟ وماهي برأيك الإجراءات التي يمكن ان ترتفع بهذا الأداء..؟) على الرغم من إنني قلت ما يستوجب قوله ونسيت ـ خجلاً ـ أن أضيف شيئاً مهماً في هذا المضمار ألا وهو: لقد انتهى السجال (الفوكويامي) بين الفرقاء المعرفيين مؤخراً حول طرائق التنقيب الحفري بشأن غلق (بار الاتحاد) وانفراجه، وتفعيل الوحدة الموضوعية (للنص) الوطني عبر حقن سلفية الرؤوس بشيء من رحيق (العصرية ) وتوتاليتارية مجلس محافظة بغداد ( الجاجيكية ) العابقة بنكهة ثوم العجم الشهيرة .... فيا للعار رجاءً.
........................
سلمان داوود محمد ....شاعر وناقد عراقي